أولى

الحروب الجديدة
إعلامية بامتياز !!

 د. محمد سيد أحمد

يعدّ الإعلام في العصر الحديث إحدى أهمّ أدوات تشكيل الوعي لدى الرأي العام، وعملية تشكيل الوعي بواسطة وسائل الإعلام ليست بريئة على الإطلاق، فدائماً ما تتحكم فيها مصالح القوى المسيطرة على هذه الوسائل سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية، وغالباً ما تنحرف هذه القوى بوظيفة الإعلام الرئيسية فبدلاً من أن تسعى إلى تشكيل وعي حقيقي للرأي العام من خلال تصوير الواقع كما هو عليه ونقل الحقائق والمعلومات بموضوعية وشفافية، فإنّ ما يحدث هو العكس حيث تسعى هذه القوى إلى تزييف وعي الرأي العام بحقيقة ما يحدث حوله سواء في مجتمعه أو إقليمه أو العالم.

وخلال المرحلة الأخيرة ظهر الدور الخطير للجنرال إعلام، حيث أصبح أحد أهمّ الأسلحة التي استخدمها المشروع الأميركي لتنفيذ مخطط تقسيم وتفتيت منطقتنا العربية في إطار ما عرف بالربيع العربي أو مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وتم استخدام الجنرال إعلام للتلاعب بأمن واستقرار المنطقة العربية. وخلال هذه الحرب سقطت سريعاً العديد من الاقطار العربية بفضل الجنرال إعلام الذي قام بتزييف وعي الجماهير وإيهامها بأن ما يحدث هو ثورة ستحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالطبع لم تجنِ هذه الجماهير أي مكاسب من تصديقها للجنرال إعلام بل فازت أميركا وكيانها الصهيوني فقط عبر التسع سنوات الماضية.

ومنذ قرّرت أميركا خوض حربها الجديدة الخبيثة في إطار ما يطلق عليه الجيل الرابع للحروب، قامت باستخدام الجنرال إعلام، حيث سعت لتزييف وعي الرأي العام العربي والعالمي وغسل الأدمغة من خلال الشاشات بأنّ ما يحدث داخل مجتمعاتنا هو ثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأنّ الهدف هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمعات العربية كي تلحق بقطار النهضة والتقدم، وزاد الإعلام في تضليله حين حاول تغييب الواقع الفعلي ورسم صورة وهمية لما يحدث على أرض الواقع، وبالطبع لم يتمكّن الإعلام الوطني ذو الامكانيات المحدودة  من مواجهة الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة وكشف زيفها وتضليلها بل قامت العديد من وسائل الاعلام الوطنية بالدوران في فلك الأعلام الأميركي الذي يهيمن عليه اللوبي الصهيوني ويضخ فيه مليارات الدولارات، ورغم مرور تسع سنوات على هذه المواجهة إلا أن الجنرال إعلام مازال يلعب دوره دون كلل أو ملل. وعلى الرغم من فشل المشروع في تحقيق بعض أهدافه في بعض الدول ونجاحه في دول أخرى، إلا أنه حتى اللحظة يسعى لتزييف وعي الجماهير بحقيقة ما يحدث على أرض الواقعوللأسف مازالت الجماهير العربية تسمع له وتشاهده وتصدقهخاصة على الساحات العربية التي مازالت مستهدفة لزعزعة أمنها واستقرارها بهدف الوصول لمرحلة تقسيمها وتفتيتها.

ولم يكتفِ الجنرال إعلام بوسائله التقليدية المتمثلة في الصحافة والإذاعة والتليفزيون بل قام بتطوير آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة، فاستحدث أسلحة جديدة تمثلت في ما يطلق عليه وسائل الإعلام الجديدة المرتبطة بالسلاح السحري الجديد المعروف بالشبكة العنكبوتيةالإنترنتحيث المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم اليوم وتويتر واليوتيوب وغيرها، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ليست عامة بل خاصة، حيث أصبح لكل مواطن وسيلته الإعلامية الخاصة، وعبر هذا الإعلام الجديد بدأت عمليات تزييف الوعي للمواطن العربي الشغوف بهذه الوسائل التكنولوجية الجديدة والتي يقضي عليها معظم وقته ولا يتركها طوال الوقت، ففي كل مكان وزمان تجده متمسكاً بجهازه السحري الذي يستقي منه كل معلوماته، حيث تتشكل رؤيته للعالم عبر هذا الجهاز السحري الصغير.

وأدرك العدو الأميركي أهمية الجنرال إعلام الجديد وتأكد من أنه قد نجح في ربط المواطن العربي بهذا الساحر الجديد فبدأ في إطلاق جيوشه الإلكترونية لتنشر بذور الفتنة داخل مجتمعاتنا. وبما أن طبيعة التربية والتعليم داخل مجتمعاتنا قائمة على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل والنقد، فإنّ أيّ معلومات تبث عبر وسائل الإعلام الجديد يتمّ التعامل معها على أنها حقائق مطلقة ومن هنا ينتصر الجنرال إعلام وجيوشه الإلكترونية على المواطن العربي.     

فالجنرال إعلام صنيعة أميركية، يجب أن نحترس منها وندرك دورها التدميري حيث تقوم بعملية تجريف للعقل الجمعي العربي. فالمعركة الجديدة بيننا وبين الغرب الاستعماري لاستمرار وتكريس تخلفنا قد تجاوزت الأسلحة التقليدية فلم يعد الاحتلال العسكري ممكناً في الألفية الثالثة، ولم يعد الاحتلال الاقتصادي وسيلة وحيدة قادرة على إخضاعنا وإذلالنا، ولم يعد الاحتلال الثقافي التقليدي كافياً بل تمّ تطوير أسلحته ومنها وسائل الإعلام الحديثة التي أصبحت جنرالاً أساسياً في ظلّ الجيل الرابع للحروب، وإنْ لم نلتفت للجنرال إعلام ونواجهه فعلى مجتمعاتنا العربية السلام. اللهمبلغتاللهمفاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى