نسق الهندسة الديمغرافية في الحرب على سورية

سلام الربضي

الكثير من النماذج والنظريات، لم تعد تتناسب مع الظروف الديمغرافية والثقافية الجديدة. وهذا يعني، أنّ القضايا الديمغرافية تفرض علينا، موضوعاً جديداً كلّ الجدّة، لم تعرفه الفلسفة السياسية من قبل. وتأسيساً على ذلك، تجب إعادة قراءة المسألة الديمغرافية، من زوايا إشكاليّات متعدّدة، في الأطر الثقافية والسياسيّة، وما ينتج عنها من انعكاسات مصيرية. وبالتالي لا بدّ من توسيع دائرة قراءة تأثير الديمغرافيا في مجال: اختلاف هوية المجتمع/ ترسيم حدود الدول/ معادلات وموازين القوى، وما يتفرّع عنها من تأثيرات استراتيجية، على مستوى العلاقات الدولية.

ففي عصرنا الحالي، لم يعد هنالك مجال لتطبيق الاستراتجيات التقليدية أو الكلاسيكية، وبتنا في عهد أو عصر خلط الاستراتيجيات بالمطلق.

في هذا الإطار، أصبحت الأنساق الديمغرافية أو ما يمكن تسميته بالهندسة الثقافية الديمغرافية، أدوات تستخدم من قبل الدول لتسهيل تنفيذ مخططاتها الجيوسياسية. وانطلاقاً من ذلك، يمكن إدراك الحراك والمتغيّرات في عالمنا العربي منذ العام 2010.

فهذه الموجة الإرهابية المتسترة بالدين، والتي تقودها المنظمات الإرهابية الأصولية والمدعومة بشكل كامل وواضح لا لبس فيه وعلى المستويات المالية والعسكرية والإعلامية كافة، من قبل أميركا والدول الأوروبية وتركيا وبعض الأقطار العربية، والقائمة على أيديولوجيا سياسية ترتكز على مبدأ السيطرة والتقسيم الديمغرافي قبل الجغرافي، ما هي سوى نموذج ودليل قاطع وساطع على تبلور هذا النسق الديمغرافي الجديد.

وكلّ الشواهد تشير إلى أنّ هناك خطوات عملية منهجية، لتدمير مرتكزات الدولة السورية وبنية المجتمع الثقافية، والتخلص تماماً من أيّ مؤسسات سيادية وعلى رأسها الجيش العربي السوري، تمهيداً لتطبيق مبدأ النسق الديمغرافي الثقافي بما يشمل من استقبال وتوطين المرتزقة الجدد من إرهابيّي الصين وآسيا الوسطى وأفغانستان وشمال القوقاز، إضافة إلى مجموعات الإرهاب من مختلف الدول العربية والغربية.

ولعلّ أكثر الوقائع غرابة على هذا المستوى هي:

1 ـ مشاركة وتشجيع المنظمات العالمية الإنسانية على النزوح الديمغرافي. حيث مارست تلك المنظمات، وما زالت، وبوسائل العصا والجزرة سياسات تحث السوريين للتوجه إلى الدول المجاورة بهدف التغيير والتلاعب بالمعطيات الديمغرافية في المنطقة.

2 ـ مضمون سياسات الدول الغربية وتحديداً الأوروبية التي تشجّع على طلب الهجرة واللجوء منذُ بداية الأزمة!

ومن هذا الباب، يمكن الدخول وفهم قضية اللاجئين السوريين، التي ظهرت للعيان بشكل لافت مؤخراً. ففي المحصلة، الحرب العالمية على الدولة السورية منذ العام 2011، تطرح تساؤلات ديمغرافية سياسية وفكرية جوهرية، ليس حول مستقبل الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً حول أوروبا والعالم بأسره.

إذ انّ المشهد برمّته بحاجة إلى توضيح لناحية كيفية وصول اللاجئين من تركيا باتجاه اليونان، ومنها إلى بعض الدول الأوروبية الثرية.

إنها رؤية ديمغرافية استراتيجية بامتياز سواء كانت أوروبا تبحث عن بعض الحلول المؤقتة لمستقبل تشييخ ديمغرافيتها المؤكد، أو سواء كان هناك من يبحث عن تأزيم الوضع في أوروبا، أو سواء كان هنالك مخطط لاستغلال هذه القضية الإنسانية من قبل هذه الدول جميعاً، لتبرير عدوان وحرب جديدة على الدولة السورية. وسواء إن لم تكن الدول الأوروبية قد استوعبت هذه المخاطر المحدقة بها منذ 5 سنوات، وسواء أيضاً، إن لم تكن أوروبا نفسها تعي الآن، تلك النتائج الاستراتيجية السياسية على مستقبلها الديمغرافي الثقافي الأمني، ليس أقله للسنوات العشرين المقبلة.

باحث في العلاقات الدولية ـ إسبانيا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى