نقاط على الحروف

السيد نصرالله وتوازن القوى والرعب…

 

 د. جمال زهران*

 

من أقوى نظريات العلاقات الدولية، التي ظلت صامدة كمرجعيّة في التفسير والتحليل، هي نظرية توازن القوى، وأنّ نظرية قياس قوة الدولة جاءت لتدعم توازن القوى، وتنقلها من الوصفية والانطباعية إلى التحليل الكمّي الذي قد يدعم الوصف أو الانطباع عند فهم موازين القوى القائمة، أو يكشف الوجه الزائف للوصفيّة. بل إنّ نظريات الحرب والسلام، جاءت أيضاً لتكشف عن أن وضع حدّ لأيّ حرب ومحاولة خلق السلام، يأتي في سياق نظريات توازن القوى وقياس قوة الدولة.

بعبارة أخرى، فإنّ قرارات الحرب وقرارات السلام، مرتبطة بما يتوافر لدى الأطراف من أسلحة وعوامل قوة مختلفة، وقدرتها على الصمود لأطول فترة. من هنا تولدت نظريات فرعية مثل الردع والرعب وغيرهما. فبالقدر الذي تمتلكه من قدرات شاملة، بالقدر الذي تمنع العدو من التفكير في الهجوم عليك. وعندما تحدث ما يمكن تسميته بـ «فجوة القوة» بين أطراف متصارعة، فإنّ محاولات الإغراء في الحرب أو الضربات الخاطفة، على عكس تقارب القدرات الشاملة وعناصر القوة، فإنّ هذا يولد ردعاً للأطراف في مواجهة بعضها البعض. ولذلك أذكركم بالحرب العالمية الأولى (1914 – 1919)، استمرت 5 سنوات وتوقفت بعد أن ظهرت فجوة القوة لصالح الأطراف القوية المنتصرة، التي فرضت الاستسلام على القوى المنهزمة. وعندما حدثت فجوة قوية لصالح دول المحور في الثلاثينيّات وظهور هتلر وموسيليني، وقعت الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، أي ست سنوات، حتى ظهرت أميركا بالسلاح النووي، الذي وضع نهاية للحرب، ليبدأ عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية. والتساؤل: لماذا لم تقم حرب عالمية ثالثة حتى الآن؟ الإجابة بوضوح تتركز في «تقارب القوة» بين الأطراف الدولية المتصارعة بين الشرق والغرب، وتولد حالات الردع وتوازن الرعب التقليدي والنووي.

تلك الأفكار نشطت في ذهني، عندما استمعت لخطاب السيد حسن نصرالله يوم الأحد 27 كانون الأول/ ديسمبر 2020، حيث إنّ كلمات هذا الخطاب تقع جميعها في قلب نظرية توازن القوى، التي يتولد عنها التوازن والردع والرعب، وغيرها. فلو سُمح للكيان الصهيوني (إسرائيل) أن يكون الاختلال في موازين القوى لصالحه، فإنّ الحرب المقبلة ستكون بمبادرة منها، مثلما حدث في العدوان على بيروت والتي وصل إلى احتلالها، ثم عدوان تموز 2006 والتي استمرت 33 يوماً، اكتشف بعدها العدو الصهيوني، أن القدرات المتوافرة لدى المقاومة وحزب الله، أكبر من تقديراته، الأمر الذي أعطى للمقاومة القدرة على الصمود. ولم يفكر الكيان الصهيوني بالعدوان الشامل، كما حدث منه. والسبب واضح وهو تقارب القدرات بين ما تمتلكه المقاومة في لبنان، وما يمتلكه الكيان الصهيوني، وهذا في حدّ ذاته رادع كبير لهذا الكيان بعدم تكرار معاودة التفكير في العدوان مرة أخرى. وكل ما يحدثه هذا الكيان هو اختراقات محدودة، يدفع ثمنها، بهدف إثارة الرعب وإحداث الفتنة في صفوف اللبنانيين.

والسؤال: ماذا قال السيد نصر الله في هذا السياق في «حوار العام» مع نهاية عام 2020؟ يمكن تلخيصه في نقاط مهمة هي:

ـ «إنّ ما نراه أن «الإسرائيلي» لا يزال في حالة حذر شديد معنا».

ـ «الرئيس الأسد وافق على إيصال صواريخ «كورنيت» التي اشترتها دمشق من الروس، إلى حماس والجهاد بغزة».

ـ إيصال صواريخ «كورنيت» إلى المقاومة الفلسطينية في غزة يقف خلفه، الشهيد قاسم السليماني.

ـ الشهيد المهندس، كان أحد قادة محور المقاومة بما يتجاوز العراق إلى كلّ قضايا المنطقة.

ـ قدرة محور المقاومة أكبر بأضعاف وأضعاف مما كانت عليه قبل سنوات، لكن الأهمّ هو الإرادة.

ـ في أيّ حرب مقبلة، فإنّ عقول وقلوب فلسطيني 1948، ستكون معنا لأنهم يتطلعون إلى أيّ أمل لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

ـ المناورات المشتركة بين فصائل المقاومة في غزة خطوة مهمة جداً، وتقدّم مظهر قوة وتخيف العدو.

ـ الأغلبية الساحقة من العمليات العسكرية ضدّ الاحتلال الأميركي في العراق نفذتها فصائل المقاومة.

ـ لولا المقاومة العراقية لكانت السفارة الأميركيّة هي التي تدير العراق.

ـ محور المقاومة حقق انتصارات كبيرة جداً، ولولاه، لكان تنظيم داعش يسيطر على المنطقة.

ـ محور المقاومة أقوى من أيّ زمن مضى من دون أيّ مبالغة.

ـ واشنطن اعتقدت أنها باغتيال القادة ستنهي محور المقاومة، بينما الحقيقة أنّ المحور لا يقوم على شخص.

ـ لم يكن أمامنا سوى خيارين إما الاستسلام وسقوط المنطقة، أو المقاومة والصمود وذهبنا إلى خيار المقاومة.

ـ خلال حرب تموز، الشهيد سليمانيّ لم يغب عن الضاحية الجنوبية سوى 48 ساعة لرفع تقريره حول الوضع.

ـ حزب الله على حاله وقوّته ومعنوياته وإرادته بل، هو أكثر من ذلك.

ـ عدد الصواريخ الدقيقة لدى المقاومة بات ضعفي ما كان عليه قبل سنة.

ـ أيّ هدف على امتداد مساحة فلسطين المحتلة، نريد أن نصيبه بدقة نحن قادرون على إصابته بدقة.

ـ «الإسرائيلي» هو القلِق، وليست المقاومة.

ـ المقاومة اليوم بألف خير، وفي أفضل قدراتها ومعنوياتها ونثق بالمستقبل واقترابنا من النصر.

ـ على «الإسرائيلي» أن يقلق من المقاومة في البر والبحر والجو.

ـ هناك أمور لدى المقاومة لا يعلم عنها «الإسرائيلي» شيئاً وهي في دائرة ضيقة جداً.

ـ إيران قوة إقليميّة عظمى ومحور أساسي في المنطقة ولا تفاوض بدلاً عن أيّ أحد من حلفائها في المنطقة.

فما هي خلاصة هذه العبارات المنتقاة بعناية شديدة، أنّ المقاومة محور وليست أشخاصاً أو داخل دولة واحدة، وأنها تمتلك من أدوات القوة ما يجعلها قادرة على ردع «إسرائيل» – الكيان الصهيوني، وقادرة على ضرب ومواجهة المشروع الصهيوأميركي.

كما أنّ المقاومة لديها ما تعلنه من قدرات صاروخية دقيقة التصويب، ولديها ما لا تعلنه ولكنها تشير إليه، للردع والتهديد. كما أنّ المقاومة تمتلك مشروعاً متكاملاً لتحرير فلسطين. ولهذا تفصيل مقبل، لكن ما يمكن قوله إنّ حديث السيد نصرالله يقع في قلب نظرية الردع الشامل للكيان الصهيوني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى