الإرهاب صناعة «إسرائيلية» والهدف تفكيك عناصر القوة العربية والتوطين 2

بلال رفعت شرارة

… لا بدّ من توجيه الأنظار إلى أنّ الإرهاب في مصر، وإنْ لم يكن وليد اللحظة السياسية إلا أنه أعاد تشكيل نفسه بعد سقوط نظام الإخوان ورمزه محمد مرسي، وهذا الإرهاب تشكل على التوالي من خمسة عشر تنظيماً إرهابياً بينها 4 تنظيمات تعدّ الأبرز وهي: أنصار بيت المقدس، ومجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس والتكفير والهجرة، ويمكن بالإضافة إلى ذلك رصد خمس مجموعات أخرى تقوم بعمليات إرهابية ضدّ الجيش والشرطة وهي: الرايات السود، بقايا تنظيم الجهاد، التوحيد وتنظيم السلفية الجهادية، ومنظمة أنصار الجهاد وهناك ما يسمى بجيش الجلجلة المتطرف. والجدير ذكره أنّ الجماعات المنتشرة بمنطقة وسط وشرق سيناء إنما تنقسم إلى مجموعة من الجماعات أبرزها: الجماعات السلفية وهي جماعات منتشرة بطول سيناء وعرضها، وينتهج أعضاؤها منهجاً سلمياً، الجماعات التكفيرية، الخلايا النائمة، وجماعة أهل السنة .

إنّ هذه العملية تبدو وكأنها جاءت لتردّ على الإعلانات المتنوعة عن نهاية «داعش» وهزيمته في غير مكان، والمجزرة هدفت لأن تصيد مجموعة أهداف بحجر واحد فهي اختارت قرية بعيدة ومن غير المتوقع أن تكون هدفاً وأهلها من المناوئين لـ»إسرائيل» خلال احتلال سيناء وهدفت العملية إلى زعزعة استقرار مصر والانتقاص من قدرة الدولة فيها.

إزاء الإرهاب الجاري يمكننا القول إنّ من المستحيل وجود مفكر إسلامي واحد غير خاضع لتوجيهات دولة ما أو جهاز مخابراتي يمكنه أن يفتي أو يخطط لأيّ عمل إرهابي مماثل إذ لا يمكنه الاستناد إلى أحد الثقلين للإفتاء بجريمة كهذه، كما لا يمكن إيجاد مسلم واحد مثقف ومتشبّع نوعاً ما بالإسلام يقدم على القيام بهذا النوع من حفلات الإعدام والجرائم المنظمة، وبالتالي إطلاق النار أو إلقاء القنابل أو التفجير الانتحاري ضدّ أناس يمارسون حياتهم المدنية. ومن المؤكد أنّ قيادة عمليات كهذه تجري عبر تجنيد فتيان أو ربما فتيات لا يملكون حداً أدنى من الثقافة الإسلامية، حتى أنّ أمراء هذه الجماعات إنما اتخذوا مواقع لهم في الدولة الإسلامية في العراق وسورية مقابل خدماتهم وتفانيهم في الدفاع أو الهجوم وإقدامهم خلال العمليات تحت تأثيرات شتى على تنفيذ عمليات خارقة وصولاً إلى تشييد بنيان دولة الخرافة وإعلان إمارات هنا وهناك.

ونسأل في السياق: هل يمكن لإسلامي أن يكون قد خطّط ونفذ جرائم كهذه وعلى سبيل المثال لا الحصر عام 2016:

ـ تفجيرات بروكسل في 22 آذار مارس وقد سقط ضحية هذه التفجيرات 34 شخصاً وأصيب 186 آخرين، استهداف لقسم الشرطة في مدينة ستافروبول الصغيرة جنوب روسيا، الهجوم على المقهى الليلي نادي للمثليين جنسياً في مدينة أورلانوبولاية فلوريدا الأميركية، استهداف مطار اسطنبول في 28 حزيران يونيو ، تفجير في موقف للسيارات بالقرب من الحرم النبوي الشريف، دهس مواطني نيس الفرنسية.

ـ كانت مصر أحد أبرز أهداف الإرهاب، فقد شهد عام 2017 سلسلة من الهجمات الإرهابية أبرزها المذبحة الأخيرة في 24 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، اغتيال عدد من أفراد الشرطة المصرية بكمين على طريق الواحات والهجوم المجزرة الذي استهدف عناصر من الجيش المصري في هجوم على نقطة تفتيش في مدينة رفح وكانت مصر قد شهدت في 26 أيار مايو مقتل 26 شخصاً بينهم أطفال جراء الهجوم على حافلة تقلّ أقباطاً وفي نيسان أبريل قتل الإرهاب 44 مصرياً في تفجيرين انتحاريين في كنيستين في طنطا والإسكندرية وكانت فاتحة هذا العام استشهاد 8 من أفراد الشرطة في هجوم شنّه الإرهاب على نقطة تفتيش.

ـ ما ذكرته الدراسة التي أجرتها جامعة ميرلاند الأميركية وقالت فيها إنّ العام 2016 شهد أكثر من 108 تفجيرات إرهابية حصل 87 في المئة منها في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وقد تصدّر العراق هذه القائمة عدا تفجير الكرادة.

ـ عملية التفجير الإرهابية بتاريخ 21 آذار مارس في دمشق والتي أسفرت عن استشهاد العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي وبالاضافة إلى مكانته الدينية، كان متخصِّصاً في العلوم الإسلامية ومن المرجعيات الدينية الهامة على مستوى العالم الإسلامي وهو صاحب فكر موسوعي وقد ترك نحو 60 كتاباً.

ـ بعض التفجيرات التي استهدفت العراق، خصوصاً العاصمة العراقية بغداد خلال العام 2016 وقبلها بسنوات وآخرها عمليات التفجير في الشرطة الرابعة و أبو بشير في 24 آب من العام الحالي وقبلها جريمة التفجير في منطقة بغداد الجديدة، وتفجير أحد الانغماسيين لنفسه وسط مجلس للعزاء في منطقة الحاميات، والتفجيران الإرهابيان بسيارات مفخخة الذين استهدفا مدنيين في بغداد في شهر تشرين الأول من العام 2014 والتفجيران الإرهابيان في تموز يوليو 2014 في شارع السعدون وسط بغداد وقرب مدينة الكاظمية وقبلها التفجير الإرهابي على نقطة تفتيش أمنية في الكاظمية ـ بغداد في نيسان 2014.

ـ في كلّ الحالات لا يمكن لي على الأقلّ وحدي احتساب جرائم الإرهاب ولست بصدد ذلك ولكنني بصدد استعراض بعض أساليب هذا الإرهاب ومقاربته مع مثيلاتها «الإسرائيلية» ونتائجه:

أولاً: فقد أدّى الإرهاب «الإسرائيلي» قبل إعلان الكيان الصهيوني إلى تشريد الشعب الفلسطيني من أرض وطنه وتأهيل الرأي العام الدولي للقبول بشعار: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ! ونفس الممارسات الإرهابية أدّت إلى هجرة الملايين من أبناء سورية والعراق وإلى سيادة القلق في بعض منطقة الحدود الشرقية للبنان وتماسها، كما أنّ الإرهاب الجوي بالترافق مع التفجيرات وحصار الموانئ الجوية والبحرية والبرية لليمن أدّى إلى تحويل كلّ اليمن وكلّ ما يتصل بالحياة فوق الأرض إلى هدف وصندوق مغلق للموت قصفاً أو قنصاً من الجو وأهدافاً للعمليات البرية والحربية، إضافة إلى تقنين إدخال المواد الإغاثية أو الطبية.

ـ ما تقدم كان «تعليمة إسرائيلية» تستعمل الإرهاب وسياسة الأرض المحروقة لإفزاع الناس وتهجيرهم.

ـ ثانياً: فشل مخطط إيقاع الفتن وتحويل الحروب المحلية إلى حرب مذهبية إقليمية بين محور سني بقيادة تركيا ومحور شيعي بقيادة إيران، ورغم الموت الكثير الذي أحدثه الإرهاب فشل مخطط ضرب النسيج الوطني والتعايش بين مكونات الشعب العراقي بسبب حكمة المرجعية العليا للطائفة الشيعية وتوجيهها للأمور وقطعها لدابر الفتنة ومخطط تقسيم العراق وتهديد الأكراد بالانسلاخ عن الدولة الأم أو الفدرلة أو إحلال الكونفدرالية وتقسيم سورية وإيجاد أسس وأرضية لذلك عبر إيقاظ المشاعر المذهبية السنية ـ العلوية ـ الدرزية وقبل ذلك التأسيس لفتن طائفية ورغم إطالة عمر الأزمة ونجاح مخطط التهجير الراهن للملايين من أبناء الشعب السوري، فقد لعب مفتي سورية الشيخ بدرالدين حسون والشيخ الشهيد البوطي ومراجع الطائفتين الدرزية والعلوية ومطارنة الطوائف المسيحية ً لا يزال مصير اثنين من المطارنة غامضاً وهما: المطران يوحنا مطران حلب للسريان الأرثوكس والمطران بولس اليازجي مطران حلب الروم الأرثوذكس بعد أن اختطفتهما المنظمات الإرهابية . وعلى الصعيد المصري، فشل الإرهاب في إحداث شرخ بين الأقباط والأغلبية السنية، وذلك بسبب احتضان الأزهر الشريف لكلّ مكونات الشعب المصري وتزايد الثقة بالدولة وأدوارها الداخلية والخارجية.

ثالثاً: أعطى الإرهاب في سورية أسباباً لإبراز إسقاط الدولة المركزية في سورية باعتبارها مقاتلة للإرهاب ، فقد نجح الجيش السوري وحلفاؤه في تحرير مساحات كبرى أكثر من 92 في المئة من مساحة سورية حسب الإعلان الروسي بينها العواصم الإقليمية: حمص وحلب ودير الزور والبوكمال ووضع عواصم إقليمية أخرى الرقة وحماة وإدلب على مرمى النار وقوات قسد وتراجع الإرهاب وتحول من الهجوم إلى الدفاع وكذلك تراجع جغرافي أمام ضغط النار الروسية وقواته الرديفة والحليفة وبالتالي الاختفاء والذوبان في الصحراء وجبال صحراء تدمر والإبقاء على مشكلتين: الأولى التدخل العسكري التركي والثانية نشر القواعد العسكرية الأميركية وتغطية وحماية معسكرات لقوات المعارضة المسلحة وتحرير العراق بالكامل عبر عمليات مشتركة بين الجيش والحشد الشعبي والوصول إلى الحدود المشتركة بين العراق وسورية.

رابعاً: إسقاط مشروع التفتيت وتقسيم المقسم والكونفيدراليات لصالح مشاريع وحدة الأرص والشعب والمؤسّسات، كما في تجربة لبنان بعد حرب أهلية طويلة وفي بعض الحالات على فيدراليات مثل الأبعاد المستترة لمناطق خفض توتر كما في سورية والحكم الذاتي في أقاليم كما كردستان في العراق .

خامساً: عودة الاتصال البري بين العراق وسورية وما سيجنيه البلدان والمنطقة من العائد التجاري والاقتصادي وعملية إعادة إعمار سورية وما أصاب بعض مدن العراق من دمار.

سادساً: إنّ أحد الأبعاد الاقتصادية للإرهاب هو إتاحة الفرص للاستثمارات «الإسرائيلية» في كلّ الاتجاهات: ففي العراق تقول بعض المصادر إنّ تجاراً يهود اشتروا أراضي بين منطقتي تلعفر والموصل والهدف الرسمي «الإسرائيلي» هو فتح ممرّ هامّ شمالي العراق يمثل طريقاً تاريخياً يمتدّ من الموصل حتى الحدود السورية عبر تلعفر وتقول المعلومات عينها إنّ هناك مشروعاً لتوطين 150 عائلة «إسرائيلية» والخطة تقضي برفع عدد المستوطنين إلى 15000.

سابعاً: الانتصارات التي حققها لبنان، بداية في معركة مخيم نهر البارد التي خاضها الجيش اللبناني لمنع إقامة مناطق ارتكاز مسلحة للإرهاب، وعملية الجيش لإخراج جماعة الشيخ أحمد الأسير من الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة صيدا والعملية التي جرت لإخراج الإرهاب من منطقة الحدود المحاذية لأرياف الهرمل القصيْر ، والمعركة على الحدود الشرقية التي خاضها الجيش بعنوان: فجر الجرود في المقلب اللبناني للحدود بينما جرت عملية مقابلة على المقلب السوري من الحدود.

الإرهاب طريق يؤدّي إلى التوطين

ـ الآن تتركز الحرب الإرهابية على مصر وتحديداً في سيناء وذلك بهدف إحلال مشروع التوطين والذي كان الكلام الأخير حوله ما صدر عن جيلا غامليئيل وزيرة المساواة الاجتماعية «الإسرائيلية»! والتي دعت إلى توطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء وهي ربما تكون التصريحات العلنية الأوقح في إطار هذا المخطّط. وتمثل هذه التصريحات مستوى متقدّماً من التسويق للمخطط، ولا سيما بعدما تقدّم ر ئيس مجلس الأمن القومي «الإسرائيلي» غيورا إيلاند بخطة واضحة في هذا الشأن أمام مؤتمر عُقِد في هرتسيليا عام 2004 مقترحاً التوصل إلى اتفاق «إسرائيلي» ـ فلسطيني ـ مصري ارتكز المشروع على موافقة نظام مرسي يتضمّن جعل مصر تتنازل عن أراضٍ في سيناء محاذية لقطاع غزة لتوطين الفلسطينيّين مقابل أن تتنازل «إسرائيل» عن 200 كلم في صحراء النقب لإقامة جيب مصري يمتد عبر نفق يربط بين مصر والأردن.

وهذه المخططات ترفضها مصر بشدة وحتى اتفاقية كامب دايفيد لا تتبنّى مثل تلك الحلول.

ويشير الأرشيف المتصل بمخطط التوطين د. حسين أبوالنمل ـ دراسة منشورة في نيسان/أبريل 1978 إلى أنه بعد قيام الثورة في مصر واستقرار الحكم نسبياً استؤنفت المحاولات التي كانت قد بدأت قبل ذلك لتوطينهم وهو ما يشير إلى أنّ المشاريع المطروحة بهذا الخصوص اتسمت في مرحلة 1952 – 1955 بطابع ٍأكثر تنظيماً وعمقاً.

ففي تشرين الأول أكتوبر 1953 وتحت ستار مشاريع لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين طلبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين من الحكومة المصرية أراض ٍلإجراء اختبارات من أجل التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين شريطة أن تقدم الحكومة المصرية 1 في المئة من حجم مياه النيل لري هذه الأرض البالغ مساحتها حسب الاتفاق مع الحكومة نحو 230 ألف فدان من الأراضي الصحراوية لمدة 25 عاماً للوكالة الحقّ بانتقاء 50 ألف فدان منهم من أجل عمليات التطوير .

استغرقت الأعمال في هذا المشروع نحو ثلاث سنوات، وقدمت اللجنة المسؤولة تقارير إلى الإدارة المصرية وإلى مدير الأونروا الذي خططت إدارته لإسكان نحو59500 لاجئ يشكلون 12200 أسرة منها 10000 أسرة زراعية و1750 أسرة خدمات و700 أسرة بالقطاع الثانوي، وأخذت هذه الإدارة الدولية فرصة 10 سنوات لتوطين الأسر مع منح المشروع إمكانية زيادة عدد الأسر لتصل عند الانتهاء من أعمال المشروع إلى 85000 ألف نسمة وقد أوقفت الحكومة المصرية العمل في المشروع بعد ثلاث سنوات من إطلاقه، بعد أن علمت بالأبعاد الخطيرة له وبعد احتجاجات الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة ورفع أصواتهم مطالبين بإلغاء مشروع التوطين فوراً وجملة مطالب أخرى تتصل بتعزيز المقاومة وتسليحها.

وقد ورد الحديث عن مشروع التوطين في إطار مشروع جونسون لتعمير شمال سيناء وتوطين الفلسطينيين فيها، كما ورد المشروع بعد حرب 1967 في ما سمّي مشروع آلون الذي دعا إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء سواء قبل المصريون أم لا. سبق آلون إلى إشعال فكرة هذا المشروع عام 1971 آرييل شارون قائد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة آنذاك الذي عاد إلى إطلاق مشروع التوطين في شمال سيناء تحت ستار تخفيف الكثافة السكانية في غزة وقد قوبل المشروع، بالتأكيد، برفض الفلسطينيين ومقاومتهم واحتجاجاتهم الدائمة التي لم تنفع معها كل المحاولات «الإسرائيلية» لوقفها بما فيها إعادة رسم القطاع وتقطيعه وتحويله إلى جماعات سكانية متنافرة، الأمر الذي أجبر شارون نفسه وقد أصبح وزيراً للحرب في الحكومة «الإسرائيلية» على اتخاذ قرارٍ بالانسحاب من القطاع واحتلاله من الخارج وشنّ حروبٍ ممنهجة لتدميره ودفع سكانه لمغادرته نحو سيناء في مصر وهو الأمر الذي تصدّت له السلطة والمقاومة في غزة وأغلقت السلطات المصرية الحدود والمعابر مع قطاع غزة، خوفاً من عدم عودة المغادرين بعد أن دمرت كرة النار البرية والجوية «الإسرائيلية» المبنى الذي يضمّ القيود الفلسطينية، بما يعني عدم تمكن الفلسطينيين من استصدار وثائق ثبوتية جديدة وهو الأمر الذي يترافق بالتوازي مع تجريد المقدسيين من هوياتهم على الحواجز العسكرية وإحراجهم بتكثيف الممارسات القمعية والضغوط عليهم وحملات الاعتقال لدفعهم إلى مغادرة القدس وإحباط مطالبتهم بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية وتزنير المدينة بالأطواق الاستطانية وقضم أحيائها وتهويدها وصولاً إلى ترسيم مشروع تلفريك فوقها.

في التمهيد للمشروع هدم شارون آلاف المنازل في غزة والقطاع ومخيماته وجاءت الحروب «الإسرائيلية» على القطاع المحاصر بالنار لتدمر وتصيب آلاف المنازل بالأضرار للدفع إلى الأمام بمخطط إجلاء السكان نحو سيناء وهو الأمر الذي قابله الغزاويون بالصمود في أرضهم بأي طريقة من فوقها وتحتها رغم قطع الطريق على الخطط والإعلانات العربية عن تقديم الدعم المادي لإعادة إعمار القطاع وعدم الفصل بين الخلاف السياسي والتنظيمي بين سلطة حماس في غزة والسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله وإعادة إعمار القطاع.

وفي سياق المشروع نفسه، عاد غيورا أيلاند مدير مجلس الأمن القومي منذ مطلع الألفية الثالثة عام 2004 إلى طرح مشروع تسوية مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية تقضي بتنازل مصر عن أراضٍ في سيناء محاذية للقطاع بمساحة 600 كلم لتوطين الفلسطينيين وبالمقابل «تتنازل إسرائيل»!! عن 200 كلم من صحراء النقب شمال غرب مدينة إيلات لإقامة جيب مصري يمتد عبر نفق يربط بين مصر والأردن كما أشرنا في مكان سابق وإعادة إنشاء خط السكك الحديدية القديم وهو الأمر الذي يشكل عائداً اقتصادياً كبيرا ًإذ أنه لا يربط بين مصر والأردن والضفة وغزة وإنما يربط بين أفريقيا وآسيا وحتى تصبح الخطة أكثر إغراء فإنها تُمَكِّن الأردن من الحصول على منفذ على البحر المتوسط عبر النفق الذي يتيح للأردن كذلك للعراق الوصول إلى مصر وميناء غزة ويتيح للسلطة الفلسطينية الحصول على مساحة الضفة عدا التجمعات الاستيطانية وامتداداته إلا أنّ المشروع لم تكتب له الحياة

ولم يكن غيورا أيلاند وحده من طرح هكذا مشروع بل إنّ مؤتمر هرتسيليا بين 14-16 كانون الأول ديسمبر تحوّل إلى منبر أطلق من خلاله القادة «الإسرائيليون» ما في مكنونات نفوسهم وظهرت في طيات لسانهم المخططات النائمة لتوطين الفلسطينيين واعتبروا أنّ حجر الزاوية في أيّ حلّ هو توطين المسألة الفلسطينية وقد تصدّر الوزير «الإسرائيلي» سيلفان شالوم المنبر ليعتبر أنّ المشكلة تكمن في مطالبة الفلسطينيين بـ العودة وقد تباهى رئيس الحكومة أرييل شارون بأنه توافق مع الإدارة الأميركية على إسقاط حق عودة اللاجئين، فيما طالب نتنياهو وزير المالية آنذاك بتفكيك المخيمات، كما أنّ الإدارات الحكومية «الإسرائيلية» اتخذت مبادرة لتنفيذ مخطط التوطين حيث كشف مدير عام وزارة الخارجية رون بروسور لإذاعة الجيش «الإسرائيلي» في 5/12/2004 أنّ وزارته تعدّ مشروعاً للتوطين في الضفة الغربية وقطاع غزة إشارة إلى مصر ثم سورية ولبنان وقد قام وزير الخارجية سيلفان شالوم بتحركات لتمويل المشروع لدى البنك الدولي والدول المانحة.

ولم تتوانَ «إسرائيل» عن دفعها بمشروع التوطين في سيناء، كما أنّ أوساطاً أكاديمية «إسرائيلية» طرحت تصوراً لتسوية ثلاثية مع مصر والأردن وسورية تشمل تبادلاً للأراضي بين صحاري سيناء والنقب، وكذلك تعويض سورية عن أراض ٍ في الجولان بتنازل الأردن لسورية عن 300 كلم 2 وإقامة طريق بري يربط بين مصر والأردن والعراق وسورية وتكون «إسرائيل» فيه نقطة المركز بما يمكِّنها من التحكُّم بصورة الحركة عليه وبالعائد الاقتصادي منه وقد وقف شارون خلف هذا التصور وسوَّقه لدى مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليزا رايس وهي، بدورها، قدمت إلى الإدارة الأميركية تقريراً مرفقاً بخريطة المشروع الذي تضمّن شطب حقّ العودة مقابل التوطين والتعويض.

لقد جرى في إطار المشروع طرح تشكيل لجنة للدخول في مفاوضات مع مصر لإرغامها على التنازل عن مساحة تصل إلى 1600 كلم2 من سيناء وضمّها إلى قطاع غزة لتكون مكاناً للتوطين والدولة الفلسطينية.

إنّ مصر تشكل الأساس في التصدي لمشروع كهذا إذ أنه جرى التمهيد للمشروع في الأردن عبر حرب أيلول عام 1970 وقانون المواطنة وجرى التمهيد في سورية عبر دمج الفلسطينيين في حياة المجتمع والدولة وتحويل الإرهاب لمخيمات دمشق اليرموك وحلب حندارت إلى ركام عبر تحويلها إلى محاور لقتال السلطة. وفي لبنان، جرى مسح مخيم النبطية بالغارات الجوية «الإسرائيلية» ومخيمي صبرا وشاتيلا بواسطة الميليشيات التابعة لـ»إسرائيل» وعناصر «القوات اللبنانية»، ومخيم ضبيه عبر دمج سكانه المسيحيين في المجتمع الخاضع لسيطرة القوات اللبنانية التي سبق لها في عام 1976 أن دمرت مخيم تل الزعتر . وحوّل الإرهاب مخيم نهر البارد في ضاحية طرابلس إلى ساحة حرب ما أدى إلى تدميره، واليوم فإنّ الأدوار الإرهابية تتركز على مخيم عين الحلوة لتهدّد الطريق الرابط بين بيروت والجنوب، ما يعني عسكرياً تهديد طريق الجيش والمقاومة والقوات الدولية التي كانت هدفاً لعدة عمليات إرهابية في القطاع الشرقي ذهب ضحيتها عدد من أفراد القوة الإسبانية وعلى الطريق الدولية بين مدخل مدينتي صيدا وبيروت وفي منطقة القاسمية التي تربط بين عمق الجنوب وصيدا على امتدادات وعمق ضفتي الليطاني وبين مدينتي صور وصيدا.

إذاً الإرهاب هو الطريق المؤدي إلى التوطين وزيادة الاستيطان وهذا ما تعنيه العملية الإرهابية في مصر المماثلة للعمليات الإرهابية «الإسرائيلية» التي حققت النكبة وبعدها المجازر التي وقعت في لبنان مترافقة مع الاجتياجات «الإسرائيلية» والمستوطنات في الجولان والدفع باتجاه الإفراج عن السلام السوري مقابل اتفاقية صلح والتنازل عن الجولان مقابل مساحة من الأراضي الأردنية كما تشير المخططات «الإسرائيلية» وفدرلة سورية ولبنان وجمع الضفة الغربية إلى الشرقية في مملكة موحدة وإخضاعهما لجيش واحد وبرلمانين.

إنّ ما يتوجب الانتباه إليه الآن، وفي هذه اللحظة السياسية وبعد إعلان هزيمة «داعش» في العراق واستمرار العمليات لاستكمال هزيمته في سورية، هو محاولة تركيز الحرب على مصر بصفة خاصة وعلى ليبيا والجوار الليبي إذ إنه ليس من قبيل الصدفة تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل نحو أسبوعين والذي كشف فيه أنّ «دواعش» الرقة أرسلوا إلى مصر لاستخدامهم هناك في صحراء سيناء.. ورغم أنّ أردوغان لم يكشف المزيد من التفاصيل واتهم دولاً أخرى بالتحالف مع الإرهابيين، إلا أنّ معلومات من مصر كشفت النقاب عن أنّ «الدواعش» يتم نقلهم من سورية إلى تركيا ومن ثم إلى قبل التركية جواً إلى أو بحرا إلى قبرص التركية، ثم إلى ليبيا فالجوار الليبي وتحديداً مصر ويمكن الاعتقاد أنّ أعداداً من الإرهابيين تنتقل إلى فلسطين المحتلة والأردن بإشراف وحماية من التحالف الأميركي وبالتالي يتم ضخهم إلى سيناء المصرية بواسطة «إسرائيل».

إنّ التمسك بحل عادل وشامل في الشرق الأوسط يرتكز فلسطينياً على حقّ العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وإدانة الاستيطان ووقفه، كما يؤكد على قرار مجلس الأمن 2234 وقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338، وبما يخصّ لبنان فإنّ استكمال تنفيذ القرارين الدوليين 425 و1701 هو ما يعيد الأمور إلى نصابها. وأردّد في الختام، وكلي أمل وثقة أنه لا يمكن وضع نهاية للتاريخ وإعادة كتابة الجغرافيا بما يتناسب مع أي مشروع وقد أثبت الشرق دائماً أنه يعود فينتصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى