تركيا جاهزة لاحتلال مقعد واشنطن في التسويات؟

ناصر قنديل

– لا يمكن لأحد في موسكو وطهران ودمشق أن يسمح ببقاء الخطوات الحاسمة في إنهاء الخطر على سورية لحين تسلّم الرئيس الأميركي الجديد، فإن كان دونالد ترامب هو الرئيس فالعلاقات الدولية والإقليمية بواشنطن ستكون كأحجية عليها الانتظار طويلاً حتى تتبلور ملامح السياسات الجديدة وتستقر، وهذا يعني بقاء حرب استنزاف لسورية وحلفائها تفتك بجسد الجغرافيا السورية وتمعن في تفتيتها وتقاسمها، وهدراً مفتوحاً لمقدرات محور المقاومة البشرية والمادية لا يمكن القبول بتحمّلها، وإن كانت هيلاري كلينتون هي الرئيسة، فهذا يعني منح مشروع العودة للرهان على الثنائي السعودي الإسرائيلي ومكانة جبهة النصرة فيه سنة أو سنتين إضافيتين حتى تتبلور لإدارة كلينتون الوقائع التي فرضت على إدارة الرئيس باراك أوباما قبلها صرف النظر عن الاستثمار على اللعب مع الوقت، والأمر بين التعامل مع مراهق أو التعامل مع طائش، كليهما لا يمكن السماح بربط قضية مصيرية كالقضية السورية بما سيقرران، وهذا يعني شيئاً واحداً وهو أن روسيا وإيران وسورية على موعد مع خيارات حاسمة تمتلئ بها الأشهر الخمسة المتبقية من ولاية الرئيس أوباما، بالتعاون معه أو بدونه.

– تبدو قمة العشرين التي تنعقد اليوم في الصين الفرصة الأخيرة على المفترق، وتبدو فرصة أخيرة للشراكة الأميركية في حملة تستهدف توجيه ضربات قاصمة لتنظيم داعش في سورية والعراق بالتعاون مع روسيا وإيران وحلفائهما، ولا يمكن بعد خوض مثلها بدونهما، لا في سورية بعد الذي أصاب الرهان الكردي مع التموضع التركي الجديد، ولا في العراق حيث لإيران الكلمة الفصل. وهذه الفرصة الأميركية لتصدر حرب القضاء على الإرهاب خاتمة مشرفة لولاية الرئيس الأميركي، وقوة دفع انتخابية للمرشح الديمقراطي الذي يلتزم بدعمه، ولو كان هيلاري كلينتون، لكن الفرصة لا تقتصر على ذلك بل تتضمن فرصة التفاهم على كيفية استثمار الصين وروسيا وإيران للبر الأفغاني الذي سيصير مفتوحاً بين عمالقة آسيا، لاستخدامه بلا ضوابط، بما فيها الأنابيب العملاقة لضخ النفط والغاز وصولا للبحر المتوسط، مع خطوط سكك حديدية تغير حركة التجارة العالمية بوضع الصين على بوابة المتوسط السورية، وبوابة الخليج الإيرانية، وربما تتسع لانتقال الصواريخ الاستراتيجية وناقلات الدبابات والجند، وإنشاء القواعد العسكرية على خط يمتدّ من الصين وروسيا إلى افغاستان فإيران فالعراق فسورية، أو تتم عملية استثمار باردة ومقننة للبر الأفغاني ضمن تفاهمات تتسع لها المفاوضات التي يتوقف مصيرها على التفاهم حول سورية.

– الفرصة المعروضة للأميركي تأتي بعدما، صارت الصورة واضحة في سورية، حيث الأتراك يتولون تحت العين الروسية الإيرانية، تفكيك الشريط الكردي الذي اعتبر الأميركيون إقامته على الحدود السورية التركية، حصانهم الرابح لتحقيق انتصارات على داعش دون الحاجة للتفاهم مع موسكو والاستعانة بالقدرة البرية السورية. ومع تلاشي الشريط الكردي وتلقيه ضربات قاسية وتخلي واشنطن عن الأكراد بصورة مهينة ومذلة، أدت إلى انتكاسة معنوية منعت مواصلتهم الحرب للحساب الأميركي ضد داعش، ليتولاها الأتراك لحساب الروس مقابل تفكيكهم للشريط الكردي، وتوليهم إقفال الحدود على جبهة النصرة وسلاحها ومسلحيها، ونقل من توفر من مسلحي الجماعات التي تحمل يافطة المعارضة إلى جبهات القتال ضد داعش وفصلهم عن النصرة تسهيلاً للمهام السورية الروسية في استهدافها، ما يجعل الحاجة التركية مشابهة للحاجة السورية والروسية والإيرانية في استغلال الوقت المتبقي من ولاية اوباما لفرض وقائع جديدة في الميدان تقول لأي إدارة أميركية جديدة، إن الأمر تغير ولا إمكان للعودة إلى الوراء.

– الفرصة المعروضة على الرئيس أوباما تقول، إن أميركا عندما تنخرط في التفاهم، عليها أن تأتي بتركيا إليه، لأنها النافذة الجغرافية والعسكرية والسياسية لتحريك السلاح والمسلحين نحو سورية، ولأنها القادرة على فرزهم عن النصرة وحصارها، وعلى واشنطن أيضاً لتنخرط في التفاهم أن تعترف بحاجتها للتعاون مع سورية وحلفائها من أجل نصر على داعش، لأنها لا تملك القدرة على ذلك بدونهم، بسبب عدم فعالية الأكراد للقيام بالمهمة وحدهم، وهذان الأمران قضيا من دون أن تنخرط واشنطن في التفاهم، فما بقي عليها هو ان تختار أن يتم تطبيق مضمون التفاهم بالتعاون مع تركيا بغطاء أميركي، أو من دون هذا الغطاء الذي لم تعد تنتظره أنقرة، بمثل ما انتظرت مثله لإقامة منطقة حظر طيران في ذروة خوضها للحرب المشتركة من موقع الحلف الذي تقوده واشنطن، فكل شيء يقول إن الحاجة لواشنطن صارت سياسية أكثر مما هي عملية، وأن ما ستقدمه سيمنح فرصة تشريع التفاهمات والتوافقات والخرائط والخطط والتسويات، من بوابة مجلس الأمن، وأن تحصل لقاء كل ذلك على مكاسب لن يكون ممكناً التطلّع نحو مثلها إذا فاتت الفرصة لما بعد الانتخابات، حيث سيكون ما كتب قد كتب من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى أفغانستان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى