تأجيل أم ترحيل… هل انفرط عقد جنيف؟
سعدالله الخليل
حسناً فعل المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بترحيل مباحثات جنيف إلى الخامس والعشرين من الشهر الحالي للتباحث مع الأطراف الدولية والعودة إلى مجلس الأمن لبحث الشأن السوري، فمسار المباحثات والتحضيرات التي سبقتها، والتي أصرّ دي ميستورا على انطلاقها دون أدنى تفاهمات ومبرّرات للانعقاد، لم تدفع أكثر المتفائلين بالملتقى أن يتوقعوا حدوث أيّ اختراقات للمباحثات في المشهد السوري، فكيف يمكن لمفاوضات أن تأتي أُكلها في ظلّ غموض الأطراف المشاركة فيها عشية الانطلاق.
في مقابل علانية الوفد السوري، بدا الغموض سمة وفد الرياض، وحين حاول الموفد الدولي تجاوز هذه العقبة قدّم إلى الوفد الحكومي لائحة غير مكتملة بأسماء المشاركين، تاركاً لشياطين التفاصيل فتح أبواب التكهّنات حول بقية الأسماء التي لا تترك مجالاً للشك بأنها من الأسماء الخلافية، وإلا لماذا التكتُّم عنها؟ وهو ما ضرب مصداقية المفاوضات قبل انطلاقتها.
الشفافية هي أبسط مبادئ المفاوضات الهادفة إلى إيجاد حلّ لأزمة مُركَّبة ومعقدة بحجم متاهات المسألة السورية. أيّ اختراقات لمفاوضات تحاول القفز على أدنى التفاهمات الدولية الغائبة حول سورية، وتحاول الضحك على عقول السوريين بالادّعاء بأنّ ما يجري في جنيف هو حوار سوري ـ سوري في خضمّ سيل من التصريحات الإعلامية التي يدلي بها صانعو القرار الدولي حول القضية السورية، والتي أقلّ ما يمكن وصفها بأنها تضرب أية أرضية للسير في التوافقات وبناء الثقة المعدومة أساساً لدى الطرفين لإدراك الدولة السورية أنّ الفريق المقابل لا يتعدّى كونه أسوأ نماذج ناقلي الرسائل الإقليمية للدول المشغلة له من جهة، ولعبة لتمرير الوقت من جهة أخرى، لقناعته بأنّ السير في العمل الجدّي سيفقده كامل الامتيازات التي يتمتع بها بادّعائه أنه الحامل الأوحد للواء المعارضة، في حين ستكشف المفاوضات هُزالة قدراته التفاوضية وسطحية الطرح السياسي الذي يحمله بدليل تلويحه بالانسحاب منذ لحظة وصوله من دون أن يقدّم أيّ طرح سياسي أو أوراق ضغط في وجه الفريق المقابل.
في أيّ مفاوضات يُعتبر الانسحاب أضعف الأوراق، فأيّ ضغط يأمله وفد الرياض من التلويح بالانسحاب فيما الواقع الميداني على الأرض يشهد تقهقر الجماعات المسلحة وتقدّم الجيش السوري في جبهات درعا وحلب التي أصرّ أتباع الرياض على وقف العملية العسكرية فيها ليأتي فكّ الحصار عن نبّل والزهراء كرصاصة الرحمة التي أصابت جنيف في المقتل، ودفعت برياض حجاب إلى الظهور في حالة هستيريا وجنون دفعت بالمبعوث الدولي إلى تعليق المباحثات بعد التشاور مع الموفدين الأميركي والروسي.
بالرغم من المبرّرات التي ساقها وفد الرياض والدول الداعمة له عن عرقلة دمشق مسار المفاوضات، فقد عمدت الحكومة السورية إلى نزع كلّ الذرائع المتعلقة بالشقّ الإنساني بإدخال المساعدات إلى المعضّمية وغيرها من المناطق في ريف دمشق، وسبقها إدخال المساعدات إلى الزبداني ومضايا، ما يجعل الأسباب في جانب آخر أخفته الرياض ووفدها، بدليل ما قاله صراحة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بأنّ المعارضة توقعت وقف العمليات العسكرية خلال المفاوضات، وهو ما لم يتجرّأ الوفد على البوح به كون القرار الدولي واضحاً بأنّ أيّ وقف لإطلاق النار سيأتي في مرحلة لاحقة للتفاهمات، ومع الجماعات غير المصنفة إرهابية، وبالتالي فإنّ سلوك الوفد المعارض يعدّ حرقاً للمراحل وانتقائية في تطبيق بنود القرار ما يحوّل المفاوضات إلى ساحة لتمرير الوقت على أمل النجاح في خرق يحقق له مكاسب مجانية على حساب آلام السوريين ومعاناتهم.
على مدى ستة أيام حاول دي ميستورا السير في مفاوضات عرجاء لا تقدّم ولا تؤخّر في المشهد السوري، في ظلّ غياب الإرادات الدولية الحقيقية الراغبة في الحلّ السياسي والجهود الإقليمية الساعية إلى تمرير الوقت بانتظار ما بعد الانتخابات الأميركية على أمل السير في خيارات الحرب الشاملة.
وفي هذا السياق، يأتي التحرك التركي على الحدود السورية من تحضيرات لعملية برية تخطط لها أنقرة في ظلّ الانكسارات التي شهدتها الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا والسعودية، والتي لا تزال تعلن المضيّ في الدعم العسكري لتلك المجموعات.
سقط مسار جنيف قبل انطلاقته كما كان متوقعاً، ويبدو أنّ تأجيل المشاورات لعشرين يوماً ستعقبه تأجيلات عدة، وكما بدا واضحاً أنّ تطورات نبّل والزهراء كانت القشة التي قصمت ظهر جنيف، فإنّ التطورات المتسارعة في الأيام المقبلة ستفرض واقعاً جديداً في مسار المفاوضات باتجاه تطبيق بنود القرار الدولي وحسم الخيارات بالفصل ما بين السياسة والإرهاب، وإما فالتأجيل سيد المواقف وربما يُرحَّل الموعد.