تعليمات قطر مشدّدة وكلمة السرّ أطلقت… فهل تنجح ساحة الشهداء في جلب «دوحة 2»؟
روزانا رمّال
بعدما كانت احتجاجات الحراك المدني في لبنان تقتصر على أيام السبت، كدعوات كبرى، باتت كلّ أيام الأسبوع موعداً لتجمّعات واعتصامات وفي كلّ يوم نشاط جديد أو مطلب مختلف، حتى بات الحراك عبارة عن مجموعة مطالب مبعثرة، من دون خطة أو تنسيق، من دون أن يحقق المتظاهرون تقدّماً ملموساً حتى الساعة ومن دون الإعلان عن ورقة عمل ومنهجية عمل قانوني وخطوات لمفاوضة السلطات السياسية وعبر منتدبين من قبلهم ومنتدبين من قبل السلطات، في مشهد يؤكد أنّ هناك من يطلب فوضى المطالب وفوضى من أجل الفوضى.
رفع أحد المتظاهرين لافتة تنتقد فساد زعماء لبنانيين، فكانت كافية لاشتعال المشهد فتعارك الشبان بين مناصرين لزعماء يعرف من رفعها أنها إحدى وسائل استفزازهم الناجحة، بسبب اشتباك سابق وما لبثت الحشود أن تواترت إلى الساحة حتى جاءت كلمة السر القطرية على لسان أحد الناشطين: «تقدّموا نحو ساحة النجمة» أيّ نحو مجلس النواب.
تشير المعلومات إلى استعجال قطري للتصعيد واللعب بأوراق إقليمية عدة، ممزوجين بدافع تركي سببه اقتراب الانتخابات من دون حسم ساحات الضغط وأوراق القوة التي من الممكن أن تؤثر إيجاباً على نتيجة الانتخابات لحزب العدالة والتنمية الذي سبق ومُني بهزيمة قاسية بعد شلّ قدرته على تشكيل حكومة. وبالتالي فإنّ ما جرى في الانتخابات التركية الأخيرة يؤكد فشل سياسات أردوغان التي لم تستطع أن تحقق نتائج تعود بالفائدة على الداخل التركي وعلى الاقتصاد، لا بل أسهمت في المزيد من العداوات وانهيار دراماتيكي لكلّ الأحزاب والحركات المنضوية تحت عباءة العدالة والتنمية من مسمّيات مختلفة لـ«الإخوان المسلمين».
يحتاج أردوغان وحلفاؤه القطريون اليوم إلى حضور أقوى في المعادلة الإقليمية المتجهة نحو حلّ سياسي في سورية، في ظلّ بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المعادلة، بقناعة أميركية ردّدها جون كيري، تفيد بعدم استعجال أميركا تنحّي الأسد ونوايا مفاوضته.
الرئاسة اللبنانية إحدى الأوراق القوية التي استطاعت قطر دخول الساحة الداخلية من خلالها، أيّ الساحة اللبنانية، التي جلبت لها، ومن ورائها تركيا، ورقة شديدة الأهمية نظراً إلى حساسية لبنان، موقعاً وظرفاً وعقدة تضمُّ قوى المقاومة الأبرز وهي حزب الله الذي يمثل حليفاً أساسياً لإيران المنتصرة بملفها الأهمّ، وهو الملف النووي، وحليف سورية الذي قدّم نفسه فيها كمشارك في القتال وحامل أهمّ أوراق المحاور فيها يقع على عاتقه اليوم دعم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية اللبنانية لا يمثل إلا انتصاراً جديداً له ولمحور برمّته وهو العماد ميشال عون. فحزب الله المرتاح للمتغيّرات الدولية غير مستعجل للمجيء برئيس يشبه الرئيس السابق ميشال سليمان، لجهة الاتفاق معه على أكثر ما يهمّه وهو موضوع السلاح والعودة إلى نقضه فجأة، وهو يعتبر اليوم أنّ الدماء التي بذلها أبناؤه في سورية لن يتمّ التهاون فيها بإعادة المشهد إلى الوراء وإبقاء لبنان والرئيس اللبناني لعبة في يد الذين عبثوا بسيادة لبنان ورئيسه في مرحلة سليمان .
الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر، ومعها تصريحات فرنسية ونوايا زيارات دولية إلى لبنان كزيارة متوقعة لرئيس فرنسا فرنسوا هولاند، مسبوقة بزيارة لرئيس وزراء بريطانيا دايفيد كاميرون، كلها دعت إلى أهمية الإسراع في انتخاب رئيس لبناني. المطلب الأميركي بضرورة الإسراع يعني، في الدرجة الأولى، أنّ الدخول إلى الورقة اللبنانية هو هدف كلّ القوى الإقليمية اليوم، ويبدو أنّ قطر، ومن خلفها تركيا، اتخذت من الشارع أداة للضغط، أما السعودية فقد اتخذت من الحوار ودعم الحكومة طريقاً.
كلّ الطرق تؤدّي إلى الطاحون، لكنّ اللبنانيين الذين جرّبوا مسبقاً انتخابات رئاسية خارج البلاد، يبدو أنّ جزءاً منهم يفتح الطريق أمام محاولة قطرية حثيثة لوضع اليد على الملف الرئاسي بتجنيدها قناتين لبنانيتين لخدمة مشروع انتفاضة في لبنان.
الانتفاضة هذه تعني الشارع، والشارع يعني اشتباكات محتملة وقلقاً يومياً يمكن أن يؤدّي بالأمور إلى ما لا تُحمد عقباه، ما سيضغط على كلّ الأحزاب، وفي مقدّمهم حزب الله، للقبول بمرشح توافقي على غرار الرئيس ميشال سليمان باتفاق ترعاه قطر القادرة على التأثير والضغط على الحراك وتهدئته وتهدئة مطالبه وكمّ الشاشات وحجبها وتوجيهها .
القرار بعدم ترك الساحات قد اتخذ من قبل القيّمين على التظاهرة، وتعليمات قطر المشدّدة وصلت وكلمة السرّ أُطلقت بالتصعيد والتسخين. فهل تنجح ساحة الشهداء في جلب مؤتمر «دوحة 2»، على غرار «دوحة 1» الذي ولد نتيجة اشتباكات دموية في الشارع اللبناني، كخلاص لأزمة 5 و 7 أيار 2008 التي تمّ افتعالها واستغلالها؟ وهل بات على لبنان واللبنانيين اعتبار أنّ عليهم تحمّل مخاطر دراماتيكية في كلّ مرة يتجه اللبنانيون فيها إلى انتخاب رئيس للجمهورية؟