الحسن: إقامتها استكمال لانخراط تركيا في الحرب على سورية شكاي: إيران ستكون صاحبة الكلمة الأقوى في التصدّي لها

حاورهما سعد الله الخليل

من جديد تعود تركيا إلى نغمة إقامة المناطق العازلة مع سورية، وهي التي دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الترويج لها والتهديد بها منذ بدء الأزمة السورية. ومع بدء التحالف الغربي الذي تتزعّمه واشنطن وتزعم أنه يهدف إلى محاربة «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، بشنّ غاراته الجوية على مواقع في سورية عاد أردوغان إلى طرح إمكانية إقامة تلك المناطق العازلة في سورية.

وكانت فكرة المناطق العازلة وإمكانية إقامتها والدوافع التركية من ورائها محور حديث صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز» مع الباحث الاستراتيجي الدكتور تركي الحسن والإعلامي جانبلات شكاي.

ورأى الحسن أنّ «حديث تركيا عن المناطق العازلة يستكمل مسيرة انخراطها في الحرب على سورية»، معتبراً «أنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تنفيذ خاطئ للقرار الدولي». كما أكد أنّ «المشروع الغربي بمواجهة الإرهاب استعراضي إعلامي حتى الآن». ولفت إلى أنّ «أردوغان يرغب في تحويل الحرب إلى حرب كردية في وجه الإرهاب بما ينقل الصراع من الداخل التركي إلى سورية».

ورأى شكاي، من جهته، أنّ الرئيس التركي «يحاول أن يلعب على ملف الأكراد من طريق محاولته تقديم المساعدة في ملف الأكراد في سورية، كما فعلت الولايات المتحدة في مساعدة أكراد العراق».

واستبعد شكاي «أن تسمح دول الإقليم بإقامة مناطق عازلة إذا توافرت لديها الإمكانية»، لافتاً إلى «أنّ إيران ستكون صاحبة الكلمة الأقوى وهذا ما يطرح سؤالاً حول إمكانية تدخل عسكري إيراني لمنع قيام هذه المناطق العازلة».

مشروع قديم بطرح جديد

ووصف الحسن المناطق العازلة من حيث العلم العسكري، بالمناطق التي تفصل بين طرفين متنازعين وتمنع الاشتباك بينهما كما هي المنطقة العازلة في الجولان المحتل وفق الاتقاق بين الدولة السورية وكيان العدو عام 1974 برعاية الأمم المتحدة حيث تسري مفاعيل الاتفاق على الأرض منذ 40 عاماً وتلتزم بها كل الأطراف من حيث موقع المنطقة العازلة والمكان والقوات التي ترعاها وتشغلها قوات الأمم المتحدة المعروفة بـ»إندوف».

ورأى الحسن أنّ «حديث تركيا عن المناطق العازلة يستكمل مسيرة انخراطها في الحرب على سورية، كأكثر دولة تورطت في الأحداث السورية عبر إيواء وتدريب وتسليح وتمويل ودفع المجموعات الإرهابية إلى الداخل السوري انطلاقاً من البوابات الحكومية التركية الرسمية». وأشار إلى أنّ تركيا «شاركت بصورة فاعلة ومباشرة عبر ضباط أتراك في الهجوم على مواقع الجيش السوري، وبالتالي هي جزء من الحرب التي تشنّ على سورية، وتركيا لا تخفي انخراطها في الحرب على سورية بل تتباهى بما تقوم به».

وأكد الحسن «أنّ المشروع التركي حول إقامة المناطق العازلة قديم جديد، وبالعودة إلى بدايات الأزمة السورية، وتحديداً إلى مجزرة جسر الشغور حيث أقامت تركيا المخيمات لاستقبال اللاجئين قبل نزوح أي سوري، وكانت تعلن دائماً أنه بمجرد وصول اللاجئين السوريين إلى 30 ألفاً ستقيم مناطق عازلة لأنها لا تستطيع تحمّل ذلك». ولفت إلى «السيناريوات الثلاثة التي طرحتها تركيا لإقامة تلك المناطق، من مناطق آمنة ومناطق حظر جوي ومعابر إنسانية»، مشيراً إلى أنّ «اشتراط أردوغان التدخل الإقليمي والدولي تحت مظلة الأمم المتحدة، دليل على أنّ خطة أردوغان استعراضية كونه يدرك استحالة الموافقة الأممية على التدخل».

وتابع الحسن: «على رغم الطرح القديم للمناطق العازلة فإنّ مشروع أردوغان اليوم جديد في مضمونه وهو يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أولها قضم مناطق من العمق الجغرافي السوري على طول الحدود من 5 الى 20 كيلومتراً تمتد من عين ديوار على الحدود السورية – العراقية وصولاً إلى كسب على شاطئ البحر المتوسط والتي يشكل المكون الكردي غالبية أهلها من الشمال الشرقي وحتى الشمال الغربي لسورية». وأضاف: «أما الهدف الثاني فهو أنّ أردوغان يرغب في السيطرة على التجمعات الكردية التي يعتبرها مأوى لحزب العمال الكردستاني في الداخل السوري والأحزاب الكرية الناشئة في سورية كحزب الاتحاد الديمقراطي، كما أنه يريد تصدير الأزمة الكردية إلى الخارج التركي أي إلى سورية عبر خلق حالة عداء بين الأكراد وتنظيم «داعش»، وبالتالي يرغب أردوغان في تحويل الحرب إلى حرب كردية في وجه الإرهاب بما ينقل الصراع من الداخل التركي إلى سورية، أما الضغط على الحكومة السورية لإعادة التدخل العسكري فهو الهدف الثالث من مشروع أردوغان».

تحالف أميركي لا دولي

وفي ما يتعلق بالتحالف الدولي المزعوم لمحاربة «داعش»، رأى الحسن «أنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تنفيذ خاطئ للقرار الدولي الذي نصّ على وجوب قيام تحالف دولي، وليس تحالف أميركا وحلفائها ضدّ الإرهاب، في محاولة من واشنطن لإظهار نفسها على أنها هي من يحارب الإرهاب في حين نجد أنّ من يحاربه هما سورية والعراق». وقال: «إنّ الولايات المتحدة تحاول تلميع صورتها بأنها تحارب الإرهاب رغم أنه نبت وترعرع وغطي وسلح وموّل من قبلها ومن قبل من يسير معها في الإقليم بأشكال شتى». ولفت الحسن إلى أنّ «علاقة واشنطن بالإرهاب والتحالف القادم سيدفع ثمنه السوريون مرتين الأولى وهم يقاتلون الإرهاب والثانية اليوم بما يشنّه التحالف من غارات جوية»، مؤكداً أنّ «المشروع الغربي بمواجهة الإرهاب استعراضي إعلامي حتى الآن». وقال: «نتوجس من الخطوة كون أهدافه غير معلنة حتى الآن، فمن يريد ضرب الإرهاب عليه أن يتعاون مع من سبقه إلى ضربه، وبالتالي فإنّ التحالف لا يمكن أن يبقى محصوراً بالقوى الموالية للولايات المتحدة وهو ما عبرت عنه القوى الإقليمية العالمية المتوجسة من الاستعراض الأميركي».

مشاركة الدول العربية

وحول المشاركة العربية في التحالف الدولي، قال الحسن: «لا أحد يعطي شرعية للتدخل في سورية فمن يعطي شرعية للتدخل هو الشعب السوري والدولة السورية، وبالتالي فإنّ هذا التدخل لا يعطي الشرعية حتى لو تحالفت دول الخليج كلها، لأنّ تلك الدول كانت متفقة سابقاً على ضرب الدولة السورية، والآن أجمعت على ضرب الإرهاب والدولة السورية في آن». وتابع: «إنّ الأهداف المعلنة ليست محدّدة الأبعاد في المرحلة الأولى والهدف المعلن والعام هو ضرب الإرهاب ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد هذه المرحلة؟ ومتى تنتهي؟ ومن يضمن جدية الولايات المتحدة في ضرب الإرهاب؟ وهي التي ذهبت إلى أفغانستان بهدف ضرب طالبان والقاعدة، وقد مضى على دخولها ثلاثة عشر عاماً، فهل نفذت ما أعلنت عنه؟ كما أنها قامت بغزو العراق بحجّة وجود أسلحة الدمار الشامل، لتعلن بعد ذلك أنها تريد إسقاط النظام الديكتاتوري الحاكم لإقامة نظام ديمقراطي فبقيت ثماني سنوات، ولم تخرج إلا تحت ضربات المقاومة العراقية، فأين هي أسلحة الدمار الشامل والديمقراطية المزعومة».

وقال الحسن: «بالتالي هذه الخطة التي يقال إنّ مدتها ثلاث سنوات لن تنتهي في ثلاث سنوات لأنّ المسألة ليست بنية عسكرية فقط هناك بنية فكرية تستولد مزيداً من الإرهابيين، فالقضية لا تختصر في «داعش» ولا «القاعدة» ولا «النصرة» فهي قضية فكر وهذا الفكر قد ينشق إذا قُتل البغدادي أو أُلقي القبض عليه ليظهر تنظيم آخر يقوم بالدور نفسه ويدعو لنفسه ويطلب البيعة ثم تجري ملاحقته من جديد، وبالتالي نصبح أمام حرب مفتوحة قد تمتد لسنوات طويلة وليس لثلاث سنوات، فالدولة السورية تحارب الإرهاب منذ ثلاث سنوات ونصف والحكومة الأميركية كانت وراء كل هذا الإرهاب وقد دعمته بهدف إسقاط الدولة السورية».

الإعلامي جانبلات شكاي

ورأى الإعلامي جانبلات شكاي، من جهته، أنّ الرئيس التركي «يحاول أن يلعب على ملف الأكراد من طريق محاولته تقديم المساعدة في ملف الأكراد في سورية، كما فعلت الولايات المتحدة في مساعدة أكراد العراق، وهو يريد بذلك خلق منطقة عازلة تمّ الحديث عنها في بداية الأحداث في سورية كي تكون منطقة تؤوي الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين إلى تركيا، ما يشكل مدخلاً إلى تقسيم سورية أو وأد الحلم الكردي في بناء أقاليم ذات حكم ذاتي أو مشروع بناء دولة في المستقبل».

وأضاف شكاي: «هذا الحلم الذي كان وما زال يؤرق تركيا، كان يؤرق سابقاً العراق وسورية وإيران، وكان هناك إجماع على عدم الدفع في اتجاه إقامة دولة كردية في المنطقة لأنّ ذلك من شأنه خلخلة الوضع في الدول الأربع «. وتابع: «يبدو أنّ التغيرات التي حصلت في العراق ومن ثم الحرب على سورية تمهد الطريق عملياً لإقامة مثل هذه الدولة، على أن تكون لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة و»إسرائيل» وهو ما ثبت من خلال التدخل الأميركي السريع لإنقاذ الحكم الذاتي في العراق، وقد تكون لامتدادها في سورية علاقات جيدة، فهي إذاً محاولة لتجزئة المنطقة على أساس إثني وعرقي، ليشكل ذلك مبرراً لوجود دولة يهودية في فلسطين».

ورأى شكاي أنّ «ما يجري على الأرض قد يدفع ببعض الأكراد إلى طلب المساعدة من تركيا في حال كانت فعلاًَ تنوي تقديم المساعدة للأكراد لإنقاذهم من «داعش»، ونحن نلاحظ غضّ النظر من قبل قوى التحالف الدولي عن تمدّد «داعش» تجاه المناطق التي يسيطر عليها الأكراد حالياً وأغلبهم ينتمون إلى الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه صالح مسلم وهو نائب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية وهي الجهة السياسية السورية المعارضة التي طالبت منذ بداية الأزمة بالحلّ السياسي». ولفت شكاي إلى أنّ «المشروع القائم حالياً عبر تجمعات للحكم الذاتي في سورية للأكراد لا يتوافق مع التوجهات العامة التي تسير ربما في اتجاه الفوضى الخلاقة الأميركية على اعتبار أنّ القوة العسكرية للاتحاد الديمقراطي ولقوات حماية الشعب تعزف خارج إطار ما كان تسير فيه ميليشا الجيش الحر أو التنظيمات الإسلامية الأخرى، فكان لا بدّ من تحجيم هذه القوى، وقد بدأ هذا التحجيم من قبل تنظيم «داعش» الذي بدأ بالهجوم على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد سواء في الحسكة أو في القامشلي أو في عين العرب حيث تدور المعارك حالياً. كما حاولت جبهة النصرة دخول منطقة رأس العين، حيث اتهم الأكراد تركيا بتقديم المساعدة للجبهة التي هاجمت الأكراد من داخل الأراضي التركية».

الاتحاد الديمقراطي هو المستهدف

وأشار شكاي إلى أنّ «المقصود من الضغط التركي هو الاتحاد الديمقراطي الذي يقدم ويعرّف على أنه أحدى واجهات حزب العمال الكردستاني صاحب العلاقة السيئة تاريخياً مع الحكومة التركية وهو على خلاف مباشر مع التوجهات التركية، ولم تكن علاقاته جيدة مع قوات البيشمركة التي يقودها رئيس إقليم كردستان في العراق مسعود البرزاني، بل إنّ بعض المعارك والمواجهات حصلت بينهم وحاولت قوات البيشمركة أن تحاصر صالح مسلم، وتمنعه من المغادرة في مرحلة من المراحل، أي أنّ القوى التي كانت تدعم الجماعات التي قدمت على أنها جماعات معارضة، ومن ثم تحولت إلى جماعات إسلامية متشدّدة، كانت على خلاف مع قوات حماية الشعب ومع الاتحاد الإسلامي ومع قوات الـpyd».

وأضاف: «إنّ الهدف الأساسي من تقديم تركيا الدعم لدولة الخلافة في هجومها على عين العرب هو الضغط على هذه القوات حتى تصل إلى مرحلة تطلب فيها المساعدة من تركيا وعندها ستظهر تركيا وكأنها تنقذ الأكراد، وبذلك سيكون مبرّراً أكثر فرض حالة شريط حدودي ومنطقة حظر جوي شمال سورية».

دول الإقليم لن تسمح

واستبعد شكاي أن تسمح دول الإقليم بإقامة مثل هذه المنطقة العازلة إذا توافرت لديها الإمكانية، وقال: «إنّ إيران ستكون صاحبة الكلمة الأقوى وهذا ما يطرح سؤالاً حول إمكانية تدخل عسكري إيراني لمنع قيام هذه المناطق العازلة، بخاصة أنّ إيران هي من الدول التي تحتوي على عدد كبير من الأكراد الطامحين إلى إقامة دولة مستقلة»، مستبعداً في المقابل «أن تكون للعراق كلمة فصل في هذا الموضوع كون منطقة شمال العراق أقرب إلى دولة مستقلة منها إلى دولة تابعة لبغداد، وهذا تجلى مع تغيير حكومة المالكي الذي كان يدخل دائماً في تحدٍّ مع مسعود البرزاني، وبالتالي يبقى الأمل معقوداً على التصدّي الإيراني لإقامة تلك المناطق».

انفضاح الدور التركي

ولفت شكاي إلى أنّ «تركيا ترتكب مجموعة مخالفات بما يتعلق بالتعامل مع داعش»، معتبراً أنّ «تنفيذ قرارات مجلس الأمن أو عدمه لا يعود إلى الحالة الأخلاقية أو القانونية، إنما إلى القوة على الأرض».

يُبث الحوار كاملاً عبر شاشة «توب نيوز» على التردد 12034 الساعة الخامسة عصر اليوم الثلاثاء

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى