الأكراد يحسمون الانتخابات التركية
ناصر قنديل
– في تبسيط المشهد الإقليمي وما يخصّ منه سورية تحديداً يمكن القول بسهولة إنّ بقاء السقف العالي للسعودية وتركيا هو عقدة المرحلة، وإنّ كلّاً منهما مرتبط بالآخر، وما ستشهده تركيا في انتخابات يوم الأحد المقبل حاسم واستثنائي، فما سيحدث للثنائي رجب أردوغان وداوود أوغلو سيقرّر ما إذا كانت سياستهما ستحكم تركيا أم لا. الفوز بالأغلبية يعني مواصلة الثنائي الحكم ومواصلة الحلف السعودي التركي لعب دور حاسم في السياسات الإقليمية، وبمستوى من النقاش مختلف حول الخيارات السعودية التركية. وفي المقابل فشل ثنائي أردوغان وأوغلو في نيل الأغلبية وذهاب تركيا إلى حكومة ائتلافية، سيعني تحييد سورية من السياسة الخارجية التركية بسبب أولويتها لدى الأحزاب التي ستشكل الحكومة، فحزب العدالة والتنمية يقود الحرب على سورية وحزب الشعب الجمهوري الذي يقود المعارضة يساند سورية ورئيسها علناً ويدعو إلى وقف سياسات العداء التي ينتهجها الثنائي أردوغان ـــ أوغلو، بينما حزب الشعوب الديمقراطي يتمسك بوقف الدعم الذي تقدّمه الحكومة التركية لفصائل إرهابية تحت زعم أنها المعارضة السورية، ومن موقعه الخاص تجاه المسألة الكردية يساند الدور الروسي في سورية وتفاهماً سياسياً لحلّ يشارك فيه أكراد سورية مع الدولة السورية والمعارضة الوطنية التي شاركت في حوارات موسكو، ما يعني أنّ سياسة حكومة المتناقضات ستصير صفراً تجاه المسألة السورية حكماً.
– في مقابل تركيز استطلاعات الرأي على شعبية حزب العدالة والتنمية، وقد جاءت بلا مؤشرات ذات قيمة في تقدير مستقبل نتائج الانتخابات، حيث لا زيادة الـ4 التي توقّعها البعض لحزب أردوغان ــــ أوغلو ستغيّر نتيجة حصوله على الأغلبية أم لا، ولا خسارة 1 أو 2 التي توقعها آخرون ستحسم الأمر، فكلّ شيء بات متوقفاً عملياً على نجاح أو فشل حزب الشعوب الديمقراطي المعارض من أصول يسارية وكردية، في تخطي حاجز نيل الـ10 من أصوات الناخبين الأتراك والتمكّن من دخول البرلمان، سواء حقق حزب العدالة والتنمية بعض التقدّم أو بعض التراجع، فوفقاً لقانون الانتخابات التركي الذي يعتمد اللوائح المتنافسة على أساس نظام التمثيل النسبي، لا يتمثل في البرلمان أيّ حزب أو لائحة دون نيل ما مجموعه 10 من أصوات الناخبين على الأقلّ، حرصاً على حصر التمثيل البرلماني بالتحالفات والأحزاب الكبيرة، ووفقاً للقانون نفسه، تذهب المقاعد النيابية في المقاطعات التي يترشح عنها ممثلو اللوائح والأحزاب التي تفشل في تخطي عتبة الـ10 لمن ينال المركز الثاني بعدها في هذه المقاطعات، وهذا يعني عملياً أنّ حزب الشعوب الديمقراطي عندما ينال 10 وما فوق، كما حدث في انتخابات حزيران الماضي، سيحصد المقاعد التي تمثل مقاطعات شرق وغرب تركيا حيث مرشحوه هم الفائزون، وينال ما بين 55 و65 مقعداً وفقاً للنسبة التي يحصل عليها، أما في حال فشل الحزب في تخطي عتبة الـ10 فعندها سيخسر فرصة نيل أيّ مقعد نيابي، حتى ولو مقعد واحد، وستذهب مقاعد المقاطعات التي يتقدّم فيها مرشحوه للائحة التي تليه بتراتبية الأصوات في المقاطعة وهي حكماً وفقاً لواقع الحال لائحة حزب العدالة والتنمية، حيث الحزبان الآخران حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية لا يتقدّمان بمرشحين بارزين ولا ينالان أصواتاً يُعتدّ بها في هذه المقاطعات ما يعني أنّ القضية تختصر بمصير 55 – 65 مقعداً، إما تذهب جميعها لحزب الشعوب الديمقراطي، كما حصل في انتخابات حزيران أو تذهب كلها لحزب العدالة والتنمية، كما كان يحصل دائماً، خصوصاً العام 2011 عندما نال حزب الشعوب الديمقراطي 7 فقط وفشل في دخول البرلمان.
– مصير التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي، سيقرّره مكوّناه الرئيسيان في الشرق التركي، الأكراد، وفي الغرب التركي، اليسار في قواعد من الطائفة العلوية، ووفقاً لمقاربة خطاب أبرز أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري كلغدار أوغلو العلماني الاشتراكي المتحدّر من الطائفة العلوية يمكن قياس مزاج يساري وعلوي متوتر تجاه المسألة السورية ضدّ سياسات حزب العدالة والتنمية، خصوصاً مع ظهور الإرهاب كخطر داهم على تركيا وتفاقم مسألة اللاجئين السوريين ونتائجها الضاغطة على الاقتصاد التركي، بحيث يمكن القول إنّ انقساماً طائفياً حاداً سيطغى على البرامج الانتخابية ووظيفتها التصويتية، وما يمكن أن تشهده تركيا في الانتخابات المقبلة من توتر سيرفع نسبة المشاركة، ويمنح لكلّ فريق كمية أعلى من المصوّتين ويصير مستقبله السياسي متوقفاً على نسبة البيئة التي ينطلق منها في التكوين الديمغرافي للناخبين الأتراك وليس التكوين الطبقي والاجتماعي، فيكون مجموع ما يناله حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري المعارضان في الطائفة العلوية قرابة 80 من مصوّتيها، وينال حزب الشعوب الديمقراطي نسبة موازية من التأييد بين الأكراد، ويتوزّع المصوّتون في الطائفة السنية بنسبة قد تصل إلى 70 لحزب العدالة والتنمية لينال حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري أدنى نسب تصويت في الطائفة السنية، وبينما يحتمي حزب الشعب الجمهوري بقاعدة علوية كافية لحجز مكان متقدّم سيخسر حزب الحركة القومية كثيراً من فرص التقدّم، لكنه سيبقى ثانياً في الطائفة السنية، أيّ من دون خطر الخروج من الحلبة، لتجذّر وزن اليمين القومي في وسط شرائح تمنحه ما فوق الـ10 من إجمالي المصوّتين مهما ساءت أحواله.
– يتوزع السكان الأتراك على الأصول العرقية والقومية والدينية، وفقاً لإحصاءات متضاربة الدقة والنتائج، بين مكوّن كردي يمثل ما بين 20 و25 من السكان ومكوّن علوي وشيعي يمثل نسبة ما بين 15 و20 ومكوّن سني يمثل ما بين 55 و65 من السكان، ويتراوح عدد سكان تركيا ما بين 80 و100 مليون نسمة، ووفقاً لأيّ نسبة مشاركة متساوية بين المكونات في الانتخابات ونيل حزب الشعوب الديمقراطي نسبة 25 فقط من العلويين و50 من الأكراد الذين سينتخبون سينال الحزب نسبة بين 12 و20 من المصوّتين على مستوى تركيا ويتخطى عتبة الـ10 ويسقط حلم الثنائي أردوغان وأوغلو.
– تقدّم الانتخابات التي بدأت خارج تركيا نموذجاً يمكن البناء عليه، في فهم حركة واتجاهات الناخبين الأتراك، بالرغم من عدم ظهور أيّ نتائج عن طبيعة التصويت، ذلك أنّ النسبة الغالبة من المهاجرين الأتراك التي تعبّر عنها نسب المشاركة في الاقتراع تعود للأكراد، خصوصاً في الدولة التي تضمّ أكبر جالية كردية خارج الشرق الأوسط وهي ألمانيا، فعندما نتحدّث عن زيادة مشاركة المهاجرين الأتراك بـ43 وتخطيهم رقم مليونين وربع مليون ناخب شاركوا مقارنة بمليون ونصف فقط في انتخابات حزيران ويشكلون اليوم 7 من إجمالي الناخبين المسجلين، فيمكن القياس عليهم علمياً. وعندما تقول الإحصاءات الرسمية أنّ المصوّتين في ألمانيا وحدها قد سجلوا زيادة مئة ألف مصوّت عن انتخابات حزيران الماضي، فهذا يعني أنّ درجة التعبئة الكردية في ذروتها لحساب المشاركة، وطبيعي أن نتوقع أن يكون ذلك لحساب حماية وجود حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان وتحصين نسبة الـ10 اللازمة لذلك، ولو سجلت سائر المكونات التركية الطائفية والقومية والعرقية استنفاراً مشابهاً لما تؤشر إليه الحالة الكردية، وهذا مستحيل فذروة الزيادة المتوقعة في سائر المكوّنات لن تتخطى الـ20 ، تبقى أسوأ التوقعات تقول بتكرار نتيجة الانتخابات السابقة مع تعديلات طفيفة ستتمّ غالباً على حساب حزب الحركة القومية ونسبة تمثيله فتبقى الحصيلة فشل حزب العدالة والتنمية بفوزه بالأغلبية، هذا إذا لم نقل إنّ حزب الشعوب الديمقراطي قد يحقق تسونامي هذه المرة بالاقتراب من نسبة الـ20 .