إمارة جبهة النصرة: من حروب التنظيمات إلى حروب الإمارات

عامر نعيم الياس

نشرت مواقع تابعة لتنظيم القاعدة تسجيلاً صوتياً قيل إنه لقائد جبهة النصرة، الذراع الرسمية للقاعدة في سورية، أبي محمد الجولاني يخاطب فيها أنصاره في اجتماع لقيادات النصرة يعتقد أنه في ريف حلب، أعلن خلاله إقامة «إمارة الشام» في مناطق انتشار التنظيم، إمارة لا شرعية لسواها في الشام، ومما جاء في التسجيل، الذي حذف من غالبية المواقع التي انتشر عليها، «قد آن الأوان أيها الأحبة لنقيم إمارةً إسلامية على أرض الشام، نطبق حدود الله عز وجل، ونطبّق شرعه بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى. من دون تهاون أو استهانة أو مداراة، إمارة تحفظ حقوق المسلمين وتصون حرماتهم تجبي الزكاة وتقيم الحدود». وأضاف الجولاني لمريديه: «أنتم أصحاب المشروع فلا يزايدن عليكم أحد. بيدكم مفتاح هذه الإمارة لا ينازعكم أحد غيركم لا في الشام ولا في خارجها». أما في ما يخص الصراع مع أبي بكر البغدادي وإعلانه دولة الخلافة، قال الجولاني: «هذا الخليفة باطلٌ حتى لو قام بإعلان الخلافة ألف مرة، لا يجب على أحد أن ينخدع بهذا الأمر».

في سياق متصل ذكرت «تليغراف» البريطانية في تقرير أن «بيانات صدرت عن حركة طالبان في أفغانستان تحث المقاتلين في العراق وسورية على التوحد والامتناع عن الحكم ضد أي شخص آخر من دون وجود دليل»، فهل نحن أمام تحرك منسّق بين القاعدة وذراعه في سورية؟ هل تندرج خطوة الجولاني في سياق رفع معنويات أنصاره بعد تراجعهم الملحوظ في شرق سورية في مواجهة مد الدولة الإسلامية؟ هل يحاول الجولاني بهذا الإعلان استقطاب جزء من المقاتلين الأجانب الذين ازدادت هجرتهم بعد إعلان دولة الخلافة؟

مما لا شك فيه، أن ظهور النصرة وبيانات القاعدة في أفغانستان تؤشر إلى الآتي:

انتقال المواجهة بين تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل المتحالفة معه، وبين النصرة والفصائل المتحالفة معها من حرب الفصائل إلى حرب الإمارات ومناطق النفوذ مع ما يعنيه ذلك من فصل دموي جديد في حرب الإخوة على الأرض السورية، التي تجعل ما سبق من معارك بينهما بمثابة فاصل ترفيهي.

انتشار التنظيمات الإرهابية الوهابية المتطرفة في سورية والعراق يكتسب بعداً أكثر شرعية، حتى ولو نظرياً بإعلان الدول والإمارات، وهو ما يساهم بشكل كبير في إذكاء روح النزعات الانفصالية التقسيمية التي تستهدف المنطقة، الأكراد في العراق مثالاً.

حرب القاعدة بدأت منذ إعلان البغدادي الخلافة، ولعل في بيان القاعدة المتزامن مع تسريب خطاب الجولاني ما يؤشر إلى اتساع أطر هذه الحرب وشموليتها التي تتجاوز سورية والعراق إلى مستوى إدارة حرب بالوكالة في هذا التوقيت بين القاعدة القديمة ممثلةً للخط المنضبط في إطار الاستراتيجية الأميركية، والقاعدة الجديدة ممثلةً بتنظيم الدولة الإسلامية الذي تستمر شيطنته منفرداً في توجه فاضح لدعم طرف على حساب طرف آخر، وخير مثال على ذلك البيان الذي أصدره العلماء المسلمون في بريطانيا والذي نشرته صحيفة «ايفنينج ستاندارد» البريطانية، وجاء فيه: «إن المجلس الإسلامي البريطاني ومنظمات إسلامية أخرى ترى بأن المقاتلين الذين يقاتلون مع داعش يعملون بما يخالف قيم الدين الإسلامي».

توقيت إعلان دولة الخلافة التي يحكمها البغدادي اندرج في أحد أهدافه، باجتذاب أكبر عدد ممكن من الولاءات والبيعات والمقاتلين الأجانب لترجيح الكفة العددية للتنظيم في مواجهة التنظيمات الأخرى، ويبدو أن الجولاني أراد إضافةً إلى رفع معنويات أنصاره، الإيحاء بقدرة جبهة النصرة على المواجهة واجتذاب جزء من المقاتلين الذين يستمرون بالتدفق إلى سورية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى