ذرة يهودية وزلزال مفتعل… ومسجد يتهاوى

نسيب أبو ضرغم

إن الاشتعال الذي يجتاح العالم العربي، خصوصاً في قلبه النابض سورية، هو الحالة المثلى لإقدام كيان العدو على قلب المعادلات الآخذة بالتحقق في الإقليم، المعادلات غير المتوافقة مع أهداف اليهودية العالمية.

إن هدفاً دهرياً مصاحباً للوعي اليهودي هو بناء هيكل سليمان المزعوم والذي قررت اليهودية العالمية أنه في المكان ذاته الذي يقوم عليه المسجد الأقصى.

إن هذا الهدف الدهري، تبدو ظروف تحققه قد دنت، وأصبحت الآن أكثر قابلية للتحقق، وأكثر منفعة أيضاً، المنفعة التي تخرج اليهودي من كابوس انتصار محور المقاومة بصمود دمشق.

واستناداً إلى أهمية الحدث، فإنه من باب توكيد هذه الأهمية سنعيد نشر مقالة كنت قد كتبتها في زاويتي اليومية في جريدة الديار بتاريخ 26/09/1996، وهاكم نصّها.

ما أقدم عليه رئيس حكومة العدو نتنياهو، من حفائر تحت أسس المسجد الأقصى أخيراً، ليس بالجديد في مسلك «الدولة اليهودية». حيث أقدمت الدولة المذكورة بُعيد النكسة عام 1967، بواسطة بلدية القدس آنذاك، على تنفيذ حفائر تحت أسس المسجد، بحجة البحث عن أسس هيكل سليمان المزعوم. ولقد أوردت في حينه وكالات الأنباء العالمية، الأنباء المتعلقة بهذه الحفائر، والتي قيل يومها، إنها تشكل خطراً على سلامة المسجد، ما دفع بالفلسطينيين وعلى رأسهم المسؤول عن المسجد إلى الاحتجاج والاعتصام ورفع الصوت، ضد ما تخطط له «إسرائيل» في هذا الشأن.

حتى يمكننا فهم كل هذه النشاطات التخريبية «للدولة اليهودية»، في ما يتعلق بالقدس في شكل خاص، لا بد من الإشارة إلى موقع القدس في خريطة المفاهيم اليهودية. فـ»إسرائيل» هي نتاج مفاهيم توراتية تقوم على «مسلمات» غير منطقية، وغير إنسانية، استطاعت بفضل إمكانات اليهود المالية السياسية، أن تتقاطع مع مصالح الغرب في وضع اليد على ثروات المنطقة وبخاصة البترول، وبالتالي أن تحقق الحلم الصهيوني المتوحش، الحلم الذي يعتبر القدس «أورشليم» نقطة الدائرة في مشروعه.

ومن حيث أن القدس، هي نقطة الدائرة، لا ينبغي أن يتداخل مع تكوين القدس ووجودها، أي عنصر غير يهودي، ولا يجوز أن يحمل ترابها أي رمز غير يهودي، سواء أكان رمزاً قومياً أو دينياً، مسيحياً وإسلامياً.

ومن هنا يشكل المسجد الأقصى، الذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى مسلمي العالم، رمزاً أساسياً ومركزاً روحياً، يقف على طرفي نقيض من الخطة اليهودية للقدس وكامل فلسطين.

لذلك عمدت الصهيونية العالمية، بُعيد النكسة، إلى إحراق المسجد، عبر صهيوني أسترالي، ادعت أنه مجنون، وعادت بعد ذلك مباشرة لتقوم بحفائر لزعزعة أسس المسجد الرمز. في اعتقادنا أن «إسرائيل» سوف تلجأ إلى التكتيك التالي في ما يتعلق بالمسجد الأقصى.

أولا: سوف تستكمل «إسرائيل» حفرياتها، لتجعل من أسس المسجد أسساً واهية غير قادرة على احتمال أي ارتجاج.

ثانياً: سوف تعمد «إسرائيل» إلى وضع متفجرات ذات تقنيات عالية قد تكون ذرّية تحت أسس المسجد والمنطقة المحيطة به بحيث يشعر الناس، ويبدو لهم، وكأن هزة أرضية حصلت فعلاً في المنطقة، وأتت على المسجد بالكامل. وإننا في هذا السياق نميل إلى الاعتقاد بأن الاهتزازات الأرضية التي حصلت في منطقة خليج العقبة كانت بفعل تفجيرات ذرية «إسرائيلية».

ثالثاً: ستمنع «إسرائيل» العرب من إعادة بناء المسجد، بحجة أن أساسات هيكل سليمان قد ظهرت، بفعل جرف المكان، وأنه من حق «الدولة العبرية» بناء الهيكل.

رابعاً: تستطيع «إسرائيل» التنصل من مسؤولية الدمار الحاصل للمسجد، بحجة حدوث هزة أرضية سببت الدمار الشامل في القدس الغربية، بحيث لا يترتب أي مسؤولية على «الدولة» الفاعلة المسببة «إسرائيل».

إن ما ينبغي التوقف عنده، والإضاءة عليه، هو أن الخطة المتوحشة، ضد المركز الإسلامي الروحي المقدس، خطة موضوعة من قبل الصهيونية العالمية، ويقوم بتنفيذها منفذون يهود، تارة من حزب العمل وطوراً من تكتل الليكود. وهذا دليل كافٍ على العقلية اليهودية المخادعة، العقلية التي تحاول أن تحذّر العرب، وتعمي بصائرهم عن حقيقة ما هم مقبلون عليه.

نحن الآن، عند اللحظة الحاسمة من تاريخ صراعنا مع الغزاة اليهود، ففي اللحظة التي سيتهاوى فيها المسجد الأقصى، سيتهاوى زمن عربي ضعيف، عاجز، وسينهض زمن عربي مقتدر، مشتعل، لن تتوقف التهاباته عند حدوده القومية، بل ستجتاح هذا العالم، الغارق في بحار من منتوج اليهودية العالمية في الخداع والكذب والإفساد والعمى. سوف ينهض زمن، هو الممكن الذي كان يختزنه الواقع، فيتحقق العقل بتحقيق الممكن، مقروناً بالواقع القائم، بحسب ما يقول هيغل، وعند تحقق العقل يتم انتصار الرسالة المسكونية الخامسة لهذه الأمة.

هدم المسجد، هو الشرارة المنتظرة، الشرارة التي لا يقدر الصلف اليهودي، والغريزة اليهودية، مدى قدرتها، وأي انفجار يمكنها أن تحدث! عند هدم المسجد، سيفتح الغبار أعينهم، بعد إغماض دهري، ستفتح أعينهم على تهدم عقيدة، عاشت ثلاثة آلاف عام في مغاور التاريخ، عندها سيدركون في أي خلل عقلي ومنطقي وحضاري كانوا يعيشون!

ليست الغرابة في ما تفعله «إسرائيل»، فـ»إسرائيل» لا يمكن أن تفعل غير ما فعلت، هي معروفة الجذور والأهداف.

إنما الغرابة، في أن نُخدع بـ»سلامها» وأن نسير معها في هذا «السلام» الخديعة، وأن لا نُعدّ للحظة الصفر عُدّتها!

إنها لحظة الصفر وقد دنت!

يبدو أن لحظة قيام الأمة قد دنت، ولسوف تكون قيامة الأمة الأبدية ويتحقق الوعد، ولن ينفع «إسرائيل» القول بأن ما حدث كان بفعل هزة أرضية طبيعية، كما لن ينفعها استنفار العالم، لأن الأمواج الزاحفة ستسبق الجميع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى