الوطن

انهيار أسعار النفط والمسارات الاستراتيجية دولياً وإقليمياً

} د. حسن مرهج

 

في خضمّ الحروب الشرق أوسطية، ومع بداية أفول النجم الأميركي في المنطقة، وعطفاً على الخسائر الاستراتيجية التي مُنيت بها واشنطن سياسياً وعسكرياً، استيقظ العالم على مستجدّ له ما له من تداعيات على أسس النظام العالمي ككلّ، ففي التاسع من آذار 2020، استيقظ العالم على زلزال اقتصادي سيكون شرارة الحرب العالمية الثالثة على الصعيد الاقتصادي، فقد انهارت أسعار النفط بطريقة دراماتيكية لم يُسجلها إطلاقاً التاريخ الحديث، فقد تراجعت الأسعار خلال دقائق معدودة بأكثر من 30%، وذلك بعد عدة أيام من الخسائر المتواصلة التي أدّت به إلى أن يهوي إلى مستويات لم نعرفها منذ سنوات.

ما حدث لا يُشكل في العرف الاقتصادي هبوطاً اعتيادياً أو منطقياً، إنما هو انهيار بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ لا توجد أي سلعة متداولة تفقد قيمتها خلال دقائق، وهنا لا نتحدث عن أيّ تداعيات أو نتائج سياسية أو عسكرية أدت إلى هذا الانهيار، بل جاء نتيجة سياسات تراكمية خاطئة وعلى مدار عقود، وضمن ذلك، كان للخليج النصيب الأكبر من هذا الانهيار، فالذهب الأسود الذي نقل الخليج من الفقر والحاجة، إلى الثراء طيلة العقود الماضية، لم يؤسّس هذا الأمر لنمط مستدام اقتصادي، فاليوم غالبية دول الخليج تبحث عمن يُقرضها مليارات الدولارات، لتغطية العجز في الميزانية، وكذا أميركا فقد سجلت مؤشرات كارثية في الاقتصاد، أدّت بشكل مباشر إلى تدني خطير في سعر برميل النفط الأميركي.

في هذه العُجالة، يبرز سؤال جوهري يتمحور حول أسباب هذا الانهيار؟

في الواقع ثمة ثلاثة أسباب أدت إلى هذا الانهيار، وسيكون لهذه الأسباب نظير مقابل يرتكز على الاعتماد على آليات جديدة قد أو تكون بديلاً للنفط، وكل ما سنقوله لاحقاً يأتي في إطار السيناريوات المتوقعة، والقابلة للتغير وفقاً للمتغيرات السياسة والعسكرية. بالعودة إلى اسباب الانهيار يمكن أن نقول:

أولاً: وراء الانهيار تفشي انتشار وباء كورونا، وما رافق ذلك من قلق عالمي، الأمر الذي يعني أن هذا العام سوف يشهد هبوطاً حاداً في طلب النفط، جراء سياسات الحظر المرفقة لوباء كورونا، يُضاف إلى ذلك، أن الصين كانت مركز الوباء، وبإيقاف مصانعها توقفت الامدادات النفطية، وقلّ الطلب عليها. لكن رغم ذلك فإنّ حالة التعافي التي شهدتها الصين قد تُعيد أو تُحفز المنتجين على زيادة العرض، ما يعني ارتفاعا محدودا وعلى مراحل لأسعار النفط.

ثانياً: عقب اجتماع اوبك الأخير وفشل التوصل إلى اتفاق لتخفيض إنتاج النفط، في هذا الإطار قال نائب المدير العام للصندوق القومي لأمن الطاقة أليكسي غريفاتش: «من المنطقي أن يتمّ توسيع وإعادة هيكلة مجموعة «أوبكلكي تضمن الاستمرار في العمل، لأنه من الضروري إشراك البلدان التي تنتج النفط الصخري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ومن ثم يمكن الحديث عن القيود المفروضة على إنتاج سوق النفط الصخري. لأنّ هذه الهيكلة ستجعل المجموعة أكثر قوة واستقراراً»؛ وبالتالي تكون ترجمة ما قاله غريفاتش، أنّ الولايات المتحدة تحتاج للدخول في صفقة النفط. ربما لم تبق دولة أخرى بخلاف «أوبكلا تحتاج إلى هذا مثل الولايات المتحدة الآن. بالنظر إلى أنّ الولايات المتحدة كانت خارج الصفقة، فقد تبيّن أنها مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط. ولكن عندما خرج توازن العرض والطلب عن السيطرة، كان من المستحيل الحفاظ على أسعار النفط مرتفعة».

في جانب آخر، يبدو أنّ المنتجين الرئيسيين للنفط في طريقهم لإعادة التوازن للسوق وتأكيد نفوذهم فيه، لكن هذه المرة وبما أن أميركا أصبحت منتجاً رئيسياً، ستكون مضطرة للجلوس على إحدى أطراف الطاولة المستديرة للمشاركة في قرار سيعود عليها وعلى شركائها النفطيين بالنفع، أو أن الإفلاس سيكون مصير شركاتها النفطية في المستقبل القريب جداً.

ثالثاً: الواضح أنّ السبب الرئيس لانهيار أسعار النفط، تمثل في القرار الصادر عن السعودية، وهي أكبر منتج للنفط في العالم، والقاضي بخفض أسعار بيع نفطها لشهر نيسان/ إبريل 2020، ليصبح أقل بستة دولارات للبرميل الواحد عن أسعار البيع في آذار/ مارس، وهو القرار الذي أدى إلى هبوط الأسعار في السوق، بأكثر من عشرة دولارات، فضلاً عن أنّ القرار أعطى إشارة واضحة إلى أنّ حرب أسعار أو حرباً نفطية قد اشتعلت بين السعودية وروسيا، ما أدّى على الفور إلى الفوضى في السوق وفقدان السيطرة وانهيار الأسعار الفوري.

في المحصلة، لا نريد الدخول في متاهات أسعار النفط وتأثيراتها على مشهدية الشرق الأوسط، لأنّ العاجل في هذا التوقيت هو ترميم الانكسارات في منطقتنا، خاصة أنّ النفط الأميركي له مواصفات لا تتناسب واحتياجات منطقتنا، وبالتالي لا أثر لذلك على تطورات المنطقة، لكن في عمق المشهد هناك ضرورة حتمية لتدخلات روسية صينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فأميركا ومع انخفاض منسوب توهّجها في المنطقة نتيجة الانكسارات، يبدو انّ المنطقة مُقبلة على تصعيد من نوع آخر؛ هو تصعيد اقتصادي بحت، وبوادر حرب عالمية اقتصادية تلوح في الأفق، فمن سيصمد؟ هو سؤال سنتابعه وستجيب عنه التطورات الجوهرية خلال الأيام المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى