استعادة الوعي الوطني

تركي حسن

لا شك في أنّ سهاماً أصابت الوعي الوطني لطيف من السوريين عبر الحرب الشاملة المتعددة الجانب والشكل، والتي استخدم فيها أحدث ما أنتجته مراكز الدراسات والأبحاث والاستخبارات وعلم النفس الفردي والجمعي، عسكرياً وأمنياً، بالإضافة إلى الأوجه الاقتصادية والإعلامية والنفسية، والأهم الفكرية والثقافية.

اختطف وعي قسم من السوريين عبر تزييف وعيهم وتطييف التاريخ، في سياق ما يُسمى بـ«الثورة السورية»، إذ لم تعد المبادئ والشعارات الوطنية والقومية صالحة كرافعة لـ«ثورتهم» المزعومة. وبدأ التركيز في وسائل الإعلام المختلفة مرئية، مقروءة، مسموعة، إلكترونية على الطائفية والمذهبية، وتقسيم المجتمع السوري على أسس متنافرة بل متناقضة ومتصارعة، واستُحضر التاريخ بجميع صراعاته وصفحاته السوداء من حرب الجمل والفتنة الكبرى، ونهاوند وصفين، وأصبحت مسميات التشكيلات الإرهابية والشعارات المرفوعة تستلهم مسمياتها من هذه الصفحات السوداء في تاريخنا التي قُسّمنا فيها واصّطرعنا خلالها بين «عربي ـ مجوسي» و«عربي فارسي» و«عربي ـ كردي» و«سني ـ شيعي» و«سني ـ علوي» ومسلم ـ مسيحي»، إلخ. واستُحضرت فتاوى من الكتب الصفراء على لسان رموز دينية، وتسابقت وسائل إعلام علمانية ودينية متطرفة في عرض ذلك.

كما نزلت رموز إعلامية في مراحل سابقة ببرامجها إلى الدرك الأسفل من السفاهة ودس السم في عقول السوريين وغير السوريين، وأصبحت قنوات مشهورة ذات صدقية تردد عناوين واحدة، كأنك تشاهد وتسمع قناة واحدة لا تختلف عن القنوات المتطرفة.

خاض الإعلام الوطني والصديق أفراداً وهيئات ـ على قلّته ـ معارك غير متكافئة في الحرب على الوعي، ورغم بعض النجاح لحلف العدوان في تزييف الحقائق وتطييف الأزمة،وخطف قسم من الشباب الذي في طبيعته التمرّد والاندفاع والذي وقع ضحية الإعلام والأموال والسلاح والمخدرات والجنس فخرج يحمل السلاح يقتل ويدمر البنى التحتية ويحرق ويغتصب مؤمناً بأنه على «صواب»! في حين كان كبار المتآمرين يدركون ما يفعلون، وتسابق من رسمناهم في أذهاننا من المثقفين كأصنام للانخراط في هذا الهجوم على العقول والتسويق لفكرة مسؤولية النظام في التمويل والتسليح والخطاب الطائفي عبر المسائل الآتية:

أولاً – انكار الطائفية، بل اعتبارها منتجاً للنظام، وما يحصل من حوادث طائفية حالة موقتة ستسقط بعد «سقوط نظام الأسد»!

ثانياً – تبرير الممارسات الإرهابية والفعل الطائفي على أنها ردود فعل على تدخل الفرس والمجوس وحزب الله، والتي ظهرت منذ الأيام الأولى في درعا.

ثالثاً – تبسيط العامل الطائفي واستسهاله والتبشير بزواله «بعد سقوط النظام»، والإدعاء بقيام ثورة مضادة له في ما بعد تدعو إلى الحرية والديمقراطية والشعب السوري الواحد.

رابعاً – محاولة زرع فكرة أن ما حصل هو أزمة محض داخليّة، أدت إلى خروج المواطنين بقضايا مطلبيّة وسياسية محقة بعيداً عن التأثير الخارجي والمشاريع المعدة مسبقاً وتحميل النظام المسؤولية بعدم الاستجابة لها.

خامساً – محاولة تحويل مكوّنات النسيج الاجتماعي السوريّ إلى مكوّنات سياسية لتخرج من المجال الخاص الضيّق إلى المجال العام الواسع وتتنافس في هوياتها مع هوية الدولة الوطنية. وبذلك تشكل مشروعاً مستقبلياً متفجراً بشكل دائم وتكوّن فيه الطائفة جسماً سياسياً داخل الجسم الوطني مثلما هو في لبنان والعراق الآن.

سادساً – تحوّل الدول الداعية إلى إسقاط الدولة السورية إلى دعاة للطائفية ومزورين للتاريخ والحقائق مثل وزير خارجية فرنسا في مجلس الأمن والمسؤولين الأتراك وآخرين.

إذا كانت الأسطر السابقة قراءة تشخيصية، فالسؤال الواجب علينا: كيف يتحقق الوعي؟

أعتقد بادئ ذي بدء أنّ محاولة إظهار أننا جميعاً في مرحلة اللاوعي الوطني خطأ فادح وقاتل، وتظهر صحة ذلك في عدم استطاعة حلف العدوان – رغم كثرة مكوّناته وكمية المال الذي أنفق والإعلام الذي سُخّر واستثمار رجال الدين كمطيّة – من تحقيق أهدافه في إسقاط الدولة. فمن صمد لأكثر من ثلاثة أعوام في مواجهة العدوان كان يمتلك وعياً وطنياً وإيماناً كاملاً بوطنه. ورغم النجاح الجزئي لحلف العدوان عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً والتهشيم الجزئي للبنية الفكرية والثقافية للمجتمع السوري إلاّ أن الدولة لا تزال تؤدي دورها الكامل، والجيش يحقق النجاحات على كامل الأرض السورية، وشعبنا بأكثريته يقف مع جيشه وقيادته،

وأجد أن تحقق الوعي سيمرّ في مراحل سواءً أكان فردياً أو جمعياً، وهي:

أ ـ مرحلة اللاوعي.

ب ـ مرحلة الإحساس.

ج ـ مرحلة الإدراك.

د ـ مرحلة المسؤولية.

هـ ـ مرحلة العمل.

تراجعت مرحلة اللاوعي وبدأ الناس يحسون ويدركون بعدما لمسوا حجم المؤامرة وكيف استغلوا في مشروع لتدمير بلدهم فانتقلوا بأغلبية ساحقة لاستعادة الوعي والعودة إلى كنف الدولة.

بلى، قسم ممن خرج، بدأ يشعر بما جرى على الأرض، وآخر أدرك فبدأ ينتقل إلى البحث عن المعرفة الكاملة. ويتحوّل ذلك إلى عمل، وبجب أن نقر بأن القسم الأكبر لم يغادر الوعي الوطني.

ما التسويات في بعض المناطق مصالحات وطلب المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب من الدولة الإسراع في إنقاذهم بدخول القوات المسلحة مناطقهم إلاّ تعبيراً عن التحوّل الكبير في انتهاء ظاهرة البيئة الحاضنة للإرهاب نتيجة الوعي الوطني المتشكل، وعبر جهود حثيثة بذلتها الدولة والوطنيون في مواقعهم، وما بذله الإعلام الوطني والصديق كأفراد وجماعات.

أعتبر أنّ المسؤوليات الوطنية تحتم علينا طرح مشروع «ثقافي فكري» تشارك فيه الدولة ممثلة بوزارات التربية والتعليم العالي والإعلام والثقافة والأوقاف والشؤون الاجتماعية والاقتصاد وهيئة تخطيط الدولة مع الأحزاب والمنظمات والنقابات وجمعيات المجتمع الأهلي، تحدّد فيه مفاهيم المواطنة والوطنيّة وكيفية محاربة الفكر المتطرّف الذي كان أساساً في اختطاف ابنائنا، لأن المعركه في قسم كبير منها معركة فكر.

باحث في الأمور الاستراتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى