الشرقي: الجامعة العربية مسلوبة الإرادة وتضع نفسها في خدمة القوى الغربية بعيداً عن مصالح الأمّة
حاوره سعد الله الخليل
لا يستغربُ رئيس جمعية الصداقة الإيرانية ـ الفلسطينية عبد الكريم الشرقي ما صدر عن اجتماع وزراء ما يسمى جامعة «العرب» من إدانة لما أسموه اعتداء على مقرّات البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران.
ورأى الشرقي في حوار مشترك مع صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» أنّ ما صدر عنهم «ليس مفاجئاً لأننا أصبحنا ندرك، من خلال التجربة في السنوات الأخيرة، ما هي الوظيفة المنوطة بهذه الجامعة في اليمن وسورية وليبيا، مقابل التعتيم والتقصير المُتعمَّد تجاه القضية الفلسطينية.
الجامعة مُرتهنة للسعودية
ولفت الشرقي إلى «أنّ انعقاد الاجتماع لمناقشة الخلافات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة السعودية بناء على دعوة من المملكة السعودية في الوقت الذي مرّ على الانتفاضة الفلسطينية ثلاثة أشهر من دون أن نشهد أي اجتماع لمناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، يُثير الريبة والشكّ حيال دور الجامعة»، مشيراً إلى «أنّ دور الجامعة وظيفي في خدمة مشاريع غربية وهي مسلوبة الإرادة من قبل السعودية وتضع نفسها في خدمة القوى الغربية بعيداً عن مصالح الأمّة».
وحول تكرار سيناريو تعاطي الجامعة مع الملف السوري مؤخراً بتشكيل لجنة عربية لنقل ملف الخلاف السعودي الإيراني إلى الأمم المتحدة، أشار الشرقي إلى «الفرق بين الحالة السورية والإيرانية من حيث التعامل مع سورية كعضو في الجامعة العربية، أما إيران فهي ليست عضواً في الجامعة ورغم ذلك فقد بات واضحاً دور السعودية في خلق صراع ومشروع مواجهة ضدّ الجمهورية الإيرانية». وأضاف: «منذ سنوات عدة كنا نتحدث عن هذا الدور وكان الجواب إنها شعارات ومخاوف، رغم الاجتماعات السعودية مع وزراء إسرائيليين ولقاءات بندر بن سلطان، والحديث ضمنها وكان لا بدّ من تحشيد في هذا الإطار لحرف بوصلة الصراع الفلسطيني نحو اتجاهات أخرى رغم القناعة الواضحة بأنّ من أنشأ الكيان الصهيوني هو من أنشأ هذه الممالك ومهمّتها الوحيدة حماية أمن الغرب والكيان الصهيوني».
وأكد «أنّ ما تقوم به السعودية تجاه إيران، وربما أسباب العدوان على سورية، أنّ السعوديين لم يستوعبوا حجم انتصار المقاومة عام 2006 وقبله في عام 2000 ولا يمكن أن ننسى كيف تعاملت السعودية مع المقاومة وقد وصفت أبطالها بأنهم مغامرون»، مشدِّداً على أنّ «ما حققته المقاومة لم تحققه كلّ هذه الأنظمة التي تدفع المليارات لشراء الأسلحة، لأنّ هؤلاء المقاومين رجال مؤمنون بالحقّ مدعومين من الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقد أفشلوا أكبر عدوان في المنطقة، كما أنّ المقاومة كشفت هذه الأنظمة وتعاملها مع الكيان الصهيوني».
لا علاقة للملف النووي
وحول تداعيات الملف النووي على الخلاف الإيراني ـ السعودي، أوضح الشرقي «أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصمودها وحنكتها السياسية استطاعت الصمود ولم تعطِ الغرب أي شيء مقابل الملف النووي»، لافتاً إلى أنّ «ملفات الصراع بين السعودية وإيران ما زالت موجودة وأهمها ملف القضية الفلسطينية ولبُّ الخلاف الإيراني ـ السعودي هو قضية فلسطين وحماية أمن إسرائيل من قبل السعودية».
ولفت الشرقي إلى العلاقات التاريخية بين آل سعود والجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلاقة المملكة الوثيقة بالشاه الإيراني حيث كانت هناك سفارتان «إسرائيلية» وأميركية في طهران، وما تغير اليوم هو أنّ إيران أصبحت جمهورية إسلامية ورفعت شعار تحرير فلسطين ولم توافق على وجود الصهاينة فيها وأقفلت سفارة «إسرائيل» على أراضيها». وسأل: «الشعب الإيراني منذ أكثر من 1400 عام غالبيته من الطائفة الشيعية، فلماذا تحاول السعودية اليوم أن تلبس خلافاتها الثوب المذهبي والطائفي بما يحمل من رؤية خطيرة قابلة لنشر الفتنة في كلّ المنطقة»؟ وأوضح الشرقي «أنّ إسرائيل خنجر في خاصرة الأمة، والسعودية خنجر فتنوي في عقول أبناء هذه الأمة ويجب محاربته ومواجهته».
وحول تعاطي البلدين مع قضايا الأمة، لفت الشرقي إلى أنّ «إيران شعارها واضح وأولى أولوياتها الوحدة الإسلامية ومنذ أيام نظّمت طهران المؤتمر التاسع والعشرين لمجموعة الوحدة الإسلامية وكلّ قيادات الجمهورية الإسلامية همُّهم تحرُّر فلسطين وكيفية تجميع طاقات الأمة ومحاربة الصهاينة، واليوم تعرّت السعودية ومنذ تورطها في الحرب على سورية بدا واضحاً أنّ ضرب فلسطين هو الهدف. فهل حاربت السعودية في سورية لمطالبتها بالديمقراطية للشعب السوري. أين هذا في السعودية»؟
الجامعة العربية بين المقاومة والإرهاب
ورأى الشرقي «أنّ أخطر نقطة في بيان الجامعة ذكره أنّ إيران تدعم القوى الإرهابية في المنطقة وهذا ما يُثير تساؤلات تتجاوز حزب الله، فالجمهورية الإيرانية تدعم الفصائل الفلسطينية. فهل هذه الفصائل أصبحت في مفهوم الجامعة العربية قوى إرهابية؟ يجب رفع الصوت من قبل الفصائل الفلسطينية، والغريب بل الخطير في الأمر، أنّ المندوب الفلسطيني وافق على البيان ولم يُعارض. فهل تقبل القيادة الفلسطينية أن تُوجَّه إلى المقاومة الفلسطينية تهمة الإرهاب؟ أليس هذا ما يخدم الصهاينة؟ للحديث عن أي تصنيف الإرهاب يجب وضع الكيان الصهيوني في المقدمة».
ولفت إلى البيان الذي أصدرته مجموعة الصداقة الفلسطينية ـ الإيرانية والذي استنكرت فيه خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بالوقوف مع السعودية ورأت «أنّ ما جاء في هذا الخطاب ضدّ مصالح الدولة الفلسطينية ولا يخدمها في ظلّ السياسات الحمقاء والدور السعودي، لذلك لا يمكن أن تكون رغبة القيادة الفلسطينية السير في الركب السعودي».
ووجه الشرقي سؤالاً إلى عباس: «هل أنت مع السعودية وسؤالي السعودية مع من؟ أنت كرئيس للشعب الفلسطيني قلت أنا مع السعودية وهي على صواب فهل أصبحت يا أبا مازن في الركب الإسرائيلي»؟ وأضاف: «الخطير في خطاب أبو مازن أنه لم يحدِّد بخطابه وقوفه مع السعودية في الملف الإيراني وعمَّم الخطاب وهذا ما يشير إلى حالة الإرباك في الداخل الفلسطيني جراء الانقسام. إنّ خطاب الشعب الفلسطيني يمثله المنتفضون في الشارع في المواجهة مع الاحتلال، وبالتالي فإنّ أبو مازن يسعى إلى الحفاظ على منصبه ولا يعنيه ما يعيشه الشارع الفلسطيني من تبعات الانقسام الفلسطيني، وكذلك حسابات حماس ومرجعتيها الإخوانية لا تخدمان الإرادة الفلسطينية».
وأضاف الشرقي: «في ظلّ ما يجري على الساحة، فإنّ ما يخدم المصلحة الفلسطينية بات واضحاً منذ سنوات عدة ويتمثل بالتخندق مع المقاومة وهي المكان الطبيعي لخوض المعركة مع الكيان الصهيوني، لأنّ من يدفع ثمن القضية هو سورية وليست نادمة لتبنيها القضية الفلسطينية وبالتالي خلاف سورية مع كلّ هذه القوى والرجعية العربية والغرب هو بسبب تبنيها القضية الفلسطينية».
وأكد «أنّ ما دُفع من مليارات من أجل السلاح الذي ضُخّ للجماعات المسلحة في الحرب على سورية، لو دُفع من أجل فلسطين لحرّرها».
حماس وإيران
وفي شأن العلاقة بين إيران وحماس، رأى الشرقي «أنها ليست طبيعية وحماس تعترف بذلك وبانحيازها نحو مشروع الإخوان في المنطقة». وقال: «الخلاف ليس على طبيعة الإخوان بل على خياراتها، فإيران رحبت بفوز الحركة بالانتخابات في مصر، لكنّ الدور الذي يقوم به الإخوان المسلمون في سورية خاطئ وموقف حركة حماس أيضاً مع سورية كان مفاجئاً، فالحركة انحازت إلى تركيا باتجاه محور الحرب على سورية بدل الدفاع عن سورية المقاومة».
ونفى الشرقي أي دور إيراني في الانقسام الفلسطيني، مشدِّداً على «أنّ خطاب طهران يصبُّ في خانة توحيد الحالة الفلسطينية نحو الوحدة الوطنية لكنّ أسباب استمرار الانقسام هي أنّ كلّ طرف يرى الأمور من زاوية مصالحه، فأبو مازن يخاف على مركزه كرئيس يسعى إلى حماية اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني، في حين أنّ من انتفضوا وحملوا الحجارة هم الشباب الذين ولدوا بعد اتفاق أوسلو. فمن ولد ونشأ في ظلّ الاتفاق أدرك أنّ هذا الكيان لم يعد ينفع معه سوى المقاومة، وللأسف الشديد حماس حساباتها الخاصة في المحور الإخواني وعلينا أن نعترف بأنّ الكيان لا يريد وحدة الشعب الفلسطيني ولا يريد المصالحة بين فتح وحماس».
ووصف العلاقة بين حماس وتركيا بالكذبة الكبيرة التي مثّلها أردوغان بمناصرته للقضية الفلسطينية في حين يستضيف سفارة الاحتلال. فقد قال أردوغان في خطابه: «إننا في المنطقة في حاجة إلى إسرائيل وهي في حاجة إلينا». وأضاف: «هل يُعقل أنّ من يُريد تحرير فلسطين عليه أن يُعمِّق علاقاته مع طهران ويذهب باتجاه خطابها ولا يُمكن مقارنة ما تفعله الجمهورية الإيرانية حيال القضية الفلسطينية باعتبار الكيان الصهيوني غدة سرطانية فالرئيس أحمدي نجاد قال إنّ هذا الكيان الصهيوني يجب أن يزول».
حسابات لبنانية
وردّ الشرقي الموقف اللبناني في الامتناع عن التصويت في اجتماع الجامعة «إلى التوازنات الداخلية التي تضع لموقفه حسابات خاصة». وقال: «كان يجب أن يعترض مندوب فلسطين وكثير من الدول، فخطورة القرار ليست في ما يتعلق بحزب الله بل بالمقاومة الفلسطينية وتصنيفها إرهابية».
ولفت الشرقي إلى «أنّ بيان الجامعة يدعم السعودية في إعدامها الشيخ نمر النمر في حين أنّ القانون الدولي يمنع حكم الإعدام. إنّ إسراع السعودية إلى تنفيذ الحكم يعكس الفشل في سورية واليمن». وأضاف: «وظيفة السعودية إثارة الفتنة في المنطقة وعلينا أن نُدرك أن لا رغبة لدى كلّ القوى الغربية أن تكون المنطقة مرتاحة أو أن تعود سورية قوية، فإثارة هذه الفتن الطائفية ستستمر ومن السعودية تحديداً».
وتابع: «بالمعنى الدولي لا يُمكن تشريع قيام دولة صهيونية يهودية على أرض فلسطين ما لم تكن هناك دويلات طائفية ومذهبية تجعل من دولة اليهود جزءاً من مشهد منسجم».
في الشأن السوري، اعتبر الشرقي «أنّ تصريحات دي ميستورا عن عدم تأثر المسار السوري بالخلاف الإيراني ـ السعودي صدى ما سمعه في الرياض من الجبير والتطمينات بأنّ المملكة مستعدة لذلك». وأضاف: «في الحقيقة كلّ ما تقوم به السعودية لتوتير وإرباك الوضع سببه أنها لا تريد التوصل إلى أي حلّ وتحاول أن تعقِّد الأوضاع من خلال ما تقوم به في سورية».
وختم الشرقي، بتأكيد «أنّ سياسة سورية الحكيمة والمطالب التي تحدث عنها وزير الخارجية وليد المعلم من وقف إطلاق نار يستثني المجموعات الإرهابية محقة، كون المجموعات المُسلحة الموجودة في سورية تمثل الإرهاب».
يُبثّ هذا الحوار على قناة «توب نيوز» اليوم الساعة الخامسة مساءً، ويُعاد عند الحادية عشرة ليلاً، على التردُّد 12034، قمر «نايلسات».