سورية بعد قمة الأسد ـ بوتين: الحسم العسكري أولاً وبعد النصر السياسة
ناصر قنديل
– أخطأ الكثيرون الذين توهّموا أنّ قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، قد جاءت لاحتواء الهجمات التي شنّها الغرب وحلفاؤه على الدور الروسي العسكري في الحرب على الإرهاب في سورية، عبر محاولة تقديم مبادرة سياسية تلاقي الخصوم في منتصف الطريق، وخصوصاً الأكثر تشدّداً بينهم، أيّ تركيا والسعودية، وفي الملف الأشدّ حساسية المتصل بدور الرئيس السوري في الحلّ السياسي أو بعده، كما بدأت وسائل الإعلام المموّلة من السعودية بالترويج.
– قال الرئيس الروسي بعد نهاية القمة مع الرئيس السوري، وأثناء مشاركته في منتدى فالداي في سوتشي إنّ «الانتصار العسكري على الإرهابيين لن يحلّ جميع القضايا، لكنه سوف يهيّئ الظروف لإطلاق عملية سياسية تشمل جميع مكونات الشعب السوري، لأنّ السوريين وحدهم يقرّرون مصيرهم بمشاركة دولية بناءة بعيداً عن التهديدات والابتزاز»، لافتاً إلى أنّ «سورية تحتاج إلى مساعدات مالية ضخمة لمعالجة جراح الحرب، لذلك لا بدّ من الاستفادة من تبرّعات الدول والمؤسسات الدولية»، مضيفاً «نحن مستعدّون لتنسيق أعمالنا مع الشركاء الغربيين للقضاء على الإرهابيين، لكن الأهمّ أن نتعامل كحلفاء في محاربة الإرهاب». ورأى بوتين أنّ «الخلافات تراكمت في الشرق الأوسط، دينية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية، إلى جانب الخلافات العرقية والمذهبية، ولكن محاولات الخارج في إعادة بناء تلك المنطقة أدّت إلى تدمير الدول وصعود الإرهاب وتهديد العالم بأسره من خلال سيطرة تنظيم «داعش» على أراضٍ شاسعة في الشرق الأوسط، ولا يمكن تقسيم الإرهابيين بين الجيّدين والسيّئين»، مشيراً إلى انه «في السنوات الأخيرة كانت البيئة الإرهابية تتنامى، والأسلحة التي كانت تسلّم لما يُسمى بالمعارضة المعتدلة كانت تذهب إلى الإرهابيين، لذلك جهود أميركا في محاربة الإرهاب لم تأت بنتائج ملموسة، لأنها تعلن الحرب على الإرهاب من جهة ومن جهة أخرى تستخدم الإرهابيين كوسيلة لإسقاط الأنظمة غير المرغوب فيها، وبعد إسقاطها لن يتمكنوا من القضاء على الإرهابيين. وليبيا مثال على ذلك».
– يطرح الرئيس بوتين من وحي مناقشاته واتفاقاته مع الرئيس الأسد ثلاثة مسارات متتابعة وليست متوازية، أي أنّ النجاح في أحدها شرط للبدء بالثاني ومن بعدهما الثالث. المسار الأول هو الحرب على الإرهاب، وبدون تحقيق النصر في هذه الحرب يستحيل بدء العملية السياسية، إلا جزئياً للتعاون مع المعارضة المسلحة المستعدّة للمشاركة في الحرب على الإرهاب، إنْ وجدت، كاشفاً عن استعداد الأسد لهذا التعاون. ويقول بوتين إنه للنصر في هذه الحرب، على الغرب وحلفائه الكفّ عن محاولات تبييض الإرهاب واستخدام بعضه، والمطلوب وحدة القوى التي تقاتل الإرهاب بصدق، والكفّ عن السعي لفرض أنظمة على الشعوب وفقاً للمشيئة الغربية بقوة إشاعة الفوضى او توظيف الإرهاب، وبدون ذلك لا تعاون مع الغرب وحلفائه. والحرب التي بدأتها روسيا وسورية معاً ستستمر أما المسار السياسي الذي يشكل الحلقة التالية للحرب على الإرهاب، فـ«النصر الذي لن يحلّ كلّ المشاكل سيهيّئ الظروف لعملية سياسية»، يشترط بوتين أنها يجب أن تضمّ كلّ مكونات الشعب السوري، وتترك للشعب السوري اختيار حكامه، بمشاركة دولية بناءة بعيدة عن الابتزاز والتهديد. والقصد واضح هنا، الذهاب إلى صناديق الاقتراع بمشاركة دولية إيجابية كشاهد وضامن لا كمتدخل ووصيّ، ليكون متاحاً عندها بدء المسار الثالث وهو مسار إعادة الإعمار والبناء الاقتصادي بصفته الطريق الوحيد لمنع تدفق المزيد من اللاجئين وتأمين عودة الذين فرضت الحرب عليهم النزوح.
– عملياً يوزع الرئيس بوتين رسائله إلى الأميركيين والأوروبيين ودول المنطقة، فيقول للجميع تعالوا لنتعاون في الحرب على الإرهاب وننتصر بإخلاص وإلا فنحن ماضون معكم أو بدونكم، والنصر وحده باب العملية السياسية التي يجب أن تتمّ لبلوغ انتخابات يشارك العالم في تهيئة ظروفها وضمان نزاهتها وتكافؤ الفرص فيها ليصل صوت الشعب السوري وإراداته عبرها، فلا يملك أحد حق التدخل والقول بمن يقبل ومن يرفض أن يحكم سورية، فتلك مشيئة السوريين، وما يملكه العالم هو مساعدتهم للتعبير عن هذه المشيئة بأوسع مشاركة وأشدّ الشروط شفافية ونزاهة، ويقول للأوروبيين لا تتأخروا عن الشراكة في المسارين الأول والثاني بهذه الشروط، لأنكم أصحاب مصلحة بالشراكة في المسار الثالث الاقتصادي لضمان حلّ قضية اللاجئين، وكلما تسارع المساران الأول والثاني، صار الثالث ممكناً وسريعاً.
– سورية تسير بعد القمة نحو أولوية واحدة وفقاً لكلام بوتين، هي ترجمة الميدان لمعادلات الحرب حتى تحقيق النصر، وعلى الذين يتلهّون بوضع الشروط على دور الرئيس الأسد أن يفهموا أن لا بحث الآن بحلّ سياسي قبل النصر العسكري، وأنه عندما يحين أوان البحث سيكون دور الخارج محدداً بالمؤسسات الدولية للمساعدة على تهيئة شروط الانتخابات وضمان معاييرها.