الوطن

العراق في الإقليم
باحثاً عن استقرارهِ الداخليّ!!

} د. وفيق إبراهيم

الاستقرار الداخليّ للدول ينبعُ في المقام الأول من أوضاعها الداخليّة، على أن تدعمه آنفاً بعلاقات إقليميّة إيجابية. فيزداد متانة وصلابة.لكن العراق الذي لا يزال محتلاً منذ سبعة عشر عاماً متواصلة من قوات أميركيّة تنشر عشرات القواعد في مناطقه وتمارس تأثيراً عميقاً في سياسته الداخليّة والخارجيّة والاقتصاديّةوتسيطر تركيا بالتدريج منذ عقد تقريباً على جزء من أراضيه الشماليةكما تسرح السياسة السعودية بين أحزابه السياسية في الوسط وكردستان وبعض بغداد والجنوب بأسلوب نشر الإرهاب بواسطة نثر المكرمات والفكر الإرهابيّ الوهابي المتماهي مع القاعدة.

ضمن هذه المعطيات يُنفذُ رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي جولة بين السعودية وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركيّة في محاولة لملمة أشلاء الاستقرار العراقي المتناثر في الإقليم والميدان الدولي وقد يعرجُ على مصر، حسب المقتضيات المطلوبة.

إلا أن البداية من السعودية لم تكن موفقة، لأن سلطاتها أرجأت استقبال الكاظمي ووفده الكبير بذريعة أن الملك سلمان أُصيب بالتهاب في المرارة وجرى نقله الى المستشفىوهذه حجة غير مقنعة لأن سلمان مخصّص فقط للصور التقليدية، مقابل حصر اللقاءات مع ولي العهد محمد بن سلمان ووزرائه، للنواحي العملية والمفاوضات. بما يعني أن هناك استياءً سعودياً من الكاظمي ليس قديماً ونتج بعد زيارة وزير خارجية إيران ظريف إلى بغداد منذ أيام عدة وما أسفر عنها من احتمالات كبيرة لتقارب إيراني عراقي ترفضه السعودية والأميركيون والأتراك وكردستان وبعض أحزاب الوسط!!!يبدو إذاً أن البحث عن استقرار العراق في بلاد آل سعود ليس ناجحاً ويتعرّض للعراقيل أي باللغة المفهومة استمرار الدعم السعوديّ لأعداء الاستقرار العراقي في داخل بلاد الرافدين وخارجها.

وهذا لم يعرقل اندفاعة الكاظمي نحو إيران وها هو يجري مفاوضات مع المسؤولين فيها من رئيسها روحاني، إلى مجلس وزرائها بشكل عميق جداً، بما يوحي بإصرار الإيراني العراقي على التنسيق في تعميق التعاون الثنائي يما يشمل العلاقات الاقتصادية والتجارية والصناعية والدواء والصحة والكهرباء وكل ما له علاقة بالاستهلاك.

أما قاعدة هذا التعاون فترتكز على بناء آليات إنتاج في البلدين معاً، توفر مئات آلاف فرص العمل للعراقيين والإيرانيين وتؤسس استقراراً اقتصادياً لا يقوم على تبعية بلد لآخر.لا بد هنا من الإشارة إلى أن الاستقرار الاقتصادي هو القاعدة الأساسية للاستقرار الداخلي السياسي، وبالتالي الأمني والعسكري..

لمناقشة احتمال نجاح هذا المشروع تجب الإشارة إلى أن مؤيديه في البلدين لديهم قوى وازنة، فإيران مثلاً تبحث عن هذا التنسيق منذ أكثر من أربعة عقود، لكن المعترضين عليه في الداخل العراقي كثر أيضاً، وهم القوى المؤيدة للنفوذ الأميركي السعودي في كردستان وأحزاب الوسط وبعض أحزاب الجنوب، كما أن المحسوبين على الخط تركيا وداعش والقاعدة لا يوافقون على هذا التكامل الاقتصادي العراقي الإيراني.

قد يفترض البعض أن اعتراضات الداخل مقدور عليها بعزلها على الأقل، لأن المدى العراقي المنتشر على مقربة من الحدود السورية حتى مياه الخليج والحدود مع إيران ربطاً بالعاصمة بغداد أكثر من كافٍ لتنفيذ هذا الاتفاقات.

لكن المعلومات بدأت تتخذ عن إعادة إنتاج لداعش في نواحي العاصمة وضواحيها ومعظم المدن بما يعني أن هناك رفضاً أميركياً سعودياً للتنسيق العراقي مع إيران بدأ يعبر عن نفسه بدعم عودة آمنة لداعش والقاعدة.

وهذه لها مهمتان: الإطاحة بالاستقرار الداخلي بما يرجئ أي مشاريع اقتصادية مع العودة إلى التحشيد المذهبي، وهذا يجمّد فكرة الاستقرار.

هناك نقطة أخرى مركزية قد لا تكون أيضاً مساعدة للتنسيق بين البلدين، وذلك لعوامل إقليمية دولية. فالصراع الإقليميالدولي يتأجج في المنطقة على قاعدة ولادة محور صيني إيراني روسي مقابل محور أميركي سعودي إسرائيلي لا تجد تركيا نفسها بعيدة عنه، لكنها تفضل التريث لعدم قطع علاقاتها مع روسيا.

لقد أصبح المحور الإيراني قريباً من التشكل النهائي، فها هو ظريف في موسكو يعلن ولادة حلف روسي إيراني يأتي مباشرةً بعد توصل طهران لاتفاق تاريخي مع الصين لمدة 25 عاماً مع تبادل من كل الأنواع بقيمة قد تزيد عن 600 مليار دولار بما فيها الأسلحة والصواريخ وكل آليات القتال.

إن دخول هذين الحليفين في صراع ميداني سياسي لن يبدأ إلا من الشرق الأوسط ومن الناحية السورية العراقية تحديداً، بما يؤدي إلى تصعيد حالات الاحتراب الداخلي مع اللجوء الى تأجيج التباينات المذهبية والطائفية.

ما العمل اذاً؟!العودة إلى دعم استقرار داخلي متين في العراق، يفترض مساواة في السياسة والاقتصاد والحريات الاجتماعية والدينية بما يستوعب أي إمكانية اللعب على هذه التناقضات.

وهذا يدفع نحو ضرورة صدور إعلان عراقي رسمي يؤكد على هذه المشتركات على قاعدة إبعاد الطابع المذهبي والطائفي للصراعات وحصره في المنافسات السياسية الحزبية.أليس ضرورياً أن تصدر الحكومة الحالية قرارات إلزامية تنص على وجود قيادات لكل حزب تضم عناصر طائفية متنوّعة بحد أدنى معين؟ وأن تحتوي أيضاً على قيادات من كامل مناطق العراق من كردستان إلى البصرة بنسب لها حدودها الدنيا؟قد تكون هذه الاقتراحات بسيطة لكن قد تصبح مقدمة لعراق يستبعد التحاصص الطائفي، ويقفل عائداً من بازار المذاهب والطوائف إلى رحاب انتماءاته التاريخية بعراق موحّد يتوغل بضعة آلاف سنة في التاريخ ومجاور لبلدان لا تزيد أعمارها عن سبعة عقود.

ما يفعله إذاً الكاظمي هو عمل جيّد في مسألة التنسيق الضروري التاريخي مع إيران، لكنه بحاجة إلى توطيد الأمن الاجتماعي الداخلي ليتحول هذا التنسيق تكاملاً مطلوباً يتصدى للإرهابية السعودية والطمع التركي وإصرار الأميركيين على مواصلة احتلال أرض السواد حتى إشعار آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى