خطاب نتنياهو… تمرين في العبثية

راسم عبيدات

في خطابه أمام الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يمارس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخداع والتضليل فقط، بل، هو مختص في علم «الديماغوجيا» والثرثرات العبثية، يكفي في الملاحظة الإستهلالية للمقالة، أن نشير إلى ما قالته «زهافا جلئون»، زعيمة حزب «ميرتس» ـــ«الإسرائيلي»، عن خطابه أمام الجمعية العامة: «كلامك بلا رصيد، لو كنت تريد السلام لأخليت البؤر الإستيطانية». أضافت جلئون: «إن خطابك ليس موجهاً لعباس، بل للإدارة الأميركية، كي لا تسمح بإتخاذ أية خطوات وإجراءات ضد «إسرائيل» في الأمم المتحدة، على خلفية نية الفلسطينيين،طرح مشروع على مجلس الأمن الدولي، الشهر المقبل، يعتبر الإستيطان غير شرعي ويجب وقفه».

نتنياهو، لا يريد من المؤسسة الدولية، التي يعتبرها مسرحية هزلية ومسخرة، أن تتخذ أية عقوبات، أو قرارات، ضد دولة الإحتلال، التي يعتبر أنها متخصصة في إستصدار قرارات ضد دولته، على خلفية جرائمها وإجراءاتها القمعية والعنصرية وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وتشريعاتها وقوانينها العنصرية وعقوباتها الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، فهو يريد منها أن تشيد بـ «إسرائيل» كواحة «ديمقراطية»، ولا تعتبر الإستيطان غير شرعي. هو لا يرى المشكلة، وجوهر الصراع، مع الفلسطينيين، بأنه صراع على الأرض والإستيطان وهذه المستوطنات السرطانية، هي أساس البلاء، بل يرى المشكلة في أن الشعب الفلسطيني يرفض الإعتراف بيهودية الدولة، رغم أن هناك اعترافا متبادلاً بين دولة الإحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، جرى في عام 1993 . يريد منا، كشعب فلسطيني، أن نعترف بيهودية الدولة. ولا يريد هو وكلّ قادة دولته، الإعتراف بمسؤوليتهم السياسية والأخلاقية عن نكبة شعبنا، عن طرده وترحيله وتهجيره قسراً، على أيدي عصاباتهم، عن أرضهم التي صادروها وهجروه إلى مخيمات اللجوء والشتات. يريد منا أن نقول بأنّ نضالنا غير مشروع، وبأنّ الصهيونية كحركة عنصرية استيطانية، هي «حركة تحرّر وطني»!

ملاحقتهم، كيهود، لألمانيا، حتى اليوم، بسبب ما ارتكبته النازية من مذابح بحق اليهود «الهلوكوست» واستمرار دفعها التعويضات وتقديم الدعم المادي والعيني لهم، باستمرار ونحن لا يحق لنا أن نطالب بمحاسبة بريطانيا على ما اقترفته بحق شعبنا، من جرائم، بزرعها هذا الكيان الغاصب، في أرضنا وعلى حساب شعبنا! بريطانيا، عليها أن تعترف بالمسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والمعنوية، عما لحق بشعبنا من طرد وتهجير واستيلاء على ارضه. وليس فقط، عليها الاعتذار يا نتنياهو، بل دفع تعويضات لشعبنا، ما دامت الشمس تشرق على وجه الارض.

نتنياهو، يهدّد ويتوعّد الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. يقول بأنه لن يسمح لها أن تحدّد لـ»إسرائيل أمنها القومي ومصالحها». فهو يعرف، تماماً، بأنّ هناك من يدعمه في هذه المؤسسات، ويشكل له مظلة وغطاء لكلّ الانتهاكات والجرائم، والخروج السافر عن القانون والمواثيق والإتفاقيات الدولية. أميركا والغرب الإستعماري المجرم، يتشدّقون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ويتعاملون بانتقائية وازدواجية معايير و«تعهير»، في ما يخص مبادئ القانون الدولي وما ينبثق عنها من قيم ومعايير. عندما يتعلق الأمر بحقوق شعبنا الفلسطيني، أو بإتخاذ قرارات وعقوبات بحق دولة الإحتلال «إسرائيل»، على خلفية خرقها وتطاولها على القانون والإتفاقيات والمواثيق الدولية. ولذلك، هذا شجع ويشجع نتنياهو على التطاول على هذه المؤسسة، وغيرها من المؤسسات الدولية ويسخر منها. والقول بأن الحرب على «إسرائيل» من على منابر هذه المؤسسة الدولية، قد انتهت.

جوهر المشكلة عند نتنياهو، أننا «نشجع» و«نحرّض» أطفالنا على قتل اليهود وحمل السكاكين. وندفع لهم المزيد من الدولارات، مع قتل المزيد من اليهود. لكنه لم يتطرق للحظة واحدة، إلى الأسباب التي تدفع أطفالنا إلى حمل تلك السكاكين. لم يتطرق إلى صور التفتيشات المذلة والمهينة، التي يقوم بها جنوده ورجال شرطته، بحق هؤلاء الأطفال. ولا الإعدامات الميدانية، كما جرى بحق العديد من الشهداء: الإعدام الموثق بالكاميرات للشهيد عبد الفتاح الشريف ودعم وزير حربك «ليبرمان» للجندي الذي أعدمه، ولا حرق الشهيد – الفتى أبو خضير، حياً والذي رفضت وزارة حربك، طلب عائلة الشهيد هدم منازل قتلته، بشكل عنصري ووقح، على أساس أنّ ذلك حادث فردي. ذلك الحادث، الذي استتبع بحرق عائلة الدوابشة، الذين ما زال قتلتهم، من المستوطنين المجرمين، طلقاء. وكذلك، حرق مدرسة ثنائية اللغة، في بيت صفافا والكثير الكثير، من جرائم مستوطنيك وجنودك.

أطفالنا يريدون العيش كباقي أطفال بني البشرية، في أمن وسلام، في وطن حرّ يضمن لهم مستقبلاً، يحققون فيه طموحاتهم واحلامهم، بعيداً عن احتلالك وقمع جيشك اليومي ووحدات مستعربيك، التي تتسلل، يومياً، مع خيوط الفجر الأولى، إلى مدننا وقرانا ومخيماتنا، لكي تطلق النار، عمداً، على أرجل اطفالنا، كي يصابوا بالإعاقات الدائمة وتعتقل الآخرين، وترتكب وتمارس كلّ أشكال التعذيب والتنكيل بحقهم.

نتنياهو، قال الحقيقة في خطابه، بالقول: إنّ العديد من الدول العربية، لم تعد تنظر إلى «إسرائيل» على أنها عدو، بل حليف، يجمعها مع «إسرائيل» عدو مشترك، هو ايران و«داعش»!

نعم، في ظلّ حالة الإنهيار العربي، واستدخال البعض منهم ثقافة الهزيمة و«الإستنعاج» وتغليب الهمّ والمصالح القطرية على الهم العام والقومي والخوف على العروش والكراسي وما يحدث في عالمنا العربي من حروب مذهبية وطائفية وانتحار ذاتي وجدنا العديد من الدول العربية تهرول نحو «اسرائيل» و«تندلق» على تطبيع العلاقات معها وتنقل علاقاتها معها من الجانب السري إلى العلن، لتصل حدّ التنيسق والتعاون الأمني والعسكري والإقتصادي والمناورات المشتركة، في حالة تردّ وإنهيار وحرف للبوصلة، غير مسبوق، في تاريخ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي».

نتنياهو، سيستمرّ في «ديماغوجيته» وتمرينه العبثي، فهو يشعر أنّ الحالة الفلسطينية الضعيفة، والمنقسمة على ذاتها، والحالة العربية المنهارة والداخلة في حروب التدمير الذاتي والحالة الدولية المعطلة إرادتها السياسية والمشتبكة أطرافها الرئيسية: روسيا وأميركا، في قضايا لها أولوياتها على الشأن الفلسطيني، تتيح له الإستمرار في «ديماغوجيته» وتمارينه العبثية، والتهرّب من دفع أية استحقاقات جدية من اجل السلام.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى