هل جرى تضخيم خطر داعش؟

عامر نعيم الياس

احتل المشهد العراقي صدارة الاهتمام في أولويات الإعلام العالمي وعلى مستوياته كافة ، داعش التي سيطرت بطريقة دراماتيكية على الموصل وأجزاء واسعة من صلاح الدين ولوّحت بالدخول إلى بغداد، دفعت المراقبين والنخب إلى دراسة هذه الظاهرة بدءاً من نشأتها وليس انتهاءً بأصولها المالية ومقومات عملها الميداني وقدراتها، الجغرافيا أيضاً كانت حاضرة هي الأخرى في سياق التغطية الإعلامية، فالنخب وعلماء الاجتماع السياسي يرون أن داعش بتمددها الحالي تحاول إعادة صوغ حدود المنطقة، وإنهاء ما كان قائماً في عام 1916 أي حدود سايكس – بيكو. فهل جرى تضخيم خطر داعش، أم أن ما سبق بات واقعاً ملموساً؟

مما لا شك فيه أن داعش باتت ورقة إضافية في صراع المحاور في المنطقة، وحتى الصراع القائم ضمن المحاور المتقابلة، وعند هذه النقطة تحديداً يمكن القول إن داعش باتت ورقة ضغط في يد أدوات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تركيا والسعودية وحتى قطر، وفي يد حليفتها «إسرائيل»، يمكن استخدامها لقطع الطريق على الخطر الأكبر المتمثل بالتوجه الأميركي للاتفاق مع إيران وإغلاق ملف صراع امتد على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، صراع أعاد صوغ خريطة التحالفات في المنطقة وأعطى الدول آنفة الذكر أدواراً، وبالتالي ميزاتٍ إضافية من الواضح أنها اليوم ليست في وارد التخلي عنها. إذاً نحن أمام صراع داخل المعسكر الواحد ناتج عن ارتباك في المواقف الأميركية من الأزمة العراقية الحالية، فالإدارة لا تستطيع ترك العراق لمصيره كما فعلت في سورية، لكنها في الوقت ذاته تريد إعادة صوغ الحكم في العراق ومراعاة مصالح حلفائها.

في المقابل نجد أن الصراع بين المحورين المتقابلين في المنطقة يزداد ضراوة، فالخلاف وارتفاع منسوب التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بسبب الأزمة الأوكرانية، قد أتاح للأطراف المتقابلة في الإقليم هامش مناورة للذهاب حتى النهاية في الصراع على الأرض، في محاولة لتغيير موازين القوى القائمة، وبالتالي فرض أمر واقع يضمن ما أمكن مصالح الأطراف الإقليمية في أي صفقة أو بالأحرى في أي لحظة توافق روسي- أميركي.

لكن على رغم كل ما سبق فإن بعض المراقبين يرون في تضخيم خطر داعش جزءاً من الحرب النفسية الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها وإعلامها في المنطقة على المحور المقاوم، بهدف دفعه إلى الارتباك وضرب معنويات مقاتليه ونخبه وقاعدته الشعبية، التي ارتفعت بشكل غير مسبوق جراء الانتصارات الميدانية والسياسية في سورية، من دون أن نغفل هنا التحرك الأميركي باتجاه إيران واللقاء الرسمي الثنائي الذي عقد للمرة الأولى بين الطرفين قبل أسبوعين، والتغيّر الملموس في لهجة روسيا بعد أزمة أوكرانيا تجاه الاستقطاب في المنطقة. ويستند أصحاب هذا الرأي على الآتي في تفسيرهم لحدود سيطرة داعش:

– استعادة الحكومة العراقية لزمام المبادرة والتفاف غالبية الطبقة السياسية العراقية الحاكمة، وحتى المرجعية الدينية خلف رئيس الحكومة نوري المالكي، بمعنى آخر نجاح الحكومة العراقية الحالية بامتصاص الصدمة والتحضير لهجوم معاكس على الأرض.

– البيئة الحاضنة وأثرها الحاسم في تمدد داعش في الإقليم، فشعار «الزحف إلى بغداد» الذي نشرته داعش على تويتر لا يعدو كونه إعلامياً، وهنا نلاحظ فشل أي محاولة لخرق المدن التي توجد بها الجبهة التركمانية في العراق، والمدن التي تقطنها البيشمركة الكردية، لانعدام البيئة الحاضنة، فكيف ببغداد؟

– إعادة صوغ المشهد العسكري على الأرض في سورية والعراق من قبل الجماعات التكفيرية المسلحة والتوحد في جبهة واحدة، أمر تقف دونه عقبات كثيرة تتعلق بالخلاف العقائدي بين هذه الجماعات، والخلاف على تقاسم مناطق النفوذ في ما بينها، وبالتالي فإن استمرار حرب الأشقاء والاستنزاف الذاتي في سورية على وجه الخصوص، سيكون له أثر على تمكين نفوذ داعش في المنطقة الحدودية، وبالتالي إعادة ترتيب حدود عام 1916.

– التوازنات الإقليمية والدور الإيراني الذي لن يسمح بانفلات داعش إلى الحد الذي يتم الترويج له إعلامياً.

– الموقف الأميركي الذي لا يستطيع الرهان على الجبهة العراقية كما هو الوضع على الجبهة السورية، فالولايات المتحدة وعلى رغم محاولتها فرض انقلاب سياسي في العراق، إلا أنها أرسلت حاملة طائرات إلى المنطقة، ووصمت داعش بالإرهاب، ودعت إلى اجتماع مجلس الأمن للإشارة إلى عمق التزامها بالعراق، ولا تزال تعترف بالحكومة العراقية، وأرسلت 275 جندياً لحماية سفارتها في بغداد، كما أنها أرسلت 300 مستشار عسكري لتدريب القوات العراقية، وأعلن أوباما أنه مستعد لتنفيذ هجمات في العراق «بهدف محدد وواضح».

مما سبق يبدو أننا أمام صورة ثلاثية للصراع في المنطقة الذي يحتل الملف العراقي صدارته الآن، الطرف الأول فيها والموّحد هو المحور المقاوم وداعميه الدوليين الذين لم يغيّروا استراتيجيتهم مما يجري في المنطقة، ودعوا مراراً إلى التنبه لخطورة اللعبة المذهبية وانفلاش التنظيمات المتطرفة بوجه الجميع. الطرف الثاني: تركيا والسعودية وقطر و»إسرائيل» واللعبة الاستخباراتية القذرة التي تدار على أراضي العراق وسورية من قبل جبهة الرفض لمبدأ التسوية والتفاوض في الملف السوري أولاً، والملف النووي الإيراني ثانياً، ولتوجه أوباما لمهادنة روسيا ثالثاُ. أما الطرف الثالث فهو الإدارة الأميركية التي تريد إدارة حرب الاستنزاف في المنطقة ليس لمجرد الاستنزاف بل محاولة انتزاع ما عجزت عنه بالقوة العسكرية المباشرة، سياسياً، لكن هل عامل الوقت في العراق لصالحها؟ وهل يرضخ أوباما لضغوط أدواته وحليفته في المنطقة في ما يخص الملف العراقي كما رضخ لتقدير موقف رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم، وتقدير موقف الأمير السعودي بندر بن سلطان في الملف السوري ومن ثم قام بعزلهما؟

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى