نزار صابور: الفنان التشكيليّ السوريّ يقاوم الكارثة بالعمل والفن والجمال

كتب محمد سمير طحّان من دمشق ـ سانا : يعتبر التشكيلي نزار صابور أن الفن ليس هواية ولا احترافاً، إنما هو طريقة حياة يدخل جميع التفاصيل اليومية في حياة الفنان ويشاركه أحاسيسه وأفكاره التي تتشكل من خلال الهموم المحيطة، فاللوحة كانت ولا تزال له رفيقة الدرب.

يقول صابور: «لا أعتبر أن عملي اليوم مجرّد رسم، بل هو عمل يتطلب الكثير من التحضير وإنشاء الفكرة واختيار المواد المستخدمة، وهذا يستلزم وقتاً طويلاً من العمل، ثم تخرج اللوحة إلى الحياة في وقت قصير. مع مرور الزمن ينمو إحساس النقد الذاتي لدى الفنان، لذا هو دوماً في حالة عمل، بيد أن الإنتاج لا يتماشى مع كم الأفكار التي تدور في فكره، ما يجعله يشعر بحالة من الغنى وامتلاك القدرة على تقديم الجديد، منتقلاً من التأثير الآني للمحيط والحالة النفسية، إلى الإمساك بالأحاسيس العامة. شغلتني عدة مواضيع منذ بداية الأزمة عام 2011 فأنجزت مجموعة تحت عنوان «نعوات سورية» لجميع المكونات السورية، تلتها مجموعة تعتمد على الدوائر تحت عنوان «حصار» وتعكس الحصار التي نعانيه داخلياً وخارجياً. نفذت خلال الأزمة مجموعة من الكتب المجسمة بأفكار منوعة وعددها ثلاثون كتاباً، كل منها من سبع أوراق خشبية وذو مغلف واسم محدد. بعضها يشبه المذكرات اليومية تحت عنوان «يوميات الحب والحرب» ترافق معها عبارات مكتوبة مثل «قذائف الهاون في دمشق أكثر من عصافير الدوري» و»قذائف هاون على كلية العمارة… مات عدد من الطلاب… لماذا؟». وكتاب آخر عنوانه «رصاص» وضم عدداً كبيراً من الثقوب التي تمثل الرصاص الذي اخترق حياتنا ومستقبلنا، وعرضت هذه المجموعة في الكويت ثم في الأردن. أعمل منذ عام ونصف عام على مجموعة جديدة عنوانها «القلمون» وستعرض في آذار المقبل في دبي وفيها أعمال كثيرة عن معلولا وسواها حيث تبرز الصخور التي تمثل طبيعة هذه المنطقة».

عن تأثير الأزمة على الحركة التشكيلية السورية يرى صابور «أن الثقافة عامة كانت الحلقة الأضعف في المجتمع خلال هذه الأزمة، إذ لا تنتمي إلى قاعدة شعبية واسعة، في حين أن الدراما استطاعت المقاومة، معتمدة على رصيدها الشعبي بسبب انتمائها لجهاز إعلامي يدخل كل بيت»، مشيراً إلى أن الحركة التشكيلية تحتاج إلى سنين كي تستعيد حركة نهوضها التي شهدتها في السنوات العشرين قبل الأزمة، كما أن هجرة بعض التشكيليين وإغلاق معظم الصالات الفنية الخاصة حد من النشاطات التشكيلية. يضيف: «إن معظم الفنانين السوريين الذين بقوا في سورية ما زالوا يعملون وينتجون ويقاومون الأزمة بالعمل والفن والجمال وسيأتي يوم تخرج فيه هذه الأعمال المهمة إلى الناس وتثبت للعالم أن الفنان السوري أقوى من الحرب وأن ما ينتج من أعمال فنية داخل سورية راهناً لا يقل عما يقدمه الفنانون الذين هاجروا».

ويعتبر صابور، الدكتور في فلسفة علوم الفن، أن أي نشاط فني تشكيلي سوري في أي مكان من العالم هو مكسب واضافة للحركة التشكيلية السورية، ومن حق الفنان أن يختار المكان الذي يعمل فيه ويقدم أعماله منه، مشيراً إلى ظهور مجموعة من الفنانين غادروا سورية وحاولوا تسييس عملهم الفني، مدعومين بجهات خارجية، لكن إنتاجهم الفني كان هزيلاً ومتواضعاً.

لا يؤمن صابور بمبدأ الفن للفن، فهو يلتقي في عمله الفني مع مفهوم الفن المعاصر الذي يعبر عن الانعكاس اليومي للحياة، فالصورة الفوتوغرافية تغزو معظم الملتقيات الفنية العالمية لقدرتها الاستثنائية على التقاط اللحظة، ثم يأتي تدخل الفنان فيها ليمنحها القيمة الفنية، على حد تعبيره. ويرى أن لا هوية واضحة للفن التشكيلي السوري، فالإرث الفني السوري متعدد الوجه ولا كم كبيراً من الإنتاج التشكيلي. يقول: «نحن في حاجة إلى المزيد من التجارب والأبحاث وإلى كمّ أكبر من الأعمال لامتلاك ظاهرة تشكيلية سورية مع الوقت، وهذا يتطلب إنشاء متحف للفن السوري المعاصر. كان مقرّراً أن تقيم وزارة الثقافة مؤتمراً دولياً عام 2011 بمشاركة عدد من الدول لإقامة متحف للفن السوري المعاصر ولبحث تصاميم وخطط معدة في شأنه وفي مسألة موقعه، لكن الحوادث أجلت هذا المشروع الثقافي»، آملاً في أن يعاد البحث فيه مع انتهاء الأزمة.

بالنسبة إلى أسعار الأعمال الفنية السورية يرى صابور أنها جيدة إجمالاً ولا يمكن ضبطها بآلية مؤسّسية، بل هي حالة قائمة على العرض والطلب مع أهمية دور الصالات الفنية السورية الخاصة في تسويق الأعمال الفنية ورفع أسعارها، وهي طريقة مهمة للعديد من الفنانين، خاصة الشبّان الموهوبين في بداية مشوارهم.

يلفت الأستاذ في كلية الفنون الجميلة إلى أنّه في كل عام يتخرج عدد من الفنانين الموهوبين من كلية الفنون بمستوى عال، رغم عدم تلقيهم تعليماً يتوافق مع مستواهم. وينصح صابور للفنانين الشبّان الذين يسيرون في الاتجاه الصحيح رغم كل الصعوبات بأن يتحلوا بالصبر ويستمرّوا في العمل ويحاولوا تأمين مصدر رزق يسعفهم في الحياة، مؤمناً بأن إنتاجهم الفني سيخرج يوماً إلى الناس وينال التقدير الذي يستحقه، مطالباً بإعادة النظر في مكونات المجالين الثقافي والتعليمي والمناهج التي تدرّس منذ عمر الطفولة. ويؤكد على «أن الإنسان السوري يملك طاقات كبيرة تمكنه من تجاوز جميع الصعاب، وأن الصدق في سائر مناحي الحياة هو الذي يحمي بلدنا العظيم سورية، فالحدث الراهن قاس جداً وله ذيول نتمنى جميعاً ألاّ تطول، ما يستدعي إعادة ترتيب أولوياتنا».

نزار صابور من مواليد اللاذقية عام 1958، خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم التصوير، عام 1981. يحمل دكتوراه في فلسفة علوم الفن من موسكو عام 1990، وهو عضو الهيئة التدريسية في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وأقام العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها. نال عدة جوائز من سورية والإمارات وإيران وأعماله موجودة في سورية والأردن والبحرين والإمارات وروسيا والولايات المتحدة، وضمن مجموعات خاصة في عدة دول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى