حزب الله وتوظيف انتصاراته
روزانا رمّال
دخل حزب الله الأزمة السورية انطلاقاً من واقع أمني فرضه تاثير الجغرافيا السياسية في منطقة ترتبط مساراً ومصيراً ببعضها بعضاً بشكل دقيق وجدّي، ولبنان وفق العلاقة التاريخية مع سورية عايش هذا الشعار لفترة هامة من تاريخه الحديث.
واستفادة من العلاقة مع سورية، المفروضة من المعادلة التي جعلت الوجود السوري الأمني في البلاد وصياً سياسياً نافذاً، استطاع حزب الله التعرّف أكثر الى نقاط القوة الاستراتيجية في سورية القادرة على خدمة مشروعه الذي يعتمد بشكل أول على قتال الاحتلال «الاسرائيلي»، فتوجه نحو ترجمة هذه المنافع رصيداً أمنياً كبيراً يوضع في خانة صرفه متغيّرات جدية على الأرض حتى باتت سورية بالنسبة إلى حزب الله بمثابة «الرئة» التي يتنفس من خلالها مشروعه.
نقل السلاح من سورية الى حزب الله لم يكن امراً عادياً، فالعلاقة بين الحزب والقيادة السورية لم تكن ترجمة لعلاقة سياسية فرضتها قوانين دولتين لا ديبلوماسياً ولا وفق معاهدات سياسية، فالحزب هنا تعاطى مع دولة بمعزل عن الحساب المتعلق بالشكليات، وبات حليفاً بكلّ ما للكلمة من معنى.
انتصار عام 2000 تكفّل في تأكيد نظرية حزب الله التي أراد تسويقها في الداخل اللبناني، خصوصاً لدى الفريق المعترض أصلاً على تلميع صورة سورية بزجّ اسمها في انتصار بهذا الحجم، وهي التي تمادت في تدخلاتها الامنية والسياسية في البلاد وأسست لشرخ كبير مع جزء من الشعب اللبناني بحسب موقفهم الثابت منها، من هنا فإنّ اعتبار امين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله نفسه أمام لحظة وفاء لسورية ورئيسها في خطابه الشهير في الثامن من آذار رسم تساؤلات عن المرحلة المقبلة وعن فرادة هذه العلاقة بين حزب ودولة أسّست مع الحزب أول الانتصارات العربية على «إسرائيل».
فلسفة صرف الانتصار عند حزب الله لا توحي بأنها مستمدّة من فكر استغلالها لرفع اسهمه داخلياً او إقليمياً، بمعنى آخر لم يظهر على حزب الله حتى الساعة علامات تجيير نفوذه السياسي والأمني في حصد اكبر عدد من الوزارات السيادية او المخدماتية التي تعود على الحزب بالمنفعة المادية او حتى التأسيس لما يعرف في لبنان بـ«العادة» أو «العرف» في تكريس بعض الوزارات توريثاً غير قابل لتخطيه.
انتصار تموز عام 2006 بدوره كرّس نظرية الشراكة الوطنية التي أراد حزب الله ان تصبح ضمانة في المرحلة اللاحقة، معتبراً انّ التفرّد في إعلان نصره فيه ما يكفي من الحساسية التي قد تؤدّي الى شرخ بين اللبنانيين الذين تعاطوا مع الحزب حينها كجهة تدافع عن البلاد أمام وحشية العدوان، بغضّ النظر عن المواقف السياسية التي أطلقت حينها، إلا أنّ الحزب تعاطى مع النصر على أنه صنيعة اؤلئك الذين وقفوا معه واستقبلوا النازحين القادمين من مختلف المناطق التي تعرّضت للاعتداءات «الاسرائيلية» باعتبار انه لولا هذا الموقف لما كان الانتصار، وكان حينها إطلاق السيّد نصرالله عهده الأكبر للتيار الوطني الحر بشخص رئيسه حينها العماد ميشال عون، معتبراً انّ الحزب امام مسؤولية ردّ جميل التيار الذي أظهر أعلى مستويات الوحدة الوطنية مع الحزب، وكان ممكناً حينها فسخ التفاهم الذي نشأ بين الحزب والتيار، لكن عون تقدّم مع تياره الى واجهة المعركة بموقف يضمن الوحدة المطلوبة في تلك المرحلة بشكل أكيد.
قتال حزب الله في سورية أبرز البعض من هذه الفلسفة التي تفتقر الى الاستعراض، ويبرز اليوم في هذا الإطار الإنجاز الكبير للجيش السوري وحزب الله في منطقة نبّل والزهراء في ريف حلب التي تعتبر أبرز معابر الإمداد الاستراتيجي واللوجستي للمسلحين عبر الأراضي التركية، وفي هذا ما يكفي لتحويلها رقماً صعباً في المعادلة، وقد بقيت محاصرة لأكثر من ثلاث سنوات، لكن الحزب كما تقول مصادر معنية «لم يفرض نفسه عاملاً اساسياً في لعبة تحرير المنطقتين الاستراتيجيتين، مع العلم انّ المتابعين يعرفون حضوره البارز هناك تحديداً والدور الذي ادّاه، والعمل والجهد الأمني والاستخباري الذي جهد الحزب في التأسيس لأرضية تجعل من المنطقة وتعقيداتها وحركات المجموعات الإرهابية واقعة تحت سيطرته الكاملة لعدة أسباب أبرزها الطابع الطائفي الذي تنتمي إليه البلدتان اللتان تضمّان أغلبية شيعية، وهذا لم يعد سراً بطبيعة الحال.
لم يتعامل حزب الله مع الخبر في وسائل إعلامه التي تابعت الحدث حصراً قبل غيرها، وبثت عبر إعلامه الحربي مشاهد خاصة عن العمليات بما يوحي رغبة في فرض معادلات تجعل منه رقماً صعباً لا في نبّل والزهراء ولا قبلها في عمليات القصيْر وغيرها.
أخلاق وعقيدة حزب الله القتالية تضع خصومه أمام واقع عملوا بشكل ممنهج على ترسيخه في أذهان القاعدة الشعبية الخصمة أيضاً، بأنّ حزب الله مقبل على فرض شروطه عبر الاستئثار بالسلطة، متخذين من دوره القتالي في سورية ذريعة أصبحت تستخدم كفزاعة ضمن الحركة السياسية الداخلية.
خطاب السيّد نصرالله الأخير المتعلق بالأزمة الرئاسية في لبنان، يحكي شيئاً من هذه المعايير التي تمّ اعتمادها في المجالين الأمني والسياسي في البلاد، في سلوك الحزب، وهو الذي لم يقبل بالتوجه الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية من دون حصد أكبر قدر ممكن من الإجماع حول العماد عون، على الرغم من انه قد يكون قادراً على تخطي لعبة الأرقام وجمع ما يكفي لانتخاب رئيس ترسل رسالة شافية لخصومه انّ الحزب وانتصاراته في سورية لم ولن يتعامل معها على اساس ترسيخ هوة بين اللبنانيين بل انه غير مستعدّ لخلق هذا الشرخ الذي يدفع مقاتلوه أرواحهم لتفاديه.