كبير مراسلي «ليبيراسيون»: الأسد انتصر على هولاند ووزير خارجيته
عامر نعيم الياس
لمن لا يعرف ما معنى أن تعترف «ليبيراسيون» بانتصار الأسد في المعركة السياسية الدبلوماسية والعسكرية المستمرة منذ خمس سنوات مع الغرب عموماً»، ومع الولايات المتحدة وفرنسا خصوصاً، لا يرى أن الإشارة إلى مقالٍ هنا أو تقرير هناك تحتاج لهذه الأهمية ويجب التركيز عليها. لكن صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية الفرنسية المحسوبة على الحزب الحاكم الذي يمثله الرئيس فرانسوا هولاند في الرئاسة ولوران فابيوس في منصب وزير الخارجية، لم توفّر جهداً لشيطنة سورية ودولتها منذ بداية الأحداث، وانضبطت بشكلٍ تام في سياسة الإليزيه والكي دورسيه تجاه سورية. لكن هجمات باريس لم تترك أمام النخب مجالاً لمداراة ما كان سابقاً بمثابة تابو لا يمكن خرقه أو حتى محاولة انتقاده. واليوم نضع بين يدي القراء ليحكموا مقال الكاتب وكبير مراسلي الصحيفة جان بيار بيران، حول التحوّل الذي يجري في أروقة السياسة الفرنسية من سورية والذي بدأ، بحسب الكاتب، منذ كسر الرئيس الفرنسي معادلة «لا داعش، لا بشار»، ومشاركة فرنسا في الغارات الدولية ضدّ تنظيم «داعش» في سورية، التحوّل الفرنسي الأول كان في التخلي عن سياسة «لا لا» التي كانت باريس تتبعها في مقاربة الأزمة السورية، مع أن الخارجية الفرنسية كانت قد فتحت في الأول من تشرين الأول الماضي تحقيقاً حول ارتكاب بشار الأسد جرائم حرب «هي مسؤوليتنا في محاسبة القتلة». حينذاك قال لوران فابيوس، اليوم هؤلاء «القتلة» يطالبهم فابيوس بنجدته» يسخر كبير مراسلي «ليبيراسيون».
منذ إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن العدو الأول لبلاده في سورية هو تنظيم «داعش»، واستنكاف الرئيس الفرنسي عن التطرق نهائياً لمسألة الرئيس السوري الذي لم يُلفَظ اسمه ولو لمرةٍ واحدة في خطاب هولاند أمام الجمعية الوطنية منتصف الشهر الماضي عقب هجمات الثالث عشر من تشرين الثاني في باريس، رأت وسائل الإعلام الفرنسية أن التحوّل في سورية استُكمل لكنها حاولت التغطية عليه بإعادة تعويم ملف مصير الرئيس السوري، والحديث عن اشتراطات فرنسية للتحالف مع روسيا في سورية على رأسها «عدم استهداف المعتدلين واستهداف داعش فقط» وفق صحيفة «لوموند»، لكن كسر معادلة «لا، لا»، مضافاً إليها تصريحات وزير الخارجية لوران فابيوس حول «إمكانية مشاركة الجيش السوري في الحرب على داعش»، كسرت أي إمكانية للتعتيم على المأزق الفرنسي في سورية، وحتى محاولة فابيوس لوضع شرط الانتقال السياسي كمقدمة للتعاون مع الجيش السوري لم تؤتٍ ثمارها عند النخب الفرنسية، وعند هذه النقطة يقول بيران « لاحقاً استدرك وزير الخارجية الفرنسي العبارة التي قالها عبر ما يمكن تسميته في المصطلحات السياسية بتدوير الزوايا حيث رأى أن التعاون مع الجيش السوري سيتم في إطار «الانتقال السياسي» مكرراً تأكيده أن «الأسد لن يكون في مستقبل سورية».
المقال الذي عنوِنَ «انعطافة لوران فابيوس» أشار في مقدمته ونهايته إلى عقم السياسة الفرنسية في سورية وخسارتها على مدى سنواتٍ خمس الرهان على إسقاط الرئيس السوري، ربما يتقاطع اليسار الفرنسي في هذه الحيثية تحديداً مع رأي الاستخبارات الصهيونية، حيث لا يخفى على أحد التحالف بين الطرفين، التي تحدثت باستفاضة عن «القدرة الفائقة التي أبداها الأسد في الصمود»، مقدمات لدى الحلف المعادي للتحوّل الأكثر جدية تجاه سورية والذي وإن حصل في الشكل، إلا أن الأساس يبقى قبول التعامل مع الدولة السورية وإعادة الاعتراف بها من دون شروط مسبقة ومن دون أي ربطٍ بين شكل الدولة والاعتراف بها، وفي هذا السياق يعترف الصحافي والكاتب الأبرز في «ليبيراسيون» أن «الوزير الفرنسي فابيوس الذي كان يريد أن يحاكم بشار الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب يرى الآن إمكانية للتعاون مع قواته، إنه انتصار دبلوماسي عظيم لبشار الأسد ورئيس دبلوماسيته وليد المعلم».
في معركة من هذا النوع، فإن الصبر والرهان على المتغيّرات الدولية المقرونة بفهم عميق لمعنى الصمود وآثاره، هي من دون أي منازع الساحة المثالية لإدارة الدولة السورية لصراعاتها المستمرة مع الغرب حول الخيارات السياسية في المنطقة، وعليه فإن الاعتراف الفرنسي يضاف إلى سجل تاريخ الاعتراف بصحة وقوة الموقف السوري منذ العام 1970 وحتى يومنا هذا، ولنا في ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلّم رداً على مبادرة فابيوس، ما يشير إلى حجم الثقة التي تبديها سورية في معركتها المصيرية مع الغرب «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً. نحن نرحب بفكرة التعاون مع الجيش السوري والقوات التي تحارب على الأرض في مواجهة داعش… لكن هذا يتطلب تغييراً جوهرياً في طريقة إدارة الأزمة».
كاتب ومترجم سوري