بوتين… محيّر القوى الآخذة بالانحدار و«البعبع» الذي يرعبها!
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
إنه حديث الساعة، إنه حديث اليوم، لا بل هو حديث العصر. محيّر القوى الآخذة بالانهيار، من شمال القارة الأميركية، إلى أوروبا العجوز التي لا تعرف كيف تحافظ على اتحادها. إلى الكيان الصهيوني الغاصب، الذي ما إن يتحرّك القيصر، حتىّ يستقلّ النتن نتنياهو الطائرة الأقرب قاصداً موسكو للتأمين على أمانه. إنّه فلاديمير بوتين، الرئيس الروسيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الأمم، حديث الصحافة اليوم في كلّ مكان. صحافة تمدحه لسان حالنا لأنّها مؤمنة بقدرته على تقويم الأمور وعدم انفلاتها لمصلحة الاستكبار الأميركي. وصحافة تكيل له الاتهامات والانتقادات والتلفيقات، تماماً كما يرد هذه الأيام في كبريات الصحف الأميركية والبريطانية والفرنسية. وحدها الصحف العبرية منقسمة على نفسها، إذ تمدح القيصر حيناً، وتتهجّم عليه أحياناً.
إنه قيصر روسيا الجديدة، العنقاء المنبعثة من تحت الرماد، والعائدة إلى تبوّء مكانتها الحقّة بين الأمم، ولتقول لأميركا ومن يتبعها من أذناب، إنّ زمن أحادية القطب والقرار في هذا العالم انتهى وولّى، وحلّ زمن التشارك والتشاور.
في هذا التقرير، جملةٌ من المواضيع المنشورة في مواقع إلكترونية غربية، نسلّط من خلالها الضوء على الطريقة التي يستهدف بها الغرب القيصرَ بوتين، وكيف ينتقدونه حيناً، وينصفونها حيناً آخر.
نبدأ من مقال نُشر منذ يومين في موقع «marxmail.org»:
في الأيام الأخيرة، صعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل كبير من التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية. ولم يكن دعم موسكو نظامَ الأسد بالأمر الجديد، فقد كان الداعم الرئيس للأسد جنباً إلى جنب مع حكومتَي إيران والعراق، فضلاً عن حزب الله اللبناني. ولكنه دخل الآن الحرب مباشرة، ونشر آلاف الجنود والمستشارين الذين يشاركون في الحرب السورية إلى جانب النظام نفسه.
ثمّة عدد من المستويات لهذا التدخل. على مستوى واحد، هو تدخل مدفوع من قبل ديناميات الحرب نفسها. عانت القوات المسلحة التابعة للنظام سنوات من الاستنزاف والهزيمة والنكسات والانشقاق، وأكثر من ذلك. التنسيق شبه العسكري بين القوات الإيرانية وحزب الله يشكل الآن العمود الفقري لمقاومة حركات التمرد المتعددة التي تجتاح البلاد.
قادت المخاوف الحقيقية من انهيار القوات حول دمشق وما تبقى من سيطرة الحكومة في حلب إلى حالة من الذعر: ماذا لو تم تجاوز هذه القوى تماماً؟ سيكون ذلك خسارة مذهلة لأولئك الذين استثمروا بكثافة في انتصار النظام وتغيير ميزان القوى في المنطقة.
هناك بعدٌ آخر يمكن من خلاله فهم هذا التدخل بوسيلة غير مؤكدة، بوتين فرض سيطرته على الآخرين. هو يعلن نفسه حارس البوابة ورمز الاستبداد الأول في أوروبا.
اليمين المتطرّف الأوروبي أبدى إعجابه بالرئيس الروسي بشكل لا يخفى على أحد. يرون في خطابه العنيف، واحتفائه بلا حرج بفرط الذكورة، وازدرائه العام لليبرالية كنموذج من السياسة العظمى التي يرغبون في استعادتها لحكوماتهم.
في هذا، هم ليسوا وحدهم، الجمهوريين في الولايات المتحدة الذين هم أنفسهم أقرب إلى اليمين الأوروبي المتطرّف في عدد من القضايا من الأحزاب المحافظة في أوروبا استشهدوا بشكل روتيني ببوتين كمثال «للزعيم الحقيقي» على النقيض من المخنّث الضعيف أوباما.
في حين يستخدم الجمهوريون بوتين باعتباره وسيلة لتقديم رؤيتهم للقائد، يتطلع اليمين الأوروبي إلى مستقبل جديد مشرق تُستبدَل فيه سياسة الولايات المتحدة الإمبريالية الليبرالية بسياسة المحافظين في أوروبا قديماً.
هم يريدون كليمانس فون وفرانسوا جيزو والانضباط البروسي والاستبداد القيصري، وعدم وجود معايير دولية مزعجة عن الحقوق والمجتمع المدني. يريدون رجالاً أقوياء غير مقيدين بمعاشات العمال والمهاجرين ـ سواء كانوا مسلمين أم لا ـ كما أنهم يريدون إرسال رسالة قوية إلى الولايات المتحدة: نحن أوروبا جديدة غير ليبرالية، وبعض الأمور ستتغير حولنا هنا.
جوهر الليبرالية الأيديولوجية الاستعمارية الجديدة عنصر ضروري من أجل أن تعمل في سياق استعماري جديد. الاستعمار في جميع جوانبه ضروري للحفاظ على العلاقات الاجتماعية الرأسمالية في جميع أنحاء العالم، وكانت الولايات المتحدة هي الضامن له، والتي حتى في لحظات المحافظين الجدد، تستخدم فكر التحرر السياسي. وبهذا المعنى، يمكننا القول إن الحزب الديمقراطي كان الحزب الإمبريالي الأكثر فعالية لعالم ما بعد فييتنام.
ولكن هذا النظام في أزمة. هيمنة الولايات المتحدة تتآكل بسرعة في حين لا تزال تملك هيمنة عسكرية. بينما يتهاوى نظام القطب الواحد إلى الأسفل، فإن الصراعات الإقليمية وتنافسات القوى العظمى المنافسين تشرع في استبدال واشنطن باعتبارها المحرك للصراع العالمي. أمر واحد واضح من الأزمة السورية: دور الرياض وأنقرة وطهران وموسكو، وسياسة تقسيم العراق وأكثر من ذلك هم المحرك الرئيس لتدخل دولي في سورية، لا دسائس وكالة الاستخبارات المركزية أو وزارة الدفاع الأميركية.
الآن تدخل الصين في خضمّ الشجار، التي يقال إنها أرسلت مستشاريها لتقديم الدعم جنباً إلى جنب مع نظرائهم الروس والإيرانيين واللبنانيين. ودعت الصين منذ فترة طويلة إلى وضع حدّ للهيمنة الليبرالية في السياسة الدولية، وبدلاً من ذلك، دعمت حساسية بوتين الناشئة، الحكومات الاستبدادية القوية هي مركز لمشروع الليبرالية الجديدة، أو الرأسمالية المتأخرة، أو أياً كان ما يسميها الآخرون.
قاد انتصار زواج المثليين في الولايات المتحدة عدداً من الناس إلى الاعتقاد في التحرّر الذي لا مفر منه لجميع جوانب المجتمع، ولكن هذه الحتمية مجرد سراب. ما يحدث في الواقع أن النظام الرأسمالي العالمي قد دخل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحادة، واليسار بات غائباً في هذه الحالة.
في هذا الفراغ، ظهر اليمين الجديد في جميع أنحاء العالم. يأخذ أشكالاً عدّة، من التمرد الصريح لإجراء برلماني من حزب الشاي إلى اليمين المسيحي، من مختلف أشكال جماعة الإخوان المسلمين لضراوة العنصرية المعادية للمسلمين. ويمكن العثور عليه في حزب «بهاراتيا جاناتا» في الهند ومحاولات شينزو آبي لعسكرة اليابان. يمين جديد يدعو للعودة إلى «القيم العائلية التقليدية»، وهي رمز للتسلط الأبوي.
تحرّكات بوتين في سورية هي في جزء كبير منه محاولة ليقول لكثيرين من الأوروبيين: «أنتم ترون هذه الجحافل من المسلمين القادمين إلى شواطئكم، تسود الأسهم الأوروبية؟ أنا الأب الذي سيعيد كل ما كان لكم ذات مرة، ويذل أعداءكم، ويسمح لكم برفع رؤوسكم في فخر».
يخشى الأميركيون اليوم صعود دونالد، لكنه يتضاءل بالمقارنة مع فلاديمير بوتين.
لماذا يكره الغرب بوتين؟
جاء في موقع «Australianvoic»:
نعلم جميعاً أنّ حكومات الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، قد انقلبت على روسيا. ثمة عدد من الأسباب التي يُقدِّمها إعلامنا لذلك مثل: حاولت روسيا منع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ساعدت روسيا المتمرّدين المؤيِّدين لروسيا في إسقاط الطائرة « -17»، غزت روسيا القرم بصورةٍ غير قانونية، هناك الآلاف من القوات والدبابات الروسية التي تحارب في أوكرانيا. يعتقد بعضنا أنّ هذه الادّعاءات هي دعاية حربية لمواطني الغرب تستخدَم لتبرير العقوبات المفروضة على روسيا وزيادة الاضطرابات العسكرية.
من الأسباب الأهم والتي تناقش على رغم ذلك على نطاقٍ أضيق الأسباب الجيوسياسية التي تنظر إلى مواطن التعارض بين المصالح الاقتصادية الأميركية والمصالح الاقتصادية الروسية والصينية. الاتحاد الأوروبي الآن معتمدٌ بشدة على روسيا في الطاقة، وترغب الولايات المتحدة في وقف ذلك. الصراع في أوكرانيا جزءٌ هام من عملية فصل الاتحاد الأوروبي اقتصادياً عن روسيا، ولكن هناك أيضاً أجندة أكبر. تقود كلّ من روسيا والصين مجموعة «البريكس» التي تتكوّن من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ترغب دول «البريكس» في تطوير نظام اقتصادي عالمي لا يعتمد على الدولارات الأميركية، وترغب في أن تكون مستقلّة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما اقترحت الصين على أوروبا الانضمام معها وروسيا إلى ما يطلقون عليه «طريق الحرير الجديد»، الذي يمتد بطول أوراسيا ـ أي روسيا والصين ـ بكاملها من لشبونة إلى شنغهاي. لا داعي للقول إنَه لا مكان في هذه الخطة للولايات المتحدة، ما يعطي سبباً آخر لقطع الروابط الاقتصادية بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
على رغم أهمية كل هذه العوامل، إلّا أنّ هناك عاملاً آخر لا يناقشه الإعلام الغربي أبداً، يمكننا أن نجد في الأحداث غير المعلنة تقريباً التي حدثت في أواخر آب وأوائل أيلول عام 2013 ما فجّر العدائية المفاجئة ضد روسيا وبوتين. ما حدث في هذه الفترة الحرجة يتمثل بمنع روسيا هجوماً مفاجئاً مُخطّط له من الناتو على سورية، كانت هذه على الأرجح هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يُواجَه فيها هجوم عسكري مخطّط له من الغرب بقوةٍ كافيةٍ تتطلّب إلغاءه. لن يقال ذلك للناس في الغرب لأنّ قادتهم الشرسين الأقوياء أغمضوا أعينهم، تراجعوا وقرّروا تغيير خططهم. والخطة الجديدة هي: تقويض أوكرانيا والاستيلاء على القرم لمصلحة الناتو، ومن الواضح أنّها لم تنجح أيضاً، وما زالت المعاناة من الفوضى التي صنعوها مستمرّة.
في صباح السبت 31 آب 2013، اتصل مسؤول أميركي بمكتب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يخبره بأن يتوقّع مكالمة هاتفية من الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقتٍ لاحقٍ من هذا اليوم. «أمر هولاند ضباطه بالانتهاء سريعاً من خططهم للهجوم مفترضاً أنّ المكالمة الهاتفية المسائية ستعلن بدء الضربات الجوّية الأميركية على سورية، حُمِّلت طائرات «رافال» المقاتلة بصواريخ «سكالب» البحرية، وأُمِر طيَاروها بإطلاق الذخائر التي يصل مداها إلى 250 ميلاً عند الطيران فوق البحر المتوسط». بمعنى آخر، كان الطيّارون الفرنسيون والقوات الأميركية في ذلك الوقت ينتظرون فقط الأمر الأخير من الرئيس أوباما لبدء هجومهم. ولكن في وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، في الساعة 6:15 مساءً اتصل أوباما بالرئيس الفرنسي ليخبره أنّ الضربة المُحدّد ميعادها في الساعة 3:00 صباحاً في الأول من أيلول لن تحدث كما خُطّط لها، إذ سيحتاج إلى استشارة الكونغرس!
بعد ثلاثة أيام، في الساعة 6:16 بتوقيت غرينتش يوم الثلاثاء الثالث من أيلول ، أُطلِقَ صاروخان «من الجزء المركزي من البحر المتوسط» مُتّجهان إلى الساحل السوري، ولكنهما لم يصلا إلى سورية.
تحطّم الصاروخان في البحر. هناك روايات مختلفة متعدّدة عمّا حدث، فوفقاً لـ«إسرائيل شامير»: «زعمت صحيفة لبنانية مُقتبِسةً من مصادر دبلوماسية أنّ الصواريخ أُطلِقَت من قاعدة جوية تابعة للناتو في إسبانيا وأسقطتها سفن نظام الدفاع بحر ـ جو الروسي. قدّمت صحيفة آسيا تايمز تفسيراً آخر يقول إنّ الروسيين قد وظّفوا أجهزتهم القوية للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي لتعجيز صواريخ توماهوك الباهظة عبر تضليلها وإفشالها. بينما أرجعت رواية أخرى الإطلاق إلى الإسرائيليين، سواء كانوا يحاولون الإسراع بالانطلاق أو كانوا يراقبون الأمر فقط كما يزعمون».
من الصعب معرفة السبب وراء حملة إطلاق الصواريخ الفاشلة هذه، ولكنّها لم تبدأ حرباً شعواء، وينبغي أن نكون جميعاً شاكرين لذلك جداً. يمكننا أن نرى في الخريطة التالية المجموعة الكبيرة من السفن الحربية في مواقعها قرب الساحل السوري في ذلك الوقت. أشار مقال في موقع مركز «غلوبال ريسيرش للأبحاث» إلى «نشر ضخم للقوات البحرية الأميركية وحلفائها في شرق البحر المتوسط قرب خطّ الساحل السوري إضافة إلى البحر الأحمر والخليج الفارسي».
كان يبدو من الأكيد في ذلك الوقت أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها سيشنّون هجوماً على سورية. ولكن الهجوم المخطّط له أُجّل إلى أجلٍ غير محدّد بدلاً من ذلك. كما يقول «إسرائيل شامير»: «لقد تقاطعت إرادات أميركا وأوراسيا الفولاذية في شرق البحر المتوسط» وقرّرت الولايات المتحدة فجأةً التراجع عن مثل ذلك الصراع العسكري الخطير. سخر أحد المعلقين قائلاً إنّ أوباما استحق أخيراً جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها. وفي ما يلي تقييم للموقف من «الصقر» وهو معارض صريح لما يطلق عليه الإمبراطورية الإنكلوـ صهيونية، ولديه معرفة داخلية بأساليب عمل الشؤون العسكرية للناتو بسبب حياته السابقة.
يقول: «كانت هناك ملاحظة ضئيلة لحقيقة إرسال روسيا لوحدة حربية بحرية قوية إلى الساحل السوري، ليست وحدة حربية كبيرة بما يكفي لقتال البحرية الأميركية، ولكن وحدة حربية قادرة على تقديم رؤية شاملة لسماء سورية وما يحيط بها للجيش السوري. بمعنى آخر، للمرة الأولى، لم تستطع الولايات المتحدة تنفيذ هجوم مفاجئ على سورية، لا بالصواريخ البحرية، ولا بالقوة الجوّية. والأسوأ من ذلك شروع روسيا وإيران وحزب الله في برنامج معلن وخفيّ للمساعدة التقنية والمادية لسورية، التي هزمت التمرّد الوهابي في النهاية».
من الصعب علينا معرفة كل المناورات التي حدثت في الكواليس خلال آب وأيلول 2013، ولكن النتيجة النهائية واضحة. بعد سنوات من التهديدات والاضطرابات المتزايدة، قرّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها عدم إطلاق هجوم مباشر على سورية كما كان مخطّطاً. بما أنّ النشر العسكري الموجّه ضد سورية بدا وكأنّه يتبع السيناريو المتّبع في العراق وليبيا، كان هناك نقاش في الغرب عن سبب تغيير الولايات المتحدة وأصدقائها لخططهم فجأةً. يمكننا الآن بعد إدراكٍ متأخّر رؤية أنّ الهجوم المباشر الفاشل أدّى إلى هجومٍ غير مباشر متزايد وظهور ما يعرف الآن بِاسم «داعش».
هناك سببان من الأسباب الواضحة التي أراها لهذا التغيّر المفاجئ، ليسا من الأمور التي قد يرغب القادة السياسيون في الغرب في مناقشتها. أحدهما حقيقة أنّ تلك الحروب مكروهة للغاية، ويبدو أنّ بعض السياسيين أصبحوا يستمعون لمواطنيهم، نتيجةً للفشل والكذب الذي لا يحصى في ما يتعلّق بالحروب الهمجية العقيمة في أفغانستان والعراق وليبيا. بأي شيء آخر يمكننا تفسير قرار البرلمان البريطاني غير المتوقّع في الخميس 29 آب بالتصويت ضد مشاركة المملكة المتحدة في أي ضربات على سورية؟
السبب الآخر يتمثل في حجم التراكم العسكري من قبل سورية وروسيا وحتى الصين. إذ لم يعترض الروسيون والصينيون على الولايات المتحدة في مجلس الأمن فقط، بل صوّتوا بعتادهم العسكري، فهم ليسوا سعداء بما خطّطته الولايات المتحدة في شأن سورية، وأوضحوا تماماً أنّهم قد يستخدمون القوة لمنعها. متى كانت المرة الأخيرة التي أرسلت فيها الصين سفناً حربية إلى البحر المتوسط؟ من الواضح أنّ كلاً من روسيا والصين ليسا سعداء بالطريقة التي قرّرت بها الولايات المتحدة غزو دولة تلو الأخرى.
كان هناك نقاش قليل في الإعلام الغربي حول أهمية تلك الأحداث على نطاقٍ أوسع، لأسبابٍ لا يصعب تخيّلها. ولكنّ معلّقين مثل «إسرائيل شامير» وبيبي إسكوبار، يعتقدون أنّ تلك الأحداث تشير إلى تحوّل هام في ميزان القوى في العالم. وفي ما يلي مقتطفات من عرضٍ لـ«إسرائيل شامير» في مؤتمر رودس في 5 تشرين الأول 2013:
«أولاً: الأخبار الجيدة أنّ التسلّط الأميركي انتهى، فقد رُوّض المتنمّر».
«في أيلول 2013، مرّ العالم بمفترق طرق للتاريخ الحديث، كان الأمر خطيراً، تماماً مثل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962».
«كانت احتمالات قيام حرب شاملة كبيرةً، مع تقاطع إرادات أميركا وأوراسيا الفولاذية في شرق البحر المتوسط. سيستغرق إدراك ما قد مررنا به بعض الوقت، فهذا أمر طبيعي وسط أحداث بمثل هذه الضخامة».
أجبرت أوراسيا ببساطة الولايات المتحدة على التراجع وإلغاء خططها للحرب، وكان الناس العاديون عموماً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وعدد من الدول الأخرى معارضين للهجوم تماماً مثل الناس في سورية نفسها. كتب بيبي إسكوبار في 17 تشرين الأول بعد التراجع السوري وتوقُف الحكومة في واشنطن عن العمل، موضحاً أنّه كان هناك تغيّر في السياسات في بكين، الآن قد سقطت الأقنعة الدبلوماسية من جانب الصين، فقد حان الوقت لبناء عالم لا يتبع السياسة الأميركية، حان الوقت لاستبدال عملة احتياطية دولية جديدة بالدولار الأميركي، وقد عُرِض هذا المنهج الجديد في مقال نشر في وكالة «شينخوا» للأخبار. كانت القشّة الأخيرة لهم هي أن يأتي توقّف الحكومة الأميركية عن العمل على رأس الأزمة المالية التي أثارتها بنوك «وول ستريت». يقتبس بيبي بعض أهم الفقرات من المقال في ما يلي:
«لقد استغلّت واشنطن وضعها بوصفها قوةً عظمى وجلبت المزيد من الفوضى للعالم بنقلها للمخاطر المالية للخارج وإثارة الاضطرابات الإقليمية وسط النزاعات القطرية والدخول في حروبٍ غير مضمونة تحت ستارة أكاذيب كاملة، بدلاً من الالتزام بواجباتها باعتبارها قوة رائدة مسؤولة».
هذه الاستراتيجية الصينية الجديدة ثلاثة أجزاء، الأول يتمثل بوقف مغامرات الولايات المتحدة العسكرية، فعلى كل الدول احترام القانون الدولي والتعامل مع الصراعات داخل إطار الأمم المتحدة. والثاني يكمن في توسيع عضوية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتشمل الدول في العالم الناشئ والنامي. والثالث يكمن في العمل على خلق عملة احتياطية دولية جديدة لتحل محل الدولار الأميركي المهيمن.
ربما يكون ذلك سبب عدم احتفاء قادة الغرب بالحرب التي لم تحدث، فقد أجبر الروسيون والصينيون الغرب على الالتزام بالقانون الدولي وتجنّب خوض حرب غير شرعية. كما يرى الصينيون هذا الأمر بدايةً لحقبة جديدة في السياسة العالمية، فهم يريدون نزع السمة الأميركية عن العالم. يريد الروسيون أن يروا عالماً متعدّد الأقطاب، يعني ذلك أنّ الولايات المتحدة ومجموعة أصدقائها الصغيرة في أوروبا الغربية واليابان سيضطرون إلى إدراك أنّهم لا يمكنهم اتّخاذ كل القرارات الكبيرة في العالم وحدهم.