أزمات الخليج قنبلة موقوتة… متى يفجّرها ابن زايد؟

رضا حرب

اتفق فقهاء السياسة على إعطاء السياسة بشقيها الدبلوماسية والحرب تعريفاً موحداً هو «فنّ الممكن» فهل يمكن بهذا الفن تحقيق اللاممكن في زمنٍ اللاممكن؟ وهل يميّز الواهم بين الممكن واللاممكن؟

لم يعد خافياً على احد انّ استراتيجية محمد بن زايد تقوم على صناعة الأزمات والحروب لتحقيق أهداف يستحيل تحقيقها في ظروف طبيعية أو غير طبيعية، ولكن بما انّ التعنّت والعنجهية والغطرسة والهروب من الواقع والتمترس خلف الأوهام من أبرز خصال الطغاة، أتى قرار التصعيد في الأزمات في مجلس التعاون الخليجي ولو أصبحت المعادلة 3 ضدّ 3. ومع أنه من الصعب جداً الجزم بالخطوات التي يمكن ان يخطوها ابن زايد في المرحلة القادمة، لكن «التصعيد التدريجي» كان واضحاً في المرحلة الماضية. الأشهر القليلة الماضية أظهرت مؤشرين اثنين عن نوايا «دول الخوف» بقيادة محمد بن زايد التصعيد على أكثر من جبهة ليحوّل الوضع العام في منطقة الخليج الى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في ايّ لحظة.

المؤشر الأول، التصعيد مع قطر: جاء مؤتمر البحرين في 30 حزيران/ يونيو 2018 «حكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر: التاريخ والسيادة»، ليشكل نقطة تحوّل حادة في الأزمة الخليجية مع قطر حيث استعرض عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة الحقوق التاريخية لآل خليفة في حكم شبه جزيرة قطر. في كلمته الافتتاحية أكد عدم اعتراف أل خليفة بحكم آل ثاني لدولة قطر لأنها «تشكل جزءاً أصيلاً من أراضي المملكة، وهي حقوق تاريخية وشرعية موثقة من كيان البحرين السيادي، حيث رسمت الحدود الجديدة جبراً بقوة إسناد أجنبية، للاستحواذ على منابع الطاقة». المؤتمر يعطي إجابة وافية للتساؤل حول حماسة البحرين الذهاب الى الخيار العسكري في إسقاط حكم آل ثاني. ملك البحرين يريد ضمّ قطر لتكون جزءاً من المملكة وابن زايد يريدها الإمارة الثامنة في الاتحاد كان حلم مؤسس الإمارات زايد بن سلطان .

المؤشر الثاني يتعلق بتوسيع محمد بن زايد خصوماته حتى وضع عُمان على قائمة الدول المستهدفة، فأوعز الى سفيره في واشنطن يوسف العتيبة التحريض على مسقط بسبب علاقتها المميّزة مع «أنصار الله» في اليمن، وبسبب علاقاتها الممتازة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وانتقاماً منها على دورها في عقد المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وإيران التي يمكن القول إنها أذابت بعض الجليد وسهّلت التوصل الى الاتفاق النووي مع 5+1. ومن المعروف عن سلطنة عُمان انها تنتهج سياسة محايدة على المستويين الإقليمي والدولي، وتنأى بنفسها عن الأزمات والصراعات في المنطقة، بل وأكثر من ذلك. في كثير من الأحيان يتحرك سيد الدبلوماسية العُمانية يوسف بن علوي بسرية تامة لحلّ الأزمة او على الأقلّ نزع فتيل التفجير. هذه الدبلوماسية الفاعلة ليوسف بن علوي لا تتناسب مع استراتيجية وأهداف حاكم الإمارات الفعلي التخريبية. ووفقاً لمصدر مطلع كان ابن زايد منزعجاً جداً من قرار مسقط بالحياد في الأزمة مع قطر، وكان منزعجاً اكثر لدرجة التهديد والوعيد بسبب الدور الذي لعبته في المفاوضات النووية السرية. محمد بن زايد لا يريد دولاً خليجية محايدة، بل شركاء في تنفيذ القرار وليس في صناعة القرار. منذ فترة غير بعيدة يدفع باتجاه البحث عن مبرّرات لخلق أزمة حدودية مع عُمان، لكن لأنّ الحقائق التاريخية لا تساعده في تحقيق طموحاته التوسعية لجأ الى الأسلوب المفضل لديه وهو التخريب. السلطات العُمانية وضعت يدها على وثائق وتسجيلات تثبت تورّط الإمارات في تحريض أهالي منطقة «مسندم» العُمانية للانفصال والانضمام الى دولة الإمارات للأهمية الاستراتيجية لميناء خصب. كما قام بمساع حثيثة لتأزيم العلاقات التاريخية بين عُمان وأهالي محافظة المهرة محافظة يمنية على الحدود الجنوبية للسلطنة للسيطرة عليها لأهميتها في سباق مع السعودية التي تعمل هي أيضاً على تجنّب مضيق هرمز. هذا الأمر بالغ الأهمية لابن زايد، فبدونه تبقى الإمارات أسيرة مضيق هرمز، بمعنى انّ المكاسب تستحق التكاليف والمخاطرة. وعندما تراءى له انّ «الطبخة» قد استوت لجأ الى واشنطن للتحريض على عُمان عسى ان يجد آذاناً صاغية.

ينبغي الانتباه الى نقطة لها أهميتها لفهم ما يجري في منطقة الخليج. الإمارات لا تملك من الثقل أو الأهمية الجيوسياسية، وموقعها الجغرافي لا يعطيها ايّ أهمية ولا يجعلها دولة مؤثرة، باستثناء ما يفرضه الوضع الراهن لقربها من إيران ومضيق هرمز. بمعنى آخر، في الوضع الطبيعي، موقعها الجغرافي لا يمنحها ايّ أهمية استثنائية ولا يؤهّلها لأن تلعب دوراً مؤثراً على المستوى الإقليمي. رؤية الولايات المتحدة الاستراتيجية لدور أبو ظبي الاقليمي تختلف عن رؤية ابن زايد وطموحاته الإقليمية، وهنا تكمن المعضلة الكبرى. باستثناء الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة لا تحتاج إلى حلفاء او شركاء، تريد دولاً عميلة تلعب دور «الوكيل» في التخريب وفي صناعة الأزمات وتمويل الإرهاب. لإحداث انقلاب في الرؤية الأميركية خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ بها مجلس التعاون الخليجي، قمة اهتمامات ابن زايد يكون صاحب القوة السياسية الأولى في المنظومة لإزاحة السعودية عن القيادة كما فعلها في اليمن، لصرفها عند الأميركي والإسرائيلي ليثبت لهما انه قادر على القيادة الإقليمية بديلاً عن السعودية، لا سيما انّ حليفه ابن سلمان مشغول بملاحقة خصومه ومعارضيه، وربما تكون السعودية مقبلة على وضع غير مستقرّ يطول أمده، تتفكّ وتتحلّل المنظومة نتيجة لغياب دولة مركزية قوية تقود المنظومة. ومع ذلك، يعيش حالة فوبيا متقدمة – الخوف من سقوط محمد بن سلمان وصعود ملك معاد للإمارات وقد بات معروفاً للجميع انّ ابن زايد يقدّم لابن سلمان نصائح وفق حساباته وطموحاته الشخصية والمصالح الإماراتية – نصائح ملغومة، او يثبت ابن سلمان حكمه ويسترجع قيادة المنظومة الخليجية المفككة. في الحالتين محمد بن زايد خاسر، فمن المرجح جداً ان يذهب الى تفجير الأزمة مع قطر وعُمان ليفرض نفسه على الأميركي و»الاسرائيلي» كما فرضوها في اليمن، هكذا يظنّ. وحتى لا يبدو الامر ملحاً من المحتمل ان يلجأ الى التصعيد التدريجي وفي نفس الوقت يرفع مستوى التحريض وتكثيف الاتصالات مع الولايات المتحدة و»إسرائيل» قائلاً: «انا ابنكم وليس ابن سلمان».

عندما قرّر تحالف «الإجرام» العربي بقيادة السعودية الذهاب الى الحرب على اليمن من دون ان يعطوا الدبلوماسية فرصة، ظنّ محمد بن زايد انّ الخلل في توازن القوى خلق وضعاً ملائماً ومناسباً لتحقيق أهدافه وطموحاته – الممكن في زمن الممكن، إلا انه لم يحقق سوى الفشل واتهامات موثقة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات مرعبة لحقوق الإنسان. فهل يظنّ انه قادر على تحقيق أهدافه وطموحاته في ظلّ التوازن الجديد الذي فرضته انتصارات محور المقاومة… هذه أوهام واهم لا يميّز بين الممكن واللاممكن.

المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى