مصادر أميركية: واشنطن «لا تستعجل» الحلّ اللبناني

روزانا رمَّال

لا تبدو واشنطن مهتمة بأيّ خطة من شأنها اعادة ترتيب اوضاع النازحين السوريين في لبنان، او بذل جهد بهذا الاطار للمساعدة في حل الازمة التي باتت عبئاً على الدول المجاورة لأرض النزاع السورية، خصوصاً بعد تشديد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام من نيويورك امام الرأي العام الدولي على ان الاوضاع الداخلية لم تعد تحتمل أي تأجيل في حل مسألة النازحين السوريين والشروع بتنفيذ ودعم خطة واضحة بهذا الاطار، وإلا فإن الانهيار يهدّد لبنان.

مصادر مطلعة على اجواء السفارة الأميركية في بيروت تقول لـ «البناء» إن واشنطن لا تزال مقتنعة بأن الأجواء الدولية لا تزال معقدة، وبانه لا توجد امكانية لانشاء مناطق آمنة بعد، بناء على بعض الاقتراحات التي لفتت نحوذلك مثل خطة وزير العمل اللبناني سجعان قزي المتوازية مع مساعي الرئيس سلام ومواقف وزير خارجية لبنان جبران باسيل الداعي لليقظة والجدية بملف النازحين وهي رغبة لبنانية تكاد تصبح جامعة نابعة عن قلق لبناني على مستقبل البلاد نتيجة تعاطٍ مسبق مع تجربة أمنية مريرة مع النزوح «الفلسطيني». يضيف المصدر «تعتقد السفارة أن الانتقال لمرحلة التنفيذ لما طالب به رئيس الحكومة تمام سلام بمشاركته بمؤتمر اللجوء بالأمم المتحدة أو خطة وزير العمل التي وصفت بـ «الجيدة» او غيرها مما يصب في الخانة نفسها في هذه الاجواء الدولية «أمر لا يزال صعب المنال»، فتنفيذها لا يزال معقداً وليس بهذه البساطة.

الأجواء الأميركية نفسها تتحدّث عن ترحيب أميركي بتوصل اللبنانيين الى نتيجة ملموسة وانتخاب رئيس للجمهورية وترحيبها بهذا، لكنها تؤكد على ان واشنطن لا تزال «لا ترى» افقا واضحا لحل مسألة الرئاسة اللبنانية في الوقت الراهن.

تتضح خطورة «الستاتيكو» التي يعيش فيها لبنان جراء الأجواء الدولية والإقليمية المنشغلة عنه تماماً، فواشنطن التي تبدو متروية في اي تدخل لطرح مبادرات تحرك الورقة الرئاسية في لبنان تمثل رأس حربة الصراع بالنسبة لحلفائها غير المستعدين لتخطيها بمسألة الحسم الداخلي. وهنا تحضر السعودية بشكل أكبر في الحسابات الرئاسية القادرة على انجاح الاستحقاق الرئاسي، فيما لو ضخّت الولايات المتحدة جرعة كافية لقلب الطاولة.

الركود الذي لم يعد مطمئناً اخذ الهواجس نحو إمكانية توقع الأسوأ أمنياً في لبنان بعد حادثة شكلت تحولاً في مسألة اللجوء السوري وأعادت الى الاذهان مسألة تسلّح الفلسطينيين فقد جرى اشتباك اول من نوعه بين لبنانيين وسوريين مسلّحين على ما أفادته المعلومات من موقع الحادث في دوحة عرمون، حيث كان بعض اللبنانيين ينظمون تظاهرة احتجاج على سوء الأوضاع مطالبين بحل أزمة اللجوء وهنا ما كان إلا للسلاح السوري بالظهور ليشتبك مع سرايا المقاومة في تلك المنطقة.

مهما كان تفصيل الرواية بين «الفردية» والذيول الاجتماعية أو السياسية، فإنها قد لا تعني كثيراً عند اللبنانيين مقابل حقيقة «جديدة» تؤكدها مواجهات عرمون التي أصبحت شاهداً على مخاطر إمكانية أن تتحول مناطق النزوح السوري الى بؤر مسلحة تواجه السكان المحليين أو تصفي حسابات اقليمية على الارض اللبنانية. وهو ما كانت قد حذّرت منه جهات امنية متعددة، خصوصاً ان مسألة استغلال النازحين السوريين لأغراض محددة الاهداف هو سيناريو تردد كثيرا، خصوصا ما من شأنه تبريره للضغط على حزب الله باستخدام ميليشيات سورية محلية لقتاله عند الحاجة عملاً بولاءات السوريين وانقساماتهم التي انتقلت معهم الى لبنان والتي تجعل منهم وقوداً لاي معركة مقبلة. وبين هذا وذاك كل الاحتمالات الأمنية مفتوحة.

الجيش اللبناني الذي تدخل لـ «فض الاشتباك» بسرعة، لكنه فتح الباب امام احتمالات جديدة ومسؤوليات شديدة الخطورة توضع أمامه، وهو الجيش المستنزف بين الداخل والجرود وبين قتال الإرهاب والاشكالات المحلية بإمكاناته المتواضعة ليجد نفسه اليوم امام مسؤولية مراقبة النزوح السوري والتحسب لاي معركة يزج فيها تشبه تدخله بفض الإشكالات التي تحصل بشكل مستمر في المخيمات الفلسطينية التي باتت تضم جزءاً خطيراً من التكفيريين الذين استغلوا تواجدها للتخفي فيها.

بالتقاطع مع المصادر الأميركية، يقول السفير البريطاني في بيروت «هيوغو شوتر» في تصريح صحافي امس إن المجتمع الدولي لن يترك ملف النازحين في لبنان على هذا الشكل، لكن أي معالجة ستظهر «عندما يحين الوقت المناسب». وهذا تماماً ما يأخذ نحو السؤال عن المدة الزمنية المفترض ان ينتظرها لبنان عملاً بالمؤشرات الاقليمية السياسية لكي تباشر الدول الغربية لوضع خطة طريق تبدأ بحل مشاكله العالقة؟

الاستحقاقات الدستورية والامنية تبدو اليوم اكثر ضغطاً مع اقتراب مواعيدها المستحقة ومع اقتراب فصل الشتاء الذي بات يخشاه اللبنانيون الذين يتطلعون الى التخلص من هاجس الإرهاب القابع في الجرود، فمتى تطلق عملية عرسال بوجه الإرهابيين بقرار سياسي عسكري مشترك؟ والى اي مدى ترتبط كل هذه الاستحقاقات ببعضها البعض وبالرغبة الأميركية الغربية بتأجيل تحريك الحلول؟ والى أي مدى يمكن للبنان تحمّل «المجهول» الذي بات يشكل الضغط الأكبر فيه، حيث لا يلغيه الهدوء النسبي الحالي مهما طال.. عله لا يكون ما قبل العاصفة؟ تبدو واشنطن غير مستعجلة للحل، مستفيدة من اي جديد قد يفرج عنه اتفاقها مع روسيا بشأن الازمة السورية لحظة يسلك طريقه النهائي. وعلى هذا الاساس على اللبنانيين الانتظار أكثر مع هواجسهم كلها للتحقق من نضوجه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى