فِخَاخ مؤتمر «جنيف 3»!
محمد علي القايدي
لم يكن أحد يتصوّر أنّ بوتين سيتخذ قراراً بهذه الجرأة والسرعة، بالتدخّل جويّاً في الحرب المستعرة على أرض الشام، لضرب معاقل التنظيمات الإرهابية التي تهدّد الشرعيّة والمتمثّلة في «داعش» و»جبهة النصرة» و»جيش الإسلام»… والتي تسيطر على أكثر من نصف مساحة سورية بعد أن وسّعت من رقعة سيطرتها بدعم غربيّ وعربيّ وتركي مفضوح، نعم التدخّل الروسي فاجأ الغرب عامة وتركيا الجارة والمتآمرة التي لم يحترم حكامها المسلمون بين ظفرين مبدأ حسن الجوار، وكذلك حكّام الخليج العرب، وما هم بعرب، لأنهم هم المموّلون الرئيسيون للحرب بالمال والرجال والعتاد لتدمير كلّ من العراق وسورية، حتى يستفرد الكيان الصهيوني الغاصب بالفلسطينيين، ويزداد توسعاً في الضفة وحصاراً لأهالينا في غزّة.
نعم هذا التدخل الروسي قلب كلّ الموازين رأساً على عقب، فبعثر أوراق المتآمرين، وأفشل مخطّطاتهم وأفسد مشاريعهم جملة وتفصيلاً. نعم تدخل سلاح الجوى الروسي ميدانيّاً كان حاسماً، وحوّل مسار الحرب لصالح النظام، إذ أربك كلّ القوى الداعمة التي كان هدفها إسقاط حكم الرئيس بشّار الأسد.
لكن بسالة وصمود الجيش العربي السوري الذي تميّز بروح وطنيّة عالية وشعور بالمسؤوليّة وولاء مطلق لسورية الأرض والتاريخ التي استباحها الخونة والمرتزقة، ووقوف كلّ من إيران الثورة وحزب الله ماديّاً ولوجستيّاً، أفشل قوى الشرّ ومنعها من تحقيق أهداف تآمرها.
لكن صلف وعنجهيّة الغرب الحاقد بقيادة أميركا والعدوّ الصهيوني، وعداء الدول الخليجيّة المستشري وعلى رأسها السعوديّة والإمارات والبحرين لسوريّة، وعزمها على شنّ حرب بالوكالة لتدمير سورية تدميراً ممنهجاً، وذلك باستجلاب المرتزقة من كلّ دول العالم، وبالأخصّ العالمين العربي والإسلامي، للإطاحة بالنظام السوري العلماني واقتطاع جزء كبير من أراضي كلّ من سورية والعراق لإقامة دولة إسلامية عليها، أيّ تفكيك المنطقة وتقسيمها إلى دويلات قزميّة، أيّ أنّ «سايس بيكو» جديد يهدّد المنطقة العربيّة والإسلامية برمّتها.
وعندما باء «مشروع الشرق الأوسط الكبير» بالفشل غيّرت أميركا من تكتيكاتها وفكّرت في البديل، ألا وهو نشر «الفوضى الخلاّقة» في بعض البلدان العربيّة، فظهرت انتفاضات شعبيّة في بعض البلدان العربيّة…
بعد الضربات الجويّة الموجعة التي دمّرت مواقع الإرهابيين ومراكز قياداتهم ومزّقت أوصالهم وقطّعت خطوط إمداداتهم وتموينهم إلى جانب التقدّم الكاسح الذي حققه ويحقّقه الجيش السوري الباسل على الأرض وتحريره لعديد البلدات والقرى الاستراتيجية، مكبّداً الإرهابيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وأجبر الكثيرين منهم على ترك مواقعهم والفرار عبر الحدود التركيّة والأردنية، لأنّ النصر بإذن الله بات وشيكاً.
هنا استشعر الغرب وتركيا والسعوديّة «التي تلوّح بالتدخل البرّي» بالخطر، فدعا كلّ أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، واختاروا كالعادة «جنيف» مقرّاً لها بعد أن فشل مؤتمر «جنيف 2»، وذلك لتحقيق مكاسب سياسيّة عجزوا عن تحقيقها عسكريّاً بتقديم جملة من الشروط والمقترحات المهينة لعلّ الجانب الحكومي السوري يقبل بها لوضع حدّ للاقتتال في سورية، بشرط تشريك المعارضة في الحكم، ولو كانت ممّن حمل مقاتلوها السلاح وأياديهم ملطخة بدماء السوريين.
فالغرب في عجلة من أمره لوقف إطلاق النار حتى يكون للمعارضة مواقع جغرافيّة على الأرض يمكن أن تتحوّل إلى «إمارات» أو «دويلات» تجد الدعم والاعتراف من قبل أميركا والكيان الصهيوني ودول الخليج. فمؤتمر جنيف المقبل بعد أن فشل مؤتمر «جنيف 3» على إثر النجاحات التي حققها الجيش السوري في «حلب» وضواحيها بالتنسيق مع الطيران الروسي. هو فخّ أو مجموعة فخاخ الهدف منها تحويل هزيمة «داعش» و»جبهة النصرة» و»جيش الإسلام» إلى نصر فعليّ على الأرض.
ما تحقق من انتصارات على الأرض يعزّز الموقف الحكومي السوري التفاوضي الذي وضع محاربة الإرهاب من أولوياته فلا تفاوض مع من يحمل السلاح ضدّ النظام ولا وقفاً لإطلاق النار مع منظمات إرهابية تخريبيّة مدعومة من الأعداء الذين لا يريدون خيراً لسورية العروبة سورية المجد والتضحية والإباء.