تدمر في السماء كما على الأرض

عبد العزيز سنوبر

قام الاتحاد الفلكي الدولي في العام 2014 بإطلاق مشروع عالمي لاختيار تسميات مناسبة للكواكب الخارجية المكتشفة حديثاً والنجوم التي تدور حولها تلك الكواكب، وذلك من خلال طرح عدة منظومات نجمية للتصويت على أسمائها عبر الإنترنت من قبل الجمهور في جميع أنحاء العالم. كانت الخطوة الأولى هي تحديد 260 منظومة كوكبية خارجية تمّ اكتشافها ومعرفة خصائصها بشكل مؤكّد. تمّ التواصل مع الهيئات العلمية المتخصصة والجمعيات الفلكية المسجلة في الاتحاد الفلكي الدولي، وذلك بهدف اختيار المنظومات الأهمّ في هذه القائمة، وتمّ ترشيح 20 منظومة من هذه النجوم والكواكب ليتمّ إطلاق تسميات معيّنة عليها، حيث انتهت هذه المرحلة في نهاية العام 2014.

وفي بداية العام 2015 طلب الاتحاد الفلكي الدولي من الهيئات والجمعيات الفلكية في المرحلة الثانية اقتراح أسماء معينة لهذه النجوم والكواكب التي تدور حولها، حيث تمّ تقديم مئات الاقتراحات من جميع أنحاء العالم. وفي شهر آب 2015 اعتُمدت الاقتراحات الملائمة في الاجتماع العام للاتحاد الفلكي الدولي، وبدأت المرحلة الثالثة من خلال فتح التصويت أمام الجمهور على الصفحة الخاصة بالتصويت في الموقع الرسمي للاتحاد الفلكي الدولي، وذلك ليساهم جميع الناس في اختيار الأسماء المناسبة لهذه النجوم والكواكب.

تمّ إغلاق هذا التصويت في نهاية شهر تشرين الأول 2015. بعد ذلك قامت مجموعة العمل التنفيذية الخاصة بإطلاق التسميات في الاتحاد الفلكي الدولي بدراسة نتائج التصويت وتحديد الأسماء الفائزة، والتي تمّ الإعلان عنها رسمياً يوم الثلاثاء 15 كانون الأول 2015.

وقد اقترح مجلس إدارة الجمعية الفلكية السورية إطلاق اسم تدمر على الكوكب الوحيد الذي يدور حول نجم الراعي، وقد تمّ اختيار هذه المنظومة تحديداً لعدة أسباب… فنجم الراعي هو أحد النجوم البارزة في سماء الليل. يقع النجم في كوكبة قيفاوس Cepheus والتي تُدعى أيضاً بالعربية بكوكبة المُلتهب، ويبلغ القدر الظاهري لهذا النجم 3.22، فهو يُشاهَد بوضوح بالعين المجردة. كما أنه يُشاهَد بلون برتقالي خفيف لدى النظر إليه بواسطة المنظار الثنائي. وهذا النجم هو أقرب النجوم الساطعة إلى نجم القطب، وهو لا يغرب على الإطلاق نظراً إلى وجوده في دائرة الشمال السماوية، ويشاهَد في جميع أوقات السنة من أيّ نقطة في نصف الكرة الأرضية الشمالي تقع على خط عرض 20 أو أعلى. والأهمّ من ذلك هو أنّ هذا النجم سيصبح نجم القطب الجديد خلال الفترة3000-4000 للميلاد تقريباً، وذلك بسبب ترنّح الأرض حول محورها، والذي يؤدّي إلى تغيّر النجم الذي يحتلّ القطب الشمالي للكرة السماوية خلال آلاف السنين. أمّا الكوكب الذي يدور حول هذا النجم فهو كوكب كبير تبلغ كتلته 1.85 ضعف كتلة المشتري و588 ضعف كتلة الأرض. وهو يدور حول نجم الراعي خلال فترة طويلة تمتدّ لأقلّ بقليل من ثلاث سنوات أرضية، وبالضبط 903.3 يوماً، وذلك على مسافة تعادل تقريباً 2.05 وحدة فلكية، أي ضعف المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس

وقد اقترح مجلس إدارة الجمعية الفلكية السورية إطلاق تسمية تدمر Tadmor للأسباب التالية

1 ـ إنّ هذا الاسم هو اسم قصير سهل اللفظ والاستخدام في جميع لغات العالم، وهو مناسب جداً لأن يكون اسماً لأحد الكواكب.

2 ـ إنّ نجم الراعي الذي يدور حوله هذا الكوكب يمتلك اسماً عربياً، ولذلك فإنّ الكوكب يجب كذلك أن يشتق اسمه من اللغة والثقافة العربية.

3 ـ كانت مدينة تدمر في الأساس واحة من النخيل، والتي شكّلت مقصداً للرعاة في قلب البادية السورية منذ فجر التاريخ. وبذلك فإنّ هذا الاسم ملائم للنجم الذي يدور حوله الكوكب، حيث يصبح الراعي وواحة النخيل بجوار بعضهما البعض.

4 ـ تعتبر آثار تدمر من أهمّ المواقع المسجلة على قائمة اليونيسكو للإرث الحضاري العالمي. ولكن آثار مدينة تدمر مهدّدة بشكل جدي بسبب المجموعات الإرهابية التي تعيث فيها فساداً.

لدى بدء التصويت قامت الجمعية الفلكية السورية بإطلاق حملة إعلامية كبيرة جداً طالت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي على المستوى المحلي والعربي والعالمي، وتمّ نشر الخبر في مختلف وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية، وأقيمت الندوات الإذاعية والتلفزيونية والمحاضرات في شتّى الملتقيات والأماكن، واستمرّت هذه الحملة بنفس الوتيرة التي بدأت عليها ولمدة شهرين متواصلين.

وفي بداية شهر كانون الأول 2015، قام الأمين العام للاتحاد الفلكي الدولي بإبلاغ إدارة الجمعية الفلكية السورية عن فوز اسم Tadmor بهذا التصويت لحصوله على أكبر عدد من الأصوات، ولا شك بأنّ المنافسة كانت على أشدّها مع الأسماء الأخرى المرشحة، ولكن بعزيمة كلّ السوريين ومن معهم من الأشقاء والأصدقاء استطعنا أن نفوز بهذا التصويت.

وتعتبر هذه التسمية استمراراً لما بدأه أجدادنا العلماء الذين كان لهم السبق والفضل في كثير من الاكتشافات والدراسات الفلكية، ورسمنا من خلالها بسمة ولو كانت صغيرة على وجوه كلّ السوريين، وأوصلنا إلى العالم كله رسالة مفادها أنه من قلب الألم يولد الأمل، فبرغم كلّ الظروف المحيطة استطعنا وبجهود سورية بحتة أن نفعل ما لم يستطع الكثيرون فعله، وكما أنّ اسم تدمر خالد في الأرض فقد أصبح الآن خالداً في الفضاء. وهذه خطوة صغيرة على طريق طويل يقودنا إلى تحقيق شعار الجمعية الفلكية السورية لكي نستعيد أمجادنا في علم الفلك.

نائب رئيس الجمعية الفلكية السورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى