الائتلاف المعارض يتفكّك تحت تأثير ميثاق فيينا وتلمّس التحوّل التركي معركة حلب تقترب وإيران تعتبرها عنوان النصر مهما كلّفت من شهداء

كتب المحرّر السياسي

تبدو حال الائتلاف المعارض كحال الجيش العثماني الإنكشاري بعد هزيمته في الحرب العالمية الأولى، فالتحقق من أنّ الذي تمّ في فيينا يعني نهاية مرحلة وبداية مرحلة، حيث لا رهان على الحرب، وحيث الغرب مصطفّ رغماً عنه وراء روسيا في مقاربتها للحرب على الإرهاب، قد تمّ في زيارة وفد الائتلاف برئاسة خالد الخوجا إلى بريطانيا، حيث شاركهم وزير خارجيتها البكاء على الأطلال، لكنه صارحهم بالحاجة إلى الواقعية السياسية كي لا يبقوا خارج العملية السياسية، حيث صار واضحاً أنّ تصنيف المنظمات الإرهابية وتمييزها عن المعارضة المقبولة للمشاركة في الحوار، الذي بدأه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، سيضع كلّ رموز الائتلاف ومكوّناته أمام فحص محوره، الاستعداد لاعتبار «جبهة النصرة» عدواً والاستعداد لقبول المنافسة الانتخابية طريقاً وحيداً لدخول مؤسسات الدولة. والمشكلة التي يدركها قادة الائتلاف أنهم إذا تبرّأوا من «النصرة» ومن مثلها واعتبروها إرهاباً صار لزاماً عليهم الاعتراف بأنهم لا يملكون نفوذاً عسكرياً يؤهّلهم للدخول في أيّ وقف للنار يتحدّث عنه دي ميستورا، بل صار عليهم التفكير بِانشقاقات ستحدث في البنية المتبقية من تشكيلات يمدّونها بالسلاح والذخيرة من معونات الغرب ويعلمون أنّ ولاءها لـ«النصرة» أكبر من التزامها بهم، وهم يعرفون في المقابل أنّ أيّ قبول بالمنافسة الانتخابية سيعني فضيحة لحقيقة عجزهم التمثيلي، الذي كان دائماً وراء تمسكهم بهيئة حكم انتقالي تفرض على السوريين بقوة الخارج تمنحهم دوراً في التحكم بمصير سورية.

الرهان على السعودية بغير مواصلة الصراخ الاعتراضي على توافقات فيينا، لن يجلب شيئاً، والرهان على تركيا في ظلّ ما بدا أنه بداية التزام حزب العدالة والتنمية الواقعية السياسية التي تحدّث عنها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند مع قادة الائتلاف يبدو سراباً، فالمعارك الدائرة في شمال سورية تجري تحت عيون الأتراك وهم لا يحرّكون ساكناً، وإجراءات التقييد التي تمّت تحت مبرّر الانتخابات لا تزال سارية، رغم انتهاء الانتخابات والفوز الساحق لحزب الرئيس رجب أردوغان، واللافت أنّ الاتصالات التي يُجريها أردوغان محصورة بالرئيس الروسي منذ فوزه، وأنّ موفده الوحيد كان القائم بالأعمال التركي في بيروت الذي قصد مكاتب حزب الله، لبدء اتصال سرعان ما تُرجم باستقباله للمرة الأولى وفداً من أهالي العسكريين المخطوفين.

في هذا المناخ التركي الذي تؤكده معارك شمال سورية، تتقدّم وحدات الجيش السوري وحزب الله على مختلف محاور حلب. ويبدو الإيرانيون بالتنسيق مع الروس قد حسموا قرارهم بجعل تحرير حلب أول التغييرات الجغرافية، في خريطة الحرب السورية، فقد نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني قوله أثناء تفقده وحدات قتالية في الجبهات قوله: إنّ حسم حلب صار راهناً وأنه سيكون بداية النصر وإنّ قرار الحسم اتُخذ مهما كلّف من شهداء. واللافت أنّ الإعلام الإيراني الذي نقل الخبر أشار إلى كلام سليماني عن القرار المتخذ أنه يقصد أنّ المرشد السيد علي خامنئي قد وجّه بتعبئة القدرات اللازمة للفوز في الحرب على الإرهاب، وأنّ حلب ستكون البداية.

تفكك الائتلاف وارتباكه وفقدانه الرؤية والخطة، من جهة، وتضعضع «جبهة النصرة» التي بنت كلّ تشكيلها الأمني على فرضية الرعاية التركية السعودية «الإسرائيلية»، وفوجئت بالانهيارات السياسية بعد فيينا من جهة مقابلة، دفعا تنظيم «داعش» للتصرف بسرعة لالتهام ما تبقى من تشكيلات ومناطق عسكرية محسوبة على الائتلاف و«النصرة» بغير طريق الغزوات، حيث يضطر المقاتلون للمشاركة في المواجهة، بينما عين «داعش» عليهم لضمّهم إلى صفوف التنظيم والتحوّل قوة وحيدة تخوض الحرب على جبهاتها المختلفة. وفي هذا السياق كانت العملية النوعية لـ«داعش» في عرسال باستهداف هيئة العلماء المسلمين، التي تشكل ما يعادل مجلساً شرعياً أو فقهياً لـ«جبهة النصرة».

هل تنعقد الجلسة التشريعية؟

يبقى أي كلام في انعقاد الجلسة التشريعية أو تطييرها في إطار التكهنات. ويلعب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي حدد موعد الجلسة العامة، بعد أن وافقت هيئة مكتب المجلس على جدول الأعمال المؤلف من 38 بنداً، لعبة الأمر الواقع على قاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، لإحراج كل الأطراف ودفع الأمور إلى عنق الزجاجة. وإذا كانت الأجواء تشير إلى «أن الجلسة ستعقد في موعدها صباح الخميس المقبل، فهل سيغطي تيار المستقبل عبر نوابه المستقلين المسيحيين ميثاقية الجلسة بعد أن تبيّن أن عدم توفر الميثاقية التامة سيؤدي إلى تعطيل عمل المجلس؟ وبما أن المصلحة الوطنية تقضي أن يُعقد مجلس النواب، فهل تتّجه البلاد نحو العمل بالميثاقية الملطفة؟

ومن المبكر الجزم بذهاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى الجلسة من عدمه على ضوء الأجواء التي تتحدّث عن أن العلاقة بين الطرفين على درجة عالية من التعقيد، وهل الجنرال عون المطعون، كما تقول مصادره، في أكثر من ملف يقبل أن يذهب إلى تشريع الضرورة مقابل لعبة أثمان متبادلة وما يمكن أن يُعطى له؟ وهل حشر حزب «القوات» التيار الوطني الحر والأطراف الأخرى عندما وضع سقف قانون الانتخاب لتشريع الضرورة؟

كنعان في معراب لتنسيق المواقف

وفي إطار تنسيق المواقف من حضور الجلسة التشريعية المرتقبة، زار مساء أمس أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان موفداً من العماد عون، معراب للقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع. « وقال كنعان: «نحن بانتظار التعاطي بالضرورات الوطنية وفقاً لما تقتضيه الشراكة الوطنية والأصول من اتفاق وتعاون، وإلا ستختلف الأمور تماماً».

ورجّحت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن يحضر الوطني الحر الجلسة التي على جدول أعمالها موضوعا استعادة الجنسية وأموال البلديات لقاء مخرج «دبلوماسي» يتمّ التداول به يقوم على «تلقي عون وعداً أن يوضع قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة المقبلة».

وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» «أن القرار النهائي سيتخذ عشية الجلسة على ضوء الاتصالات التي ستنشط مطلع الأسبوع المقبل»، مؤكدة أن «التيار الوطني يُصرّ على إدراج القوانين المتعلقة بإعادة تكوين السلطة على جدول الأعمال»، مشيرة إلى «أن قانونَي استعادة الجنسية وقانون الانتخاب متلازمان ولا رجوع عن ذلك، ولن نسمح لأحد بابتزازنا».

حزب الله – المستقبل لاستكمال الحوار

وتعقد جلسة حوار جديدة بين تيار المستقبل وحزب الله الخميس المقبل في عين التينة، لاستكمال النقاش في تطبيق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي، وتفعيل أداء الحكومة ومجلس النواب، بحسب ما أكد النائب سمير الجسر لـ«البناء»، مشيراً إلى «أن الطرفان يؤيّدان ضرورة تفعيل الحكومة وإعادة فتح المجلس النيابي وهذا سيكون محور البحث في جلسة الخميس التي تسبق الجلسة التشريعية التي دعا إليها الرئيس بري». وأشار الجسر إلى «أن الميثاقية ستتوفر للجلسة العامة»، مضيفاً أن «الاتصالات مستمرة مع القوات اللبنانية لحضور الجلسة التي يصبّ انعقادها في خدمة المصلحة الوطنية»، لافتاً إلى «أنه لا يمكن إدراج قانون الانتخابات من دون توافق سياسي مسبق على القانون».

وأشار الجسر إلى اجتماع سيُعقد في اليرزة في الساعات المقبلة بين وزير الدفاع الوطني سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي ووزراء الداخلية نهاد المشنوق، والصناعة حسين الحاج حسن، والمال علي حسن خليل، لـ«دراسة تطبيق الخطة الأمنية بشكل عملي، واستعراض الأمور وأين يكمن الخلل وما هي المعوقات التي تحول دون تنفيذ الخطة، لا سيما أن الوضع الأمني في البقاع في الفترة الأخيرة كان نافراً جداً».

قاسم: خلافنا و«المستقبل» سياسي

وأوضح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مداخلة خلال اجتماع «المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب» «أننا اتفقنا في لبنان على حوار بين حزب الله و«المستقبل» ولا زال مستمراً ولو حقَّق الحد الأدنى وهو تخفيف الاحتقان»، آملاً أن يُحقِّق أكثر من ذلك «ولكن خلافنا معهم سياسي حول كيفية إدارة البلد، والمواقف مما يحيط بنا، ومدى السير في مشروع المقاومة ودعمه، ولم يكن يومًا خلافًا مذهبياً على الإطلاق ولن يكون كذلك في المستقبل، إذ لا محل للخلاف المذهبي لا معهم ولا مع غيرهم من وجهة نظرنا».

انفجار يهزّ عرسال بدراجة مفخّخة

أمنياً، عادت عرسال إلى الواجهة من بوابة تصفية الحسابات بين تنظيمي «داعش» و«النصرة»، فقد سقط عدد من القتلى والجرحى في انفجار هزّ عرسال استهدف اجتماعاً لما يُسمّى «هيئة علماء القلمون» التابعة لـ«جبهة النصرة» الإرهابية في محلة السبيل في البلدة، من بينهم رئيس «الهيئة» عثمان منصور، وجميعهم من التابعية السورية.

وأشارت معلومات «البناء» إلى أن «الانفجار حصل في لحظة اجتماع لقادة النصرة العسكريين الميدانيين مع أعضاء من الهيئة الشرعية برئاسة رئيسها في القلمون المدعو الشيخ عثمان منصور»، ما أدى إلى مقتل ثمانية من قادة «الهيئة».

وأكدت مصادر من داخل عرسال لـ«البناء» «أن الانفجار ناجم عن عبوة ناسفة وضعت على دراجة نارية نوع parta ركنها شخص واستهدفت الاجتماع وتمّ تفجيرها لاسلكياً عن بعد، ولفتت إلى أن المستهدَف من العملية مسؤول كبير في النصرة يُدعى «أبو شامل» والذي قتل فوراً مع اثنين من معاونيه وأصيب أربعة آخرون بجراح خطرة، وأشارت إلى أن «موجة تصفيات تقودها مجموعة خاصة من داعش ضد جماعة النصرة الذين كانوا قد بايعوا داعش وعادوا عن بيعتهم»، وأوضحت المصادر أن «المبنى يتخذ منه قادة النصرة مكاناً لاجتماعاتهم الدورية والطارئة».

ومن جهة أخرى قالت مصادر عسكرية لـ«البناء» إن «الهيئة المستهدَفة هي الهيئة الشرعية لجبهة النصرة وتؤمن لها الغطاء والارتباط مع الشارع المدني ومع مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، وصلة الوصل في عملية التفاوض بملف العسكريين المخطوفين، كما تشكل الرافعة المدنية لجبهة النصرة في المنطقة».

وأوضحت المصادر أن «داعش هو المسؤول عن تنفيذ العملية ويأتي ضمن الصراع على النفوذ في المنطقة بين تنظيمَي «داعش» و«النصرة»، وأوضحت أن «التفجير لن يغيّر المعادلة في ما يتعلق بملف العسكريين لأن كل ما تطلبه النصرة يتحقق من خلال الضغط على الحكومة بأهالي العسكريين وبالتالي ليس لديها مصلحة بإنهاء الملف».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى