سورية تغيّر المعادلة… وتقرّب بين إيران ومصر بعد طول جفاء
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتب إيليا ج. ماغناير لـ«Moon Of Alabama»:
يهدف نشر القوات من إيران وروسيا وحزب الله جنباً إلى جنب مع قوات الجيش السوري إلى استعادة المدن والمناطق الرئيسة والاستراتيجية التي سيطرت عليها قوات «القاعدة» و«داعش» في المقام الأول. وكانت دمشق قد منحت حزب الله 75 دبابة، لتصبح بذلك جزءاً من هذه المنظومة ـ المنظمة غير الشرعية. إنه اللواء المدرّع الأول لحزب الله الذي يتألف من دبابات طراز «Tـ72» و«Tـ55» لدعم فريق القوات الخاصة بهذه المجموعة على الأرض. فقرار التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، أُخذ بعد انتهاك تركيا غير المعلن للخطوط الحمراء، بتقديمها التسهيلات ودعمها «القاعدة» وحلفاءها لدخول سورية عن طريق كسب ولاحقاً إلى إدلب، مثيرةً بذلك حفيظة الدبّ الروسي، ومهدّدةً مصالحه الوطنية والقومية.
زعزع سقوط إدلب توازن المعارك في كافة الأراضي السورية. وقد أعلمت كلّ من روسيا وإيران تركيا، أن دعماً كهذا قد ينتج عنه عواقب جدّية، وأن أمن كلّ من روسيا وإيران قد أصبح على المحكّ. وبعد معاينة ردود الفعل على أرض الواقع، واختبار التدخل الروسي ـ الإيراني المباشر، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الأسد قد يكون جزءاً من الحلّ المستقبلي في سورية.
قد يُقرأ هذا التصريح على أنه اعتذار متأخرٌ على الخطأ الاستراتيجي الذي يحتاج إلى تصحيح جذريّ الآن. فالخطوة الخاطئة التي أقدمت عليها تركيا في إدلب شجّعت كلّاً من الولايات المتحدة وأوروبا على احتمال المناداة: «فليحي الأسد».
طُلب من «إسرائيل» أن تعود إلى قواعدها سالمة، وأن تلزم الصمت والهدوء. فلا دور لها بعد الآن في سورية. إذ إن أيّ تدخل جوّي أو برّي أو بحريّ «إسرائيلي» آخر، سيقود إلى ردود فعل قاسية. فلا بدّ أن يمتثل نتنياهو لتلك الأوامر.
يدرك حسن نصر الله جيداً أن الدعم الروسي للحكومة السوري أمرٌ لا مفرّ منه، مؤكداً أنه «حتى عندما اقترحت إيران إيجاد بديل للرئيس الأسد، فإن روسيا رفضت».
وكان الأردن قد أوقف بالفعل دعمه لمرتزقة الجبهة الجنوبية بعد فشل هجماتهم على درعا. واعترفت العسكرية الأميركية الآن، بعد نفي مسبق ومتكرّر، أنها منحت مرتزقة «القاعدة» أسلحة وإمدادات أخرى.
والحقيقة أن الخبراء «الصقور» قدّموا بذلك حجة أخرى ضدّ الدول الخليجية المموِّلة، التي ترفض إيقاف الحرب في سورية. فقد الناس الثقة في جدّية هذا الحكم. وسيُعتبر قائد العمليات العسكرية سيئ الحظ الجنرال لويد أوستن كبش فداء لاستراتيجيتهم الفاشلة.
بدأ السلطان «المتمني» في أنقرة بانتهاج أسلوب تغيير اللهجة، إنما عليه أيضاً القيام بالمزيد. هل سيستمرّ بانتهاج سياسة الغباء الداعمة لـ«القاعدة» و«داعش»؟ وحزب العمّال الكردستاني الذي ليس من الضروري أن يكون في حالة حرب مع تركيا التي وجدت نفسها فجأة داعمةً رئيسةً ومانحةً لبعض الصواريخ المضادّة للدبابات وغيرها من البضائع. وتساعد تركيا ـ أيضاً ـ على تهريب أفراد من الحزب الإسلامي التركستاني، وإسلاميي الأويغور من الصين إلى سورية لتدريب الأطفال في إدلب على القتال. هل يعتقد أردوغان أن الصين سوف تتجاهل فعلته هذه؟ أم أنها ستقوم ـ بدلاً من ذلك ـ بإرسال قواتها البحرية ولواءً من القوات الخاصة للقضاء على هذا الخطر الذي يلوح في الأفق؟
أغضب أردوغان كلّاً من روسيا والصين، وكذلك الولايات المتحدة بسبب حربه مع الأكراد. ولا يمكن لأحد أن يتحدّى هذه القوى الثلاثة العظمى من دون توقّع حدوث عواقب جدّية على المستوى الشخصي.
سيكون انهيار الحكومة السورية كارثياً على الجميع. ما أظهر أردوغان وأصدقائه «الغربيين» بصورة الحمقى المجانين بسبب الإصرار على مطالباتهم الطفولية بضرورة «تنحّي الأسد عن السلطة».
نأمل ألا تتأخر مشاهدتنا لخواتيم هذا الهراء في وقت قريب.
الكونغرس يعيد التفكير
كتب جوليان بيكيت لـ«CONGRESS PULSE»:
يتزايد عدد المشرّعين الديمقراطيين المشكّكين علناً، عمّا إذا كان أمر إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال يشكّل أولوية وسط المكاسب التي يغنمها تنظيم «داعش». هي مسألة خطرت على بال مجلس الشيوخ بدايةً عند توجيه الدفعة الأولى من المتمرّدين المدرّبين في الولايات المتحدة والمنضوين تحت أجنحة «القاعدة» و«جبهة النصرة» منذ دخولهما إلى سورية. وتضيف التقارير أن روسيا قدّمت دعماً لقوات الأسد بالدبابات والجنود والمدفعية، فقط عندما نادى بعض الديمقراطيين بإمكانية اللجوء إلى استراتيجية جديدة.
«لا أدري كم يمكن أن يساعدنا إبقاء موضوع الأسد مطروحاً على الطاولة»، يقول عضو الفريق كلير ماك كاسكيل لـ«Monitor»، ويضيف: «أعتقد أنه من الأفضل أن نكون أكثر فعالية في قتالنا ضدّ «داعش»، وأن نستعيد بيئتنا الأمنية التي تحول دون تكرار تجربة تدفق اللاجئين.
وتتشارك جاين شاهين ـ السيناتور عن ولاية نيو هامسفاير ـ الهواجس عينها، بالقول: «أعتقد أننا بلغنا مرحلة يُفترض بنا العمل بعدها على إعادة تقييم استراتيجيتنا المرتبطة بالأسد وبسورية وبالصراع الدائر هناك».
وقد عبّر السيناتور جون مانشين ـ وهو ديمقراطي عن ولاية فرجينيا ـ عن قلقه إزاء الفراغ الذي سيسبّبه غياب الأسد في ظلّ انعدام وجود أيّ شخصية قيادية معارضة وقابلة للحياة. وما لبث أن صرّح لـ«Monitor» قائلاً: «مَن ذا الذي سنستبدله به؟ ماذا سنفعل؟ نترك البلاد تسير إلى فراغ؟ لم ينفع هذا مع صدّام حسين أو معمّر القذّافي. نحن نعيش فوضى ملكية، وكلّ ما نفعله رمي المزيد من المال لجعل الوضع أكثر فوضوية».
وكان السيناتور مانشين، قد نبّه من الدعوات المفتوحة إلى إسقاط نظام الأسد. ويؤيد ـ بدلاً من ذلك ـ إنشاء مناطق إنسانية آمنة للمدنيين الذين يُقتلون بوحشية بالبراميل القاتلة سواء من قبل النظام أو من المتطرّفين.
ويقول كاين: «لا أعتقد أن تغيير النظام يمكن أن يكون سياسة بديلة للولايات المتحدة، فسجلّ الضرب لدينا ضعيف للغاية».
ويَلي ذلك التأكيدات المتكرّرة من قبل إدارة أوباما من أن «الأسد يجب أن يرحل»، و«أن أيامه باتت معدودة». فبعد مرور أربع سنوات وقتل ما يزيد على 200.000 شخص، يبدو أن الجماعات الوحيدة التي استطاعت تحقيق النجاح تلو النجاح على ساحات المعارك هي «داعش» بالدرجة الأولى، إضافة إلى غيرها من المجموعات المتطرّفة.
وأثناء جلسة الاستماع، حذّر ماكسكيل، الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأميركية، من أن طلب البنتاغون مبلغ 600 مليون دولار لتطوير برنامج التسليح والتدريب الذي ينطلق في بداية الشهر الحالي، يبدو «غير واقعيّ البتة بالنسبة إلينا». لم يساعد أوستن هذه القضية عندما اعترف أن أربعة أو خمسة فقط من المتمرّدين الـ5400 الذين درّبتهم الإدارة الأميركية بتكلفة تفوق 500 مليون دولار، كانوا يقاتلون هذه السنة في سورية.
وكانت الوزارة قد رصدت مبالغ لفواتير الإنفاق في مجلس النواب ومجلس الشيوخ تقدّر بـ600 مليون دولار، و531.5 مليون دولار خلال السنتين المقبلتين، على التوالي، غير أن هذا حدث قبل الاطلاع على مدى فشل البرنامج. وافق مجلس النواب على مشروع قانون السياسة الدفاعية، ودعا في الوقت عينه إلى تخصيص 531 مليون دولار لهذا البرنامج في السنة المالية للعام 2016.
وافقت شاهين مع ماكسكيل على أن هذا البرنامج في خطر. وصرّحت لـ«Monitor» بالقول: «أعتقد أنه من سيكون من الصعب مواصلة دعم هذا النوع من المال، فهناك مبادرات أخرى لديها القدرة على خلق تأثير كبير، كمثل الجهود الدعائية المبذولة لمواجهة داعش. ونحن نعمل مع أحد المراكز في الإمارات المتحدة العربية، التي يُرجح أن تكون المكان الأفضل لاستثمار تلك الموارد».
وكان كلّ من مانشين وماكسكايل قد أوصيا بضرورة استخدام المال للدفع إلى المقاتلين مع وحدات حماية الشعب الكردي «YPG» في سورية. وكان «YPG» الذي تصنفه تركيا على أنه جماعة إرهابية، قد زاد من مستوى التنسيق مع قوات الأسد في معركتهما المشتركة ضدّ تنظيم «داعش».
«ما يتعين علينا القيام به، إعادة التفكير بالملايين الـ500 من الدولارات، التي أنفقناها بالفعل على التجنيد في سورية»، يقول مانشين، ثم يتابع: «على رغم أن الأكراد سيقاتلون، غير أن الانفجار سيكون أكبر بكثير هناك. وإذا تعاون الأتراك مع الأكراد وتوقفوا عن قتالهم، فسيحظون بذلك بجبهة متّحدة وصلبة قادرة على المجابهة».
وحتى أن جون ماكين ـ وهو رئيس لجنة الخدمات المسلّحة والسيناتور عن ولاية آريزونا ـ والمؤيد على الدوام تورّط الولايات المتحدة في مواجهة الأسد من خلال توفير مناطق حظر الطيران وغيرها من الوسائل، حذّر من أن برنامج التدريب والتسليح محكومٌ دوماً بغياب «التغيرات الرئيسة».
وانتقد ماكين انضمام روسيا بالكامل في القتال، معتبراً أن هذا يشكل دليلاً على سماح أوباما لخصومه بجرّ منطقة الشرق الأوسط إلى المزيد من الخطر، بينما يرى آخرون في هذه الخطوة فرصة جيدة.
ويشير كاين: «قد أشك في ما إذا كان التحرّك الروسي، يعود إلى اعتقاد هؤلاء أنّ نظام الأسد يشهد تراجعاً، وأنه يواجه نوعاً من عدم الاستقرار الواضح… لا أعتقد أنهم يهتمون البتة لأمر الأسد، لكن ثمّة من يأبه لشأنه مرتبط بالاستقرار. ولإذا كانت هذه هي الحال، ويرون أن جبهة النصرة وتحديداً داعش، يشكلان تهديداً مماثلاً للذي نجسّده نحن، فإن هذا احتمال موجود».
يوافق أنجوس كينغ سيناتور ولاية ماين على هذا مصرّاً على التمسك بالحاجة إلى التخلّص من الأسد، غير أن إدارة أوباما تسير في تنفيذ ذلك بشكل خاطئ.
ويتوجّه كينغ إلى أوستن خلال الاستماع قائلاً: «يكمن جزءٌ من التفكير الجيد أنه يمكننا تعديل استراتيجيتنا استناداً إلى تغيّر الظروف والعوامل، فقد ذكرنا أن الأسد يخسر قدراته يوماً بعد يوم ـ عذراً، أيها الجنرال، نسمع عن هذه الخيارات منذ عام 2013، الأسد على وشك الانهيار. علينا إيجاد استراتيجية تسمح لنا باستبعاد الأسد بطريقة أو بأخرى، وقد نلجأ إلى العمل مع الروس، في حال الضرورة، أو حتى مع الإيرانيين، لأن في هذا ما يثير حفيظتهم».
أما التقارير التي تلت، فقد أفادت بأن روسيا عرضت عام 2012 حلاً وسيطاً لتنحي الأسد. وقد شكّك المسؤولون الغربيون في قدرة الكرملين على تقديم اقتراح لن يوصل إلى أيّ أفق مفتوح.
تبنّى كينغ دعوات ماكين إلى فتح ممرّ إنساني من شأنه حماية المدنيين من غارات سلاح الجوّ الأسدي. وأيّد كاين هذه الفكرة بشدّة في 21 نيسان في رسالة بعثها إلى أوباما جنباً إلى حنب مع ماكين وديك دوربين سيناتور إيلينوي، وليندسي غراهام سيناتور ولاية كارولينا الجنوبية.
«سوف تحتاجون إلى دعم عسكري، لكنني أعتقد أنه بالإمكان الحصول عليها»، يصرّح كاين لـ«Monitor» في 16 أيلول، ويضيف: «قد تشارك الأمم الأوروبية في توفير السلامة العسكرية بالتعاون معنا ـ ومع تركيا ـ لوقف تدفّق اللاجئين. إذ قد نواجه المزيد ممّن يريدون الخروج من سورية. في الواقع، أعتقد أنه إن فعلنا ذلك، ونحن نقوم به بشكل جيد، ستزداد غرابة بعض الحلول والتسويات السياسية حيال الأوضاع القائمة في البلد».
سورية والعلاقات بين مصر وإيران
كتبت صحيفة «Monitor»: تذهب العلاقات المصرية ـ الإيرانية نحو مرحلة من الودّ بعد تعكّر دام منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. ففي وقت لم يكن هناك بلد على استعداد لاستضافة شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، فإن الرئيس المصري آنذاك أنور السادات فرش له السجادة الحمراء. في نهاية المطاف، وبعد أشهر من السفر عبر المكسيك، وجزر البهاما والولايات المتحدة والمغرب، عاد الشاه في النهاية إلى مصر، حيث توفي. حدث ذلك على خلفية معارضة آية الله الخميني قائد نظام الثورة الإسلامية في طهران لـ«إسرائيل» في الوقت ذاته الذي وقّعت فيه مصر و«إسرائيل» اتفاقية «كامب ديفيد» في أيلول 1978.
سلكت مصر وإيران الطريق الخطأ نحو التقارب منذ البداية. بالنظر إلى أن الدولتين لم تحافظا تاريخياً على علاقات اقتصادية كبيرة حتى في عصر الشاه، فإنه ليس من المستغرب أن العلاقات الثنائية قد صارت مظلمة في مواجهة التطورات الجديدة. العلاقة بين إيران ومصر شهدت تدهوراً بشكل أكبر حين قامت إيران بتسمية أحد شوارعها بِاسم «خالد الإسلامبولي» الرجل الذي اغتال السادات. وفي الوقت نفسه، بدأ كلا الجانبين في إنتاج أفلام دعائية ضد الآخر. واستمر هذا الوضع القائم إبان رئاسة حسني مبارك.
ومع اندلاع «الربيع العربي»، كانت إيران تأمل أن ينجح الإسلاميون في مصر في الاستيلاء على السلطة، إذ تُفتَح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية. ولم يتحقق هذا الهدف مطلقاً. في عام 2012، وضع الرئيس المصري محمد مرسي عدداً من الشروط قبل السفر إلى طهران في آب من ذلك العام، إذ ألقى كلمة في حفل افتتاح القمة السنوية لدول عدم الانحياز. وقال مراقب دبلوماسي إيراني عالي المستوى شريطة عدم الكشف عن هويته: «أخبرنا السيد مرسي أنه سيأتي إلى طهران فقط لبضع ساعات وأنه لن يبيت الليل هنا ولن يجتمع مع المرشد الأعلى». في خطابه، قام «مرسي»، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، بإغضاب مضيفيه الإيرانيين بانتقاد الحكومة السورية. كما انحاز إلى جانب الإمارات في قضية الجزر الثلاث المتنازع عليها. وهكذا، على رغم أن طهران كانت حريصة على فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع القاهرة، فإن شيئاً من هذا القبيل لم يتحقق في ظلّ رئاسة مرسي.
ومع سقوط مرسي وصعود الرئيس عبد الفتاح السيسي، توقع كثيرون أن السياسة الخارجية المصرية ستعود إلى نظيرتها في عصر مبارك. ومع ذلك، هناك قضية جديدة رئيسة ينبغي أن توضع في الحسبان هذه الأيام، تتمثل بالمتغيرات المتواصلة في سورية.
بعد الاستيلاء على السلطة، عرف السيسي جيداً أنه من أجل البقاء على قيد الحياة فإنه كان بحاجة إلى المساعدات المالية. وهكذا، بدأ البحث عن دعم من دول الخليج. وبناءً على ذلك، فإن السيسي يعارض الحركات الراديكالية الجديدة التي ظهرت في ظل «الربيع العربي»، وعلى عكس المملكة العربية السعودية أنه لا يرى أيّ استثناءات. وهكذا، يبدو السيسي قد تحوّل فعلياً إلى أحد المؤيّدين للرئيس السوري بشار الأسد. وبالنظر إلى أن جميع الدول العربية تقريباً التي تسعى إلى إزالة الأسد، يبدو موقف السيسي داعماً لموقف طهران. ومع ذلك، لم يتغيّر الكثير في العلاقات بين إيران ومصر.
ويُرجع قاسم مهبلي، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط، السبب في ذلك في حديثه إلى «Monitor» بقوله: «عندما يتعلّق الأمر بإيران، تبدو مصر حريصة على علاقاتها الخاصة مع الدول العربية في الخليج. مصر بحاجة إلى مساعدات مالية تحصل عليها من هذه الدول العربية. ولا ترغب في المجازفة بالإساءة إلى المملكة العربية السعودية. إضافة إلى ذلك، فإنها لن تتلقّى فوائد سياسية أو اقتصادية كبرى من علاقاتها مع طهران».
وكما أشار السيسي مراراً وتكراراً، فإن مصر تعتبر أمن دول الخليج العربية جزءاً من أمن أراضيها. وهكذا، فقد اعترفت بوضوح أن العلاقات بين مصر وإيران سوف تؤثّر على دول الخليج العربية.
محمد سعيد إدريس، رئيس قسم الدراسات العربية والإقليمية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» ومقرّه في القاهرة، يعتقد خلاف ذلك. في معرض مناقشة أهمية إعادة تقييم العلاقات بين إيران ومصر، كتب إدريس أنه إذا أرادت مصر أن تكون نشيطة في قلب الشرق الأوسط كقوة إقليمية، فإن التعاون مع طهران ينبغي أن يوضح على جدول أعمالها. هذا التعاون ينبغي ألا يقتصر فقط على إيران ومصر، إنّما يجب أن يشمل قضايا مثل الأمن الإقليمي أيضاً. ويبدو أن إيران تشارك هذا الاهتمام أيضاً كما لوحظ في الآونة الأخيرة في افتتاحية وزير الخارجية محمد جواد ظريف، التي نشرتها صحف عربية عدّة.
وجاء في حديث إدريس: «المشاركة الإيجابية لمصر في حل الأزمة الخطيرة في العالم العربي، خصوصاً في سورية، يمكن أن تكون بدايةً لعلاقات أفضل بين إيران ومصر على أساس التفاهم المتبادل. العلاقة بين القاهرة وطهران تحتاج إلى تطبيع، ما يعني أنه يجب أن تكون خالية من أيّ توتّر لا لزوم له».
وفي ما يبدو أن العدوّ المشترك في سورية قد جلب الأسد والسيسي أقربَ إلى بعضهما. إذ إن كليهما يعادي الإخوان المسلمين والسلفيين المتشدّدين، كما أن كليهما غير راض عن «الربيع العربي». ولأنّ سورية جزء مهم من استراتيجية إيران الإقليمية، يمكن تصوّر أنها ربما تكون بمثابة نقطة اتفاق بين طهران والقاهرة.
يقول غدير نصري، وهو أستاذ في «جامعة الخوارزمي» والخبير في معهد للدراسات الاستراتيجية في طهران: «يمكننا عرض العلاقات بين إيران ومصر من زاويتين. فمن ناحية، ليس لدى إيران أيّ مشاكل على المدى الطويل مع المصريين العلمانيين من أمثال السيّد السيسي. كما أن لا طائفة شيعية في مصر، وليست عضواً في محور الممانعة الذي يضمّ إيران والعراق وسورية وحزب الله. من ناحية أخرى، فإن السيسي يحتاج إلى المال. عندما تقمع المعارضين السياسيين، فإنك تفتقد إلى الدعم الداخلي. وبالتالي، يجب أن ننظر إلى الأجانب للحصول على الدعم .الولايات المتحدة ليست خياراً قابلاً للتطبيق، لأن هذا الخيار سيخلق أزمة شرعية للسيسي. والأهم من ذلك، أن واشنطن نفسها ليست مهتمة حالياً بوجود علاقات وثيقة مع مصر. بالتالي، المملكة العربية السعودية تصبح الخيار الوحيد القابل للتطبيق، إضافة إلى كون المملكة تشعر بالارتياح الآن بعد الإطاحة بمرسي. تحتاج مصر أن تختار بين علاقة منفعة مالية مع المملكة العربية السعودية، وعلاقة أقل فائدة من الناحية الاقتصادية مع طهران، والتي سوف تغضب السعوديين. أعتقد أنه على المدى القصير على الأقل، فإن اختيار السيد السيسي سيكون المملكة العربية السعوية».
وماذا عن العلاقات المصرية ـ الإيرانية الأوسع، وأيّ حوار محتمل حول سورية؟ يقول نصري لـ«Monitor»: «عادةً، لدى إيران علاقات أقوى مع حكومات الشرق الأوسط العلمانية من نظيرتها الإسلامية. الحكومات الإسلامية، سواء كانت سنّية أو شيعية، تحمل أيودولوجيا بشكل طبيعي. وقد كان السيد مرسي أيدولوجياً، وكانت أيديولوجيته غير متوافقة مع أيديولوجية الجمهورية الإسلامية. لم يكن من الممكن تخيّل أيّ علاقات بين إيران ومرسي، مع السيسي تبدو الأمور مختلفة».
هل يمكن أن يعمل الأسد بمثابة الجسر الذي يربط إيران ومصر؟ الجواب المباشر ربما يكون نعم. ومع ذلك، فمن السذاجة الاعتقاد أن سورية وحدها كافية لتطبيع العلاقات المضطربة منذ فترة طويلة بين طهران والقاهرة.