استرليني «بريطانيا الجديدة» يعزز الجنيه المصري

بشير العدل

أثار قرار البريطانيين بخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي ردود أفعال واسعة النطاق، لم يتوقف أثرها عند نقاط التماس الاقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ولكن امتدّ أثرها إلى باقي اقتصادات العالم، ومنها الاقتصادات الساعية إلى التقدّم، كما هو الحال في بلادي مصر.

لقد تأثر الاقتصاد المصري بالقرار، شأنه في ذلك شأن باقي اقتصادات العالم، وظهر التأثير واضحاً وبشكل سريع على أسعار العملة وأسواق المال، التي تُعَدّ من المقاييس الاقتصادية الأكثر حساسية للأحداث سواء كانت محلية أو عالمية.

فبعد القرار تأثرت البورصة المصرية وتراجعت مؤشراتها، كما تأثر سوق صرف العملات الأجنبية وتحديداً الجنيه الاسترليني، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثر الجنيه المصري بتداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي خاصة في الأجل الطويل، الذي لا تظهر نتائجه سريعاً، بما يتطلبه ذلك من سياسات مالية ونقدية جديدة.

وتشير أرقام وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أنّ بريطانيا تحتلّ المرتبة الثالثة في الاستثمار الأجنبي في مصر، ووصلت قيمة استثماراتها في نهاية العام الماضي إلى نحو 5.5 مليارات دولار أميركي، يتمّ استثمارها في 1358 مشروعاً، وأنّ حجم التجارة البينية يصل إلى نحو 1.5 مليار دولار.

وفي نظرة على مدى تحرّك أسعار الاسترليني مقابل الجنيه المصري يتّضح أنها تذبذبت بين الانخفاض والارتفاع، حيث كانت قيمته مقابل الجنيه وقبل الاستفتاء بنحو أسبوع 12.46 للشراء و 12.66 للبيع، في حين ارتفعت مع إعلان قرار الانفصال البريطاني إلى 13.2 جنيه للشراء و13.24 جنيه للبيع، عاود بعدها الانخفاض مرة أخرى بحدود سعرية ضعيفة.

ويعود ذلك التذبذب في سعر صرف الاسترليني مقابل الجنيه المصري إلى حالة عدم الاستقرار في الاقتصاد البريطاني، حيث تأخذ إجراءات الانفصال الكلي وقتاً طويلاً، في وقت كانت تحسّبات الأسواق العالمية للقرار بمثابة المؤثر الأكبر والأقوى في أسواق المال وسوق العملة. وبعد الانفصال فإنّ قيمة الجنيه الاسترليني مرشحة للتراجع، مما يعني انخفاض قيمته أمام الجنيه المصري، ومن ثم دعم الصادرات المصرية وزيادة قيمتها، فضلاً عن الواردات أيضاً، بسبب تراجع تكاليف الاستيراد نظراً لانخفاض سعر العملة.

عامل آخر يعزز من قيمة الجنيه المصري مقابل الاسترليني هو السياحة البريطانية في مصر، حيث تقول الأرقام الرسمية إنّ هناك أكثر من مليوني سائح بريطاني اعتادوا زيارة مصر سنوياً، وإنّ استمرار التدفقات السياحية البريطانية إلى مصر من شأنه أن يزيد معدّلات الإنفاق في مصر بما يخدم توفير العملة الأجنبية من الاسترليني من ناحية والطلب على الجنيه المصري من ناحية أخرى، نظراً إلى احتياج السياح للإنفاق بالعملة المحلية.

وعلى ذلك فإنّ الأثر الطبيعي وعلى الاقلّ في الأجل القصير لخروج بريطانيا على الجنيه المصري هو إيجابي بالطبع، غير أنّ تلك الإيجابية لا يمكن لها أن تستمرّ طويلاً، حيث يستفيد الجنيه المصري من الأوضاع غير المستقرة للاقتصاد البريطاني في الوقت الحالي، والذي يدخل مرحلة جديدة من إعادة تنظيم أوراقه المالية، وهي الفترة التي من الممكن أن تطول ويحقق فيها الاسترليني تراجعاً لصالح قيمة الجنيه المصري.

غير أنّ السياسة البريطانية الجديدة سوف تعمل على دعم قوة عملتها، ولن تسمح بمزيد من تراجع الاسترليني أمام العملات الأخرى، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، وهو ما يتوقع معه أن تتخذ إجراءات تتعلق بالسياسة النقدية التي ترتبط أول ما ترتبط بإعادة النظر في سعر الفائدة بما يسمح بتعزيز المدخرات وزيادة معدلات الاستثمار، وهو ما يجب أن تتنبّه له الاقتصادات الأخرى في دول العالم ومنها مصر، التي ترتبط بتعاملات اقتصادية مع بريطانيا التي تسعى إلى خلق استرليني يتناسب مع بريطانيا الجديدة.

كاتب وصحافي مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى