السعودية تُمسك بلبنان ورقة في لعبة كبيرة
ناصر قنديل
– كثيرة هي الوقائع التي تقول إنّ ثمة قراراً يتخطّى حجم القوى اللبنانية في منع حدوث أيّ اختراق في تسوية تبقي العميد شامل روكز في قلب المؤسسة العسكرية، وهي تسوية متواضعة الكلفة على الفريق المحسوب على السعودية لأنها لا تعني أكثر من حفظ فرص البقاء لروكز كمرشح محتمل لقيادة الجيش، يملك الأطراف ذاتهم الذين يحاربون وصوله اليوم لهذا المنصب فرصاً مماثلة للتعطيل عندما يحين وقت الاستحقاق بعد عام، طالما هم يثقون أنّ أوضاعهم الإقليمية والمحلية إلى تحسّن، وربما يكون الحفاظ عليه مفيداً لهم لترشيحه لتولي القيادة إذا كان لا بدّ من مقايضة تريح العماد ميشال عون وقتها طالما هم واثقون أيضاً من أنّ رياحه الرئاسية ستضعف وستضطره للتخلي عن حلم بعبدا، وهي تسوية تحفظ للجيش اللبناني استقراراً في بنيته القتالية إذا كان الحساب بعيداً عن تسييس الجيش، لأنّ فوج المغاوير كقوة نوعية نخبوية في الجيش بقيادة روكز واحدة من عناصر الردع والقوة في مواجهة الذين يتربّصون بأمن لبنان.
– نتائج إفشال هذه التسوية المتواضعة، وفي المقابل حجم التحشيد الذي جرى تصنيعه لإفشالها، يقولان إنّ القرار يتعدّى الكيد السياسي مع العماد ميشال عون، خصوصاً أنّ صياغة التسوية والقوى التي تطوّعت لتسويقها، والمواقف المبدئية الإيجابية للأطراف المعنية، وخصوصاً تيار المستقبل، تقول إنّ شيئاً ما استجدّ أكبر حجماً من قرار تيار المستقبل، أدّى إلى إفشال التسوية وتحمّل تبعات أكبر من حجم كلفتها بكثير، فلم يعد خافياً أنّ عنوان معركة العماد عون المنطلق من اتهام المعارضين لوصوله إلى الرئاسة برفض المسيحي القوي وإقصاء التيار العريض الذي يمثله ضمن خطة عزل ممتدّة منذ العام 2005، يمتلك اليوم حجة قوية بعد إبعاد العميد روكز من الجيش، ويؤكد الخطاب العوني ويستنهض له شرائح مسيحية إضافية تستثيرها حالة اعتداء سافرة على أحد أنظف وأشجع ضباط الجيش اللبناني، بينما العكس كان يفقد معركة عون الرئاسية حجة تهمة الإقصاء والعزل ورفض المسيحي القوي وتهميش الشريحة الأوسع تمثيلاً بين المسيحيين، وبنتيجة سقوط التسوية بات واضحاً، حتى لو بقيت الحكومة ومعها طاولة الحوار أنّ موقف التيار الوطني الحر سيزداد تصلباً، وستصير التفاهمات معه أشدّ صعوبة، كما الواضح أنّ البلاد أُخذت إلى مناخ من التشنّج والتوتر لا تفسير لهما بالحسابات المحلية التي يعبّر عنها النائب وليد جنبلاط، الذي جرى استدعاؤه إلى السعودية ربما لإفهامه الأسباب التي حدت بالرياض لإفشال مساعيه بإنجاح التسوية.
– لا يمكن لغير التدخل السعودي أن ينجح بتعديل السير بالتسوية التي كان تيار المستقبل قد أعرب عن قبوله بها، ولا يمكن جمع وزراء الرئيس ميشال سليمان والكتائب والوزير بطرس حرب لتشكيل جبهة حكومية تحمل وزر إسقاط التسوية بغير قرار من الرياض، ولا يمكن للأميركيين الذي أبلغوا أطرافاً محلية تشجيع التسوية أن يعودوا ويسحبوا تأييدهم، وأن يقولوا إنهم على الحياد وإنّ الأمر يعود إلى حسابات كلّ فريق ومصالحه، ما يعني رفع الغطاء عن التسوية، بدون سبب وجيه، وهذا أمر لا يحدث إلا لحساب مستجدّ وراءه طلب بحجم الطلب السعودي.
– ماذا تريد السعودية من تجميد لبنان على عتبة انهيار وهريان وتآكل، بمجلس نيابي مشلول، وحكومة مفكّكة نصف ميتة، وطاولة حوار عاجزة، وأمن متسيّب، وحراك يدق الأبواب بمفاجأة تأتي بحدث دراماتيكي، هو السؤال الذي لا يفسّره سعي السعودية إلى تفجير، ليس بمقدور حلفائها تحمّل تبعاته، ولا رهان على تبدّلات يصنعها تطوّر في حرب اليمن، أو سقوط للتفاهم حول الملف النووي الذي يسلك طريقه إلى التنفيذ، فما يمكن أن يفسّر واحد من اثنين: إما رهان على قرار مشترك مع الغرب على خوض حرب عصابات بواسطة تنظيم «القاعدة» وتتماته في سورية ضدّ الوجود الروسي، والتمهيد لجعل لبنان قاعدة انطلاق لهذه الحرب، وتفكيك نسيجه السياسي والدستوري والاجتماعي لتوفير الحاضنة لهذه الحرب، أو التحضير لحرب «إسرائيلية» مقبلة تتعهّد السعودية أن تتمّ في ظروف مختلفة عن حرب العام 2006، تكون فيها شريكاً بما هو أهمّ من موقف اتهام المقاومة بالمغامرة، حرب ربما تكون حاجة «إسرائيلية» سعودية لبلوغ مقعد تفاوضي على مائدة المنطقة في ظروف مختلفة.
– السؤال: لماذا يبقى سمير جعجع رئيس حزب القوات خارج الحكومة وخارج هيئة الحوار، وبأيّ حجم من التغطية الإقليمية؟