التحوّل الفرنسي: «حكومة وحدة وطنية» في سورية
عامر نعيم الياس
أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق لحلّ الأزمة «ليست واقعية». وقال فابيوس في مقابلة أجرتها معه عدّة صحف أوروبية وفرنسية، إنّ الحل في سورية يمر عبر تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تضمّ أطرافاً من النظام والمعارضة و«من دون بشار الأسد»، وذلك لتجنّب حدوث انهيار كما حصل في العراق.
بالتوازي مع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، أعلن ثلاثة نواب من الحزب الاشتراكي الحاكم والذي ينتمي إليه فابيوس، نيّتهم زيارة سورية في الفترة الواقعة بين 26 و30 من الشهر الجاري، ولقاء مسؤولين فيها، فضلاً عن رجال دين «للاطلاع على أوضاع الأقليات» في البلاد، خصوصاً المسيحيين منهم. ويضمّ الوفد كلاً من النائب الاشتراكي ورئيس «جمعية الصداقة السورية ـ الفرنسية» في الجمعية الوطنية جيرار بابت، والنائب كريستيان أوتان الذي أشار إلى ضرورة «دعم مؤسسات الدولة السورية والدفاع عن سيادة البلاد ووحدتها»، والنائب جيروم لامبير.
مما لا شك فيه أن التحوّل العسكري في الموقف من الحرب الأميركية على «داعش» في سورية، ومحاولة الفرنسيين التقدّم من الصفوف الخلفية لا يقتصران على هذا الجانب، إنما تعدّياه بشكل واضح لا لبس فيه إلى المسار السياسي والذي يثبت من خلاله وجود تغيير في الاستراتيجية الفرنسية من سورية وإن لم تتبلور ملامحها العامة بعد شأنها شأن الأميركية، لكنه بكافة الأحوال تغيير لا انعطافة، كما حاول وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان الترويج له في الجمعية الوطنية. فالموقف الفرنسي الرسمي تغيّر وجاء ذلك على لسان أشد أعداء سورية انحطاطاً سياسياً وأخلاقياً وزير الخارجية لوران فابيوس. فالاصطفاف ضمن الموقفين الأميركي والأوروبي لم يعد محصوراً بالتحالف ضدّ «داعش» والمشاركة الرمزية بعمليات عسكرية لا أثر لها على الأرض. إنما تعدّاه إلى تجاوز بيان جنيف والاستعاضة عن «الحكومة الانتقالية» بـ«حكومة الوحدة الوطنية»، وفي ذلك اقتراب أكثر فأكثر من الروسي والسوري، وحتى تطوير الموقف الأوروبي وصياغاته الخاصة بالمرحلة الانتقالية وقبول دور للرئيس الأسد في المرحلة التي يبدو أنها ستحافظ على اسمها أو عنوانها العريض «الانتقالية» مراعاةً لماء وجه فابيوس وكيري ومن لفّ لفهما، لكن بمضمون الحرب على «داعش» وأولويتها وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ المعارضة المحسوبة على الغرب والدولة السورية. كل ذلك يأتي في إطار الدستور السوري الحالي ومع وجود الرئيس الأسد في منصبه الشرعي والدستوري. فالمطالبة برحيله وفق فابيوس باتت «غير واقعية». تطورٌ لا يمكن فصله عن زيارة هي الثانية من نوعها لنواب فرنسيين إلى سورية في غضون سبعة أشهر لكن مع فارقٍ يجب التوقف عنده، تشكيلة الوفد التي تضمّ نواباً عن الحزب الاشتراكي الحاكم فقط، كأن التوجّه الحكومي الحزبي في فرنسا هو الآن لجسّ نبض دمشق من الحزب الحاكم الذي ذهب بعيداً في معاداة الدولة السورية والمساهمة في قتل السوريين، وإلا كيف يفسّر السماح بهذه الزيارة من قبل قيادة الحزب الاشتراكي الذي صرّح سكرتيره الأول، جان كريستوف كامباديليس، لصحيفة «لوفيغارو» أنه «لا مانع إن كانت الزيارة لأسباب إنسانية!»، مع أن الحزب كان قد هدد النائب جيرار بابت في شباط الماضي وبعد عودته من زيارته إلى سورية «بتعليق عمل جمعية الصداقة السورية ـ الفرنسية»، لكن التهديد لم يجد سبيلاً إلى التنفيذ، وبقي في إطار متطلبات الخطاب الفرنسي الرسمي الداخلي والإيحاء بوجود فصل بين ما هو برلماني وما هو حكومي داخل النخب الحاكمة في الغرب، مع أن ذلك، وفي الحالة الفرنسية تحديداً، لا يرقى إلى مستوى الدخول في جدل ونقاش، فالخطوة التي حصلت في شباط الماضي والخطوة الحالية لا يمكن لها أن تتم من دون موافقة الإليزيه والكي دورسيه، ولنا في الزيارة التي حصلت في شباط الماضي والحديث عن وجود مبعوث فرنسي أمني ضمن عداد لوفد الفرنسي البرلماني مؤشرٌ على بدايات التحوّل الفرنسي والذي يستمر بزخمٍ أكثر وضوحاً تمليه متطلبات السياسة الأميركية في سورية، والدخول الروسي على الأرض، والاتفاق النووي الإيراني، ودفق اللاجئين، والتكيّف الأوروبي مع فكرة بقاء الأسد في حاضر سورية ومرحلتها الانتقالية كخطوةٍ أولى على طريق القبول بالتعامل معه في المدى البعيد.
كاتب ومترجم سوري