سليمان فرنجية نصرالله الأسد…
هتاف دهام
لم تقطع بنشعي والرياض الشك باليقين وتؤكد حصول اللقاء الباريسي بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، برغم أنّ التجارب أثبتت مع لقاءات سابقة من هذا النوع بين الحريري والرئيس الفخري للتيار الوطني الحر العماد ميشال عون حصلت في روما وتمّ نفيها، أنّ النفي لم يأتِ إلا في إطار التأكيد، وكلّ المعلومات المتداولة تجمع على أنّ الرجلين كانا في باريس في اليوم نفسه في منتصف الأسبوع. ورجحت مصادر لـ«البناء» حدوث اللقاء برغم نفي حدوثه.
إنّ «لقاء» من هذا النوع في هذه اللحظة السياسية المفعمة بالفراغ والوقت الضائع والدوران في الحركة المفرغة والمخاطر الأمنية الكبيرة، وبيان فيينا السوري واستمرار أزمة التخاطب السعودي ـــــ الإيراني، لا بدّ أن يأتي مستفيداً من كلّ هذه الوقائع الآنفة الذكر، ولكن أيضاً من خلال الطبيعة اللبنانية، صحيح أنّ لقاء من هذا النوع يُفسَّر مباشرة على أنه مرتبط بأزمة الرئاسة الأولى، إلا أنه من السذاجة الاعتبار أنّ هذا اللقاء كافٍ لفتح أبواب بعبدا، فبقدر ما أنّ ثنائية فرنجية ـــــ الحريري تُغري أصحاب المخيّلات لرؤية باريس تحتضن لقاء بين رئيس جمهورية عتيد ورئيس وزراء عتيد، لكن الواقعية تقتضي أيضاً أن نعترف بكون أزمة لبنان السياسية والرئاسية أكبر من أن يتمّ فتحها بهذه البساطة، بخاصة أنّ تجربة العماد عون والرئيس الحريري حين التقيا سواء في روما أو في باريس نفسها، وقيل الكثير عن الثنائية الرئاسية التي سينتجها هذا التلاقي، قد أفضت في النهاية إلى فيتوات سعودية أطاحت العماد عون من دون أن يبدو الحريري أنه كان صاحب خيار إزاء هذا الفيتو.
يأتي توقيت لقاء بيت الوسط ـــــ بنشعي في العاصمة الفرنسية في ظلّ مجموعة من المعطيات الجديدة التي قد تُغري العقل والمخيّلة في آن، إذ يجب أن نتوقع نتائج أفضل لهذه الثنائية من الثنائية التي سبقتها العونية ــــ الحريرية إلا إذا كان الحريري قد قرّر التخصّص في حرق المشاريع الرئاسية وليس في إنتاجها. ومن هذه المغريات، حجم المخاطر المحدقة، محادثات فيينا السورية، وحجم أبعادها الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى مأزق الداخل والعلاقة المقفلة على مستوى التواصل السعودي ــــ السوري، وحواري عين التينة الوطني والثنائي، وإعلان النيات بين القوات والتيار الوطني الحر، وتسريبات من زوار المملكة في الأشهر الأخيرة عن إمكانية تبني المملكة وحلفائها ترشيح فرنجية للرئاسة، ومحاولات تسويقه على مستويات عدة في المرحلة الماضية، وبخاصة خلال زيارتَي رئيس حزب القوات سمير جعجع الى الرياض بدافع وحيد هو حماية الطائف، إلى الزيارات المتكرّرة للسفير الأميركي ديفيد هل الى بنشعي، وتصريح النائب وليد جنبلاط أنه مستعدّ لانتخاب رئيس تيار المرده رئيساً للجمهورية لأنّه «على الأقل اللّي بقلبو على لسانو»، وإن كان «بيك المختارة» أكد قبل فترة وجيزة أن لا مانع لديه في انتخاب الجنرال عون.
إنّ الأهمّ من كلّ ذلك دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الإطلالتين الأخيرتين إلى تسوية سياسية كبيرة، يُقال إنّ الطرف الآخر تلقفها وإنْ كانت عوامل تطبيق هذا التلقف غير واضحة. والأهمّ يبقى مناسبة لقاء الثلاثاء المقبل بين حزب الله وتيار المستقبل، فرصة حقيقية لمحاولة البحث عن الإيجابيات الموعودة.
لا شك في أنّ لفريق 14 آذار الحق في الحديث عن عناصر إيجابية في شخصية الوزير فرنجية، لكن فرنجية هذا، هو نفسه فرنجية الذي جرى عزله حينما كان وزيراً للداخلية والبلديات غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو نفسه الذي تعرّض لحملات تشهير قاسية، وهو نفسه سليمان فرنجية نصرالله الأسد، فهذه هي الهوية الحقيقية التي هي موضع افتخاره انطلاقاً من مسيحيته ووطنيته.
ويبقى الأهمّ موقف جنرال الرابية في لحظة تلاقٍ كهذه، ما إذا كانت هذه اللحظة في إطار جسّ النبض، أم في إطار مشروع رئاسي حقيقي؟
أما السؤال المشروع الأساسي، فهو هل الحريري المأزوم هو في الموقع الذي يصنع الرؤساء في هذه اللحظة التاريخية؟ وهل اللحظة التاريخية هي لحظة مؤاتية رئاسياً بالفعل أم هي لحظة فارغة مملة نتجت عن هذا النوع من لقاءات ذات فراغ طويل؟ إنّ العلاقة الجدلية مرتبطة بقوة في الأزمة السورية، بخاصة أنّ قاعدة العمل التي قال بها السيد نصرالله حول الجنرال عون وموقعه في الرئاسة الأولى هي الوحيدة التي تشكل معبر الرئيس القادم، أكان عون أو مَن يقبل به، وإنْ كانت تردّدت معلومات أنّ وصول فرنجية الى الرئاسة في لبنان يتوقف على مشاركة «المعارضة السورية» الى جانب الرئيس بشار الأسد في الحكومة الانتقالية!