مكافحة الإرهاب…الأزمة والحلّ
ساندرا علوش
إعادة هيبة الدولة وبسط الأمن والقضاء على الإرهاب وتحسين الحالة الاقتصادية، هي أولويات وتحدّيات الرئيسين المنتخبين حديثاً في كلّ من سورية ومصر. فالجيشان الأقوى عربياً يواجهان عدوّاً واحداً على أراضي هذين البلدين، بالإضافة إلى استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الحدود الغربية العراقية الملاصقة لمناطق سيطرته على الحدود الشرقية السورية، وهي الأراضي الغنية بالموارد النفطية سورياً وعراقياً، ما يجعل الحالتين المصرية والسورية تلقى اهتماماً عالمياً نظراً لحساسية البلدين استراتيجياً وعسكرياً، وهما البلدان الملاصقان للأراضي الفلسطينية المحتلة وخاض جيشاهما سابقاً معارك تاريخية مع الاحتلال «الإسرائيلي» ما يدفع الولايات المتحدة لاعتبار هذين الملفين مرتبطين مباشرة بالأمن القومي «الإسرائيلي»، أما بالنسبة إلى الجيش العراقي فقد فتّته الاحتلال الأميركي ولم يعد يعوّل عليه أو يخشى منه.
لكن التورّط الأميركي المعلن في الحرب على سورية يمنع الإدارة الأميركية من التعاطي مباشرة مع القيادة السورية، وبالتالي يبعدها عن طاولة المفاوضات أو التسويات التي تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى فرضها على سورية ما يصعّب الأمر عليها أكثر، بخاصة أنّ الأميركي بات محرجاً بعد الانتخابات الرئاسية السورية التي أوصلت الرئيس السوري بشار الأسد إلى ولاية دستورية ثالثة، أي سبعة أعوام مقبلة من حكم الأسد في سورية لن تكون أميركا خلالها قادرة على المضيّ في حربها لإسقاط الرئيس السوري، خصوصاً بعدما حسم الجيش السوري المعارك في أهمّ النقاط التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة لصالحه في معظم الجغرافيا السورية، بينما كان السوريون داخل وخارج سورية يسجلون نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية لم تحققها أكثر الانتخابات الرئاسية الأميركية إقبالاً، إضافة إلى تنامي الحاجة الأميركية لإيجاد مخرج لها من الأزمة السورية بعد تعاظم خطر الإرهاب وسيطرة المتطرفين الإسلاميين على نقاط حدودية حساسة في كلّ من العراق وسورية ومصر.
الساحة المصرية أيضاً أنجبت ثورتين شعبيتين أوصلت أخيراً قائداً عسكرياً أمضى معظم سنيّ عمره في خدمة الجيش المصري إلى سدة الحكم بانتخابات ديمقراطية شهدت إقبالاً جماهيرياً واسعاً. فالرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي الذي أعلن ساعة تسلّمه منصبه أنّ «لمصر قيادة واحدة فقط» كان قد بدأ مسبقاً بمحاربة إرهاب التطرف الإسلامي الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين، وأكد على الاستمرار في ذلك. كما أنّ مؤشرات التقارب الإيراني- المصري والإيراني- الخليجي والخليجي- الإيراني تجلت آثاره في خطاب الرئيس السيسي وفي تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تلت حفل التنصيب، ما يبشر بعودة قوية لمصر إلى الساحتين العربية والإقليمية.
مصر التي بدأت بنفض غبار التطرف عن ثورتها بحاجة إلى علاقات عربية ودولية متينة تضمن لها مساعدات مالية تغنيها عن المساعدات الأمريكية وصندوق النقد الدولي، وبحاجة أيضاً إلى حلفاء أقوياء يدعمون حربها ضدّ الإرهاب الذي يتغذّى على الفوضى. فالغرب يسعى إلى إقامة ديمقراطيات ضعيفة تنتج مجتمعات فاشلة في ظلّ فوضى تستمرّ لعقود، ولتفادي الضغوط الغربية لوّح الرئيس السيسي للغرب بوجود بدائل عن العلاقات معه بتنوّع العلاقات الخارجية، ما يحميه من الارتهان للغرب، كما كان الأمر في عهود الرؤساء السابقين مرسي ومبارك والسادات. وهو الذي تلقى دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الكرملين كرئيس لمصر.
لكن كيف ستستغلّ الولايات المتحدة الأميركية الوضع الإقليمي الجديد لمصلحتها كي تدخل إلى الساحة السورية وتعيد الصلات مع الرئيس السوري المنتخب بشار الأسد؟
بينما ينتقل ملف إيران النووي والدور الأميركي فيه من التفاوض الجماعي الدولي إلى التفاوض الثنائي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وتنتقل إيران إلى لعب دور الندّ المفاوض في ملفات، وليس الملف النووي أولها ولن يكون الملف السوري آخرها.
فالأميركي يحوك مخرجاً له من الأزمة السورية يتيح له التفاوض مع الرئيس الأسد ولو عبر القنوات الدبلوماسية الخلفية، ومثله تفعل دول كثيرة التي تورّطت في الحرب على سورية. لكن في المقابل لن يخسر الأميركي الحرب بهذه السهولة. فتحرك تنظيم داعش في العراق أخيراً باستيلائه على الموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، دفع بخمسمئة ألف عراقي للنزوح إلى خارج الموصل، في مشهد لا يختلف كثيراً عن مأساة العديد من المدن السورية مع الإرهاب، ويضع حكومة المالكي في وضع حرج داخلياً وخارجياً، كما يضغط على إقليم كردستان الذي يخشى على استقراره ونمائه الاقتصادي من وصول إرهاب «داعش» إليه بعدما وصل إلى مشارفه.
هذا التطوّر الكبير على الساحة العراقية والمترافق مع مفاوضات وتفاهمات دولية تؤسّس لموازين قوى عالمية جديدة يشير إلى بصمات الولايات المتحدة الأميركية التي تنقل أزماتها من مكان إلى آخر، كيفما تتطلب مصلحتها ومصلحة ربيبتها «إسرائيل»، فممكن جداً أن تكون أميركا اقتنعت بفشل مخططها في سورية بعد الانتخابات، فأعادت كرة اللهب إلى العراق، أو أنها خطوة جديدة تضاف إلى مخطط رسم «الشرق الأوسط الجديد» لطالما حلم الأميركي بتنفيذه. ما يشير إلى ذلك تصريحات عضو مجلس الشيوخ الأميريكي جون ماكين الذي لعب دوراً كبيراً في الحرب على سورية ودعم المعارضة المسلحة والتقى قادتها على الأرض.
لقد ألقى ماكين باللوم على الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تقاعس في إبقاء قوات أميركية في العراق للمساعدة في توطيد الاستقرار هناك. وقال ماكين: «كان علينا إبقاء عدد محدود من القوات في العراق مثلما فعلنا في كوريا وألمانيا والبوسنة، لكننا لم نفعل ذلك، والنتيجة انزلاق العراق إلى الفوضى».
كي تخرج الولايات المتحدة الأميركية نفسها من حالة العداء لسورية عليها تصعيد خطر الإرهاب وتعويمه أكثر ونقله إلى أراض مجاورة، بحيث تبقي على الخطر قريباً، وبالتالي لا تدع مجالاً للاستقرار النهائي، وتخلق في الوقت نفسه الظروف التي تستدعي تدخلها لحلّ المشكلة التي خلقتها أصلاً.
إذن، «مكافحة الإرهاب» سيكون عنوان المرحلة المقبلة عالمياً. ومن هذا المنطلق ستسعى دول كثيرة عربية وإقليمية ودولية الى إعادة العلاقات مع النظام السوري الذي حاربوه وقاطعوه، وأول هذه الدول ستكون الولايات المتحدة الأميركية التي ستبدأ بتحسين علاقاتها مع الرئيس المصري الجديد عن طريق رسلها والدول الخاضعة لتأثيرها واستغلال التشابه بين الحالة المصرية والسورية والعراقية لإعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، مقرّين بأنه هو والجيش السوري ضمانة لسورية ضد الوقوع بيد الجهاديين والمتطرفين، وكذلك ستفعل الدول الإقليمية المتورّطة في الحرب على سورية.