البستاني: سنلجأ الى خطوات تصعيدية… و»نريد أكل العنب لا قتل الناطور» نعمة: جهات مسؤولة حوّلت المستشفى الحكومي الى «طوارئ»

محمد حمية

15 عشر عاماً مرّت على إنشاء مستشفى دير القمر الحكومي ولم يُبصر النور حتى يومنا هذا، ولم يزل أسير الإهمال والتجاذب السياسي، أما الأسباب فهي متعدّدة ومتشعّبة، لكن السبب المباشر والظاهر هو عدم وجود التجهيزات اللازمة لتشغيله والتي تُقدّر كلفتها بنحو 10 مليارات ليرة لبنانية، إلا أنّ أسباباً سياسية خفية تقف خلف هذا التأخير طيلة العهود والحكومات المتعاقبة، أبرزها أنّ بعض الجهات المعنية عمدت إلى «تحوير وتزوير» مرسوم إنشاء المستشفى وتحويله من مستشفى حكومي إلى مستشفى طوارئ، أما النتيجة فهي تهديد حياة عشرات آلاف المواطنين الذين يتحمّلون مشقة الوصول إلى المستشفيات الحكومية بسبب بعد المسافة.

فهل يستطيع نائب الشوف الدكتور فريد البستاني إخراج المستشفى من مسلسل العرقلة المستمرة، أم أنّ حلقة تعطيلية جديدة تنتظره في الحكومة الجديدة؟ وهل يستطيع «الطبيب الجراح» أن يبعث الحياة في «روح المستشفى» الذي فقدها طيلة عقد ونصف العقد من الزمن؟ وكيف للنائب الجديد في البرلمان الجديد أن يُدوّر الزوايا ويستقطب الخصوم والحلفاء في آن حول هذا المشروع في دولة لا يُشيّد فيها حجر واحد ولا يُصرف فيها قرش من دون توافق سياسي وأحياناً طائفي؟

«لا أريد أن أسمع أنّ مريضاً توفي قبل أن يصل الى المستشفى»، بهذه النبرة الحازمة مع قبضة يبسطها على الطاولة ملؤها إرادة العمل وثقة الإنجاز وقوة مُستمدّة من العهد القوي الممثل بالرئيس ميشال عون وتكتله الداعم المنتشر على امتداد الوطن، وقيمة مضافة مُتأتية من خبرته الطويلة والعريقة في مجال الطب، وهو الذي عمل طبيباً في الولايات المتحدة الأميركية لمدة 40 عاماً. بروحية فريدة وطاقة إنتاجية شبابية نادرة ونفحة وطنية صادقة في بلد الطوائف والمصالح العميقة والمتضاربة، يُعبّر النائب البستاني عن إصراره باستكمال هذا المشروع حتى النهاية رغم العقبات والصعاب.

لم يخضع البستاني لواقع «هجرة القوى السياسية الجماعية» عن حاجات منطقة الشوف دير القمر للمشاريع الخدماتية والإنمائية لا سيما الصحية ولا لنزوحهم طوعاً عن أهلها، بل نفذ «متمرّداً» هجرة عكسية إلى وطنه لبنان الذي أحب وعرينه الشوفي الذي عشِق، فرُغم الصرخة المدوية التي أطلقها «الطبيب» المُلقب بـ»البلدوزر» لعمله الدؤوب على مساحة الجبهات، يرفض في الوقت عينه أن يُكيل الاتهامات ويوزّع المسؤوليات باتجاه أحد ويتجنّب الاستغلال السياسي والطائفي الذي دأبت على ممارسته أعمّ الطبقة السياسية في لبنان، فهذا ليس موضوع المؤتمر الذي دعا اليه، رغم أسئلة الصحافيين والحضور الذين حاولوا استدراجه إلى مستنقع السجالات مع الخصوم السياسيين، لكنه يجيب السائلين بهدوء وثقة «نريد أكل العنب لا قتل الناطور»، فالمرحلة الراهنة وحاجة أهالي دير القمر والشوف الى هذا المشروع الصحي لا يحتملان فتح محاور الاشتباك السياسي مع أحد، علينا أن نستدرج الآخرين الى مشروعنا الخدماتي لا أن نستدرج الخلافات، فهذا «الصرح الصحي» ليس مشروعاً سياسياً أو شعبوياً كما يتهمنا البعض…

لم يحصل مستشفى دير القمر على نصيب من الهبة اليابانية التي استفاد منها 14 مستشفى حكومياً، ولا وزراء الصحة المتعاقبون أنصفوه رغم انّ موازنة الوزارة الحالية تخصّص أموالاً كبيرة للمستشفيات الحكومية، كما لم يُدرج مجلس الإنماء والإعمار تجهيز المستشفى على جدول أعماله رغم صرفه مليارات الدولارات على مشاريع أقلّ أهمية وإنتاجية تندرج تحت صفة «الصفقات بالتراضي»، أما الأمل فيبقى بحسب البستاني بالهبة الكويتية لعلها تُشفي غليل المشروع والأهالي.

ومنح البستاني فرصة أخيرة للمعنيين قبيل اللجوء الى خطوات تصعيدية سياسية وبرلمانية وشعبية وصحية ومالية عاجلة، منها الاعتراض في المجلس النيابي على كلّ الهبات الصحية الممنوحة للدولة والتي لا تشمل إعمار وتجهيز مستشفى دير القمر الحكومي، وتشكيل لجان أهلية للتحرك باتجاه المسؤولين لملاحقة استكمال تنفيذ المشروع.

وفي حين يُجري البستاني مروحة لقاءات واسعة مع الرؤساء والقادة والمسؤولين السياسيين للغاية، حيث زار عين التينة فور انتهاء المؤتمر والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعرض لاوضاع المنطقة وموضوع المستشفى، أشار البستاني رداً على سؤال لـ «البناء» حول ما إذا التمس من القوى السياسية الفاعلة في المنطقة خلال لقاءاته بهم تأييداً لانجاز هذا المشروع، إلى أنّ «رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط من المؤيدين للمشروع»، مذكراً بأنّ «وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور حوّل اعتماداً بقيمة 6 ملايين دولار لاستكمال المستشفى»، رغم أنّ مصادر مطلعة أشارت لـ»البناء» الى أنّ «وزير المال الأسبق جهاد أزعور هو من رصد هذا الملبغ من وزارة المال وليس أبو فاعور»، وعن موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أجاب البستاني: «لم أتمكّن من الحديث معه في هذا الأمر بسبب انشغاله بتأليف الحكومة، لكن عند تأليف الحكومة الجديدة سأتحدث معه وأضعه في تفاصيل هذا المشروع وحيثياته».

مصادر قانونية في الشوف تتحدّث لـ»البناء» عن تقصير متعمّد من جانب وزير الصحة الحالي ومرجعيته السياسية إزاء استكمال هذا المشروع لغايات سياسية، وقال: «على وزير الصحة أن يبادر فوراً الى إنهاء هذا الملف، فهو لم يطالب بالشكل الصحيح بتأمين الاعتمادات اللازمة»، وتضيف المصادر: «الخلافات السياسية الضيّقة أطاحت بالمستشفى الذي هو مطلب محق للمواطن»، وتشير معلومات «البناء» الى أنّ «هناك جهة سياسية ضللت الرئيس السابق ميشال سليمان وأوقعته في فخ توقيع مرسوم مخالف للقانون عبر توقيعه مرسوم مستشفى للطوارئ بدلاً من مستشفى حكومي».

ويروي العميد المتقاعد أدونيس نعمة وهو المستشار السابق للرئيس اميل لحود وقائع تعطيل هذا المشروع منذ حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري ويقول لـ»البناء» «دخلنا آنذاك إلى مجلس الوزراء في جلسة ترأسها الرئيس لحود بحضور الحريري فوصلنا الى بند المستشفيات وكان هناك ثلاث مستشفيات في هذا البند، الأول دير القمر فقال الحريري: سنبدأ بالمستشفيين الآخرين ونؤجّل دير القمر الى وقت لاحق ريثما نجري دراسة لتحديد المكان الذي سنبني عليه المستشفى، فأجاب الرئيس لحود: إما أن يمرّ مرسوم مستشفى دير القمر وإما ننتقل الى البند اللاحق، فردّ الحريري بأن لا مانع في تمريره، ويضيف نعمة الذي شرح خلال المؤتمر الصحافي حيثيات الملف، بأنه «منذ الجلسة الأولى لإقرار هذا المشروع وهناك نوايا لتعطيله ما يدلّ على أنّ السبب خلفيات سياسية وليست مالية أو إنشائية»، وعن دور مجلس الإنماء والإعمار قال: «المجلس نفذ المشروع لكن وزارة الصحة كلفت المجلس بإنشاء مستشفى طوارئ وليس حكومي وهنا الخطأ الفادح». ويحذر نعمة من استمرار محاولات العرقلة في الحكومة العتيدة ومن القوى السياسية نفسها، ويتهم بعض المسؤولين في دير القمر بتغطية هذه المخالفة لا سيما القيمين على الرهبنة، متسائلاً: «كيف وافقت على صدور مرسوم مستشفى للطوارئ؟ مضيفاً: «الأباتي طربيه بدّل المرسوم وقرار البابا الذي وافق على تقديم الأرض على أساس مستشفى حكومي».

وخلال مؤتمر صحافي حاشد عقده في مكتبه في الحازمية تحت عنوان «15 عاماً من الإنتظار تكفي « تحدّث فيه الدكتور البستاني عن مستشفى دير القمر المتوقف عن العمل والذي مضى عليه أكثر من 15 عاماً تاريخ صدور مرسوم قبول الهبة المقدمة من الرهبانية المارونية المريمية والتي هي كناية عن قطعة أرض مساحتها 8000 م م ليتم تشييد المستشفى عليها.

وتحدث نائب دير القمر قائلاً: «هذا المشروع هو إنمائي بالدرجة الأولى وهو مطلب ملحّ وحيوي لأبناء المنطقة، فالمواطن الذي يقف على أبواب المستشفيات لا حول له ولا قوة ولا يستطيع الدخول لأنه لا يتمتع بالضمان الصحي ولا يملك الأموال الضرورية لدفع تكاليف الإستشفاء».

وقد أعلن البستاني عن خطوات سيلجأ اليها لاحقاً وهي:

1- تشكيل لجنة أهلية من أبناء دير القمر والجوار، ليلاحق بمعيتها موضوع المستشفى والإتصال بكافة المرجعيات من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس النواب والحكومة ووزارة الصحة ومجلس الإنماء والإعمار.

2- تشكيل لجنة طبية من أصحاب الشأن والإختصاص وذلك لتأمين الإستشارات اللازمة كي يأتي البناء مطابقاً للمعايير العلمية والهندسية.

3- تعهّد مؤسسة الدكتور فريد البستاني الإنمائية بتجهيز غرفة الطوارئ وبسيارة إسعاف، وتغطية الطبابة للمعوزين والفقراء والغير مشمولين بنظم الرعاية الصحية، حتى لا يدفع المريض فلساً واحداً لقاء تلقيه العلاج في مستشفى دير القمر. وقال نائب الشوف إنه سيطلب من كلّ الجمعيات والشخصيات الفاعلة في الشوف للمساهمة في الصندوق الخاص بدعم الطبابة في المستشفى.

4- الاعتراض في المجلس النيابي على كلّ الهبات الصحية الممنوحة للدولة والتي لا تشمل إعمار وتجهيز مستشفى دير القمر الحكومي.

وفي النهاية أكد عضو تكتل لبنان القوي أنه لن يكلّ ولن يملّ من العمل والمطالبة حتى تحقيق حلم الشوفيين بإنجاز مستشفى دير القمر ووضعه موضع التنفيذ.

ثم تحدث العميد نعمه الذي رافق نشوء المستشفى في كلّ مراحله من وهب الرهبنة للأرض إلى التمويل الذي لم يبصر النور بعد بصورة نهائية إلى تحويل وجهة المستشفى من مستشفى حكومي إلى مستشفى طوارئ، وقد أعلن العميد نعمه والنائب البستاني عن تصميمهما على إعادة مستشفى دير القمر إلى وجهته الأساسية التي من أجلها أنشئ ليكون مستشفى بكلّ ما للكلمة من معنى.

ومن ثم أعطيت الكلمة لمداخلات الحضور الذين شدّدوا على ضرورة مواصلة العمل والجهد لإتمام هذا المشروع الحيوي بغضّ النظر عن المعرقلين الذين لا يريد البستاني ذكرهم لا سيما ونحن في بداية عهد جديد يؤمن بالإنماء المتوازن وبضرورة أن تنعم كلّ المناطق بحقها في الطبابة والإستشفاء.

وحضر المؤتمر حشد من الإعلاميين والفاعليات الإجتماعية والسياسية والدينية ووجوه بلدية واختيارية من دير القمر والجوار ومختلف المناطق الشوفية، ومن بينهم الأرشمندريت نعمان قزحيا، ومنسق الشوف في التيار الوطني الحر العميد جوزف نصار، رئيس بلدية معاصر بيت الدين ناجي عبود، مختار دير القمر كلود نعمه، مختار الدامور جاك غفري، عضو بلدية سرجبال نديم أبو رجيلي، العميد مارون شبلي، صاحب متحف ماري باز سمير باز، المحامون أدولف نعمه، الياس الغريب، عبده عقل، طلال وطارق باز، بالإضافة إلى مايا باز، وسيم البستاني وعدد كبير من أهالي الشوف.

تصوير: أكرم عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى