هل تهبط أميركا من الجوّ إلى الأرض لمجابهة روسيا وإيران في سورية والعراق؟

د. عصام نعمان

لاعبون كثر يحتشدون في ملعب سورية وسمائها. الكل يلعب لعبته الخاصة ويحاول أن يسجل نقاطاً في مرمى واحد هو سورية غير أنّ مجريات الألعاب والألاعيب قد تؤدّي إلى صدامات بين اللاعبين أنفسهم.

أميركا تلعب في الأجواء السورية والعراقية بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن لاعبين حلفاء، إقليميّين وأطلسيّين. كما يلعب بعض حلفائها في البرّ السوري بالوكالة عنها دوراً لوجستياً ومالياً.

روسيا تلعب في الجو السوري بكثافة، كما تلعب على البرّ السوري بفعالية متطوّرة.

إيران تلعب على البرّ السوري بسخاء لوجستي، مالي وعسكري، ملحوظ. لعلها تفكر بالتحليق في الجو السوري أيضاً لشنِّ غارات محسوبة.

تركيا تلعب على البرّ السوري بفتح حدودها أمام «داعش» لاستيراد بشر مقاتلين وتصدير نفط مسروق من آبار سورية والعراق. تجرّأت أخيراً على أن تلعب أيضاً في الجو السوري ضدّ روسيا فخرقت الأصول بفظاظة وعرّضت نفسها لعقوبات شديدة من «الحَكَم» الروسي الصارم.

فرنسا لعب عليها «داعش» ثم لعب بها في قلب عاصمتها فدفعت بطائراتها إلى السماء السورية للاقتصاص من لاعبين إرهابيّين حرصوا على تهديدها بألعاب دموية إضافية بعد «لعبة» باريس المدوّية.

الكلّ يلعب، إذاً، في البرّ السوري بشكل أو بآخر. الفريق الأميركي كان أوفد نحو 50 مستشاراً ومدرِّباً إلى الفريق المعروف باسم «وحدات حماية الشعب الكردي» لرفع أدائه ضدّ فريق «داعش» وربما أيضاً ضدّ الفريق التركي. مؤخراً أوضح كابتن الفريق الأميركي وزير الدفاع اشتون كارتر خلال جلسة استماع له أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أنّ «عناصر القوات الخاصة كوماندوس الذين بدأوا في الانتشار ستكون من المهمات المنوطة بهم مداهمةُ أوكار محددة لإلقاء القبض على قادة تنظيم الدولة «داعش» في سورية والعراق ، وهذه القوات ستتمكّن مع الوقت من القيام بمداهمات لتحرير الرهائن، وجمع المعلومات الاستخبارية والقبض على قادة في تنظيم الدولة». كما أكد انه «مستعد لتوسيع دور القوات الخاصة في سورية».

كارتر لم يقُل علناً ما يجري فعلُه سراً: تجهيز مطار زراعي في تل حجر في ريف الحسكة بمدارج مخصّصة للطيران الحربي، حيث توجد مستودعات للأسلحة والذخائر تخصّ «وحدات حماية الشعب الكردي». ما الغرض؟ تمكينُ الجيش الأميركي من إنزال قوات الكوماندوس وإيصال الدعم العسكري لحلفائه الذين باتوا يسيطرون على منطقة واسعة على جانبي الحدود السورية – العراقية.

المفارقة أنّ «وحدات حماية الشعب الكردي» لا تتلقّى الدعم اللوجستي من أميركا فحسب، بل من روسيا أيضاً. ففي مدينة القامشلي القريبة من الحدود السورية العراقية هبطت أخيراً طائرة روسية في مطارها، حيث سلّمت «وحدات الحماية» مساعدات عسكرية.

ماذا يجري في شمال سورية، وما المرامي المبتغاة؟

بات واضحاً أنّ قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية داخل سورية قبل نحو أسبوعين قد ولّد ردود فعل، سياسية واقتصادية وعسكرية، من موسكو أدّت إلى تقويض حلم رجب طيب أردوغان بإقامة «منطقة آمنة» في شمال سورية لتحقيق غرضين: منع الأكراد السوريين من السيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس شرقاً إلى عفرين غرباً من جهة، ومن جهة أخرى وضع اليد على منطقة سورية واسعة لتعزيز المركز التفاوضي لتركيا وحلفائها في أي محادثات تجري مع حكومة دمشق للتوصل إلى تسوية سياسية.

إلى ذلك، تتقبّل سورية وإيران وروسيا دعماً عسكرياً ومشاركة قتالية من أيّ دولة في وجه «داعش» وإخوته لإجلائهم عن كلّ المناطق التي يسيطرون عليها في شمال البلاد وشرقها ووسطها وجنوبها. لكنها تشترط عدم المساس بوحدة سورية الجغرافية والسياسية. حكومة دمشق قد توافق في مفاوضات أممية على منح الأكراد في شمال شرق البلاد حكماً ذاتياً في إطار الدولة السورية الواحدة، لكنها ترفض أيّ ترتيبات قد تؤدّي إلى إيجاد وضع انفصالي.

في ضوء هذه الواقعات والاعتبارات، يمكن تفسير مجريات الصراع في سورية بأنه يتجه في الحاضر والمستقبل المنظور إلى توليف الترتيبات الآتية:

ـ إجلاء «داعش» وإخوته عن جميع المناطق التي يسيطرون عليها في شمال وشرق ووسط وجنوب سورية بلا قيد ولا شرط.

ـ عدم تمكين الأكراد في شمال شرق سورية من التمدّد للاتصال بإخوتهم في منطقة أعزاز وعفرين في غربها، ما يطمئن حكومة أنقرة إلى جعل معظم المناطق المتاخمة للحدود السورية التركية بمأمن من أي سيطرة كردية.

ـ مراعاة خصوصية التركمان في محافظة إدلب وسائر مناطق شمال غرب سورية بمنحهم شكلاً من أشكال اللامركزية الإدارية، لا السياسية.

حتى لو أمكن التوافق، عاجلاً أو آجلاً، على الترتيبات الآنفة الذكر، فإنّ الصراع في سورية والعراق سيبقى محتدماً بفعل تحدّيين: الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، وسيطرة «داعش» على محافظات نينوى الموصل وغرب صلاح الدين والأنبار على طول حدود العراق مع سورية. ذلك أنّ دمشق تُدرك أبعاد التعاون القائم بين جبهة «النصرة» و«إسرائيل» في الجولان ومحاولات الكيان الصهيوني إقامة جيب للتنظيمات الإرهابية في جنوب سورية بغية الضغط عليها لتحقيق غرضين: تخلي دمشق عن المطالبة بتحرير الجولان من الاحتلال، وسحب قوات المقاومة حزب الله من سورية ووقف دعمها لوجستياً من إيران عبر الأراضي السورية.

أما العراق فسيصرّ، حكومةً وشعباً ومقاومةً، على إجلاء «داعش» عن كلّ المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الحاضر. كذلك لن تتردّد فصائل «الحشد الشعبي»، بدعم من إيران، عن مواجهة أيّ قوات أميركية وقيل تركية أيضاً يتم نشرها في العراق تحت أيّ ذريعة إذا كان وجودها يصبّ في مسعى واشنطن، كما «إسرائيل»، لإقامة دولة – إسفين في محافظات العراق الغربية لفصل بلاد الشام عن بلاد الرافدين وبالتالي عن إيران.

الصراع في المنطقة ما زال محتدماً، لكنه سيزداد احتداماً وعنفاً، إذا ما قرّرت الولايات المتحدة الهبوط من الجوّ إلى البرّ لتحقيق مراميها ومخططات «إسرائيل» في سورية والعراق.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى