أولى

أميركا لأدواتها الهشة… فشلتم دعونا نتصرف

} د. علي سيّد*

الحرب الإقتصادية التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان بكافة أطيافه وتحت مسمّيات واهية، ما هي إلا نتيجة لفشل أدواتها الهشة من الإمساك بالسلطة والإنقلاب على المقاومة.

 الحرب الكونية التي شنت على سورية والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة، تشنّ الآن على لبنان بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبأساليب مختلفة بعد أخذ الدروس والعبر مما حصل في سورية، وبأسلوب الحرب الناعمة الغير معلنة على محور المقاومة والتي بلغت أشدّها على لبنان والمستمرة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، فهي ترى بأنّ هذا المحور الذي صدّر خبراته وقدراته إلى سورية والعراق واليمن، لا بدّ أن نواجهه في عقر داره ومن ضمن بيئته لإضعافه وتجفيف منابعه وأوّلها رأس الحربة لبنان.

 لن أدخل في مسألة الفساد والمطالب المحقة لبعض الذين انتفضوا في خريف 2019، فقد كان هناك من يخطط ويدفع بالفوضى وطبعاً استغلال هذه التحركات لللنقضاض على السلطة في لبنان كي يصل لغايته المنشودة وهي ضرب محور المقاومة ولَيّ ذراعه الطويلة.

 لقد بدأ الحراك في 17 تشرين الأوّل ضدّ الفساد والمنظومة التي حكمت لبنان منذ العام 1992، هذا كان الشعار في البداية، فبعد شعار (كلن يعني كلن) بدأت الاسثناءات وأصبح بعض شركاء السلطة منذ 1992 خارج هذا الشعار بل أصبح بعضهم منظّرين ومسؤولين في الحراك، وأيضاً بدأت تصغر الدائرة حتى أصبح شعار (كلن يعني كلن) يساوي رموز وقيادات المقاومة، وبدأت تتكشف الأمور شيئاً فشيئاً.

 بعد الدعم اللا محدود من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين للحراك وصرف الأموال الطائلة والتي بلغت 11 مليار دولار باعتراف جيفري فيلتمان منظّر السياسة الأميركية في لبنان وعراب 14 آذار والمرشد الروحي للمحور المعادي للمقاومة، والتي كانت تُدفع بكلّ الإتجاهات وخاصةّ للمنظمات الغير حكومية التي تعدّ بالعشرات، والتي لعبت دور المحرك الأساسي للحراك، وأيضاً وبرغم الدعم المعنوي اللا محدود لم يستطع الحراك أن يسقط المقاومة من الداخل وخاصةّ ضمن بيئتها، فكان أيّ خبر ينسجم مع الحراك من داخل بيئة المقاومة تتناقله وسائل الإعلام العالمية، ناهيك عن المحطات المأجورة والمدفوعة الثمن في لبنان.

 إنّ فشل الحراك في زعزعة بيئة المقاومة برغم الدعم المطلق المادي والمعنوي وتجييش وسائل الإعلام المحلية والعالمية من دون أيّ نتيجة إيجابية، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالتفكير جدياً الدخول بشكل مباشر على خط إسقاط محور المقاومة في لبنان على قاعدة (لم تستطيعوا أن تقوموا بما طلب منكم أو ما اتفقنا عليه وما نريده، دعونا نقوم بما نراه مناسباً) وطبعاً المسألة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية هي الوسيلة الفضلى عند أميركا في حروبها الناعمة ضدّ من يخالفها الرأي ويتصدّى لمشاريعها في المنطقة ويقف في وجه جبروتها ولنا في إيران وفنزويلا خير مثال.

لقد وضعت الإدارة الأميركية معظم المتموّلين من طائفة معينة على لائحتها السوداء وبدأت بملاحقة ومراقبة تحويل الأموال إلى لبنان وخاصةً من المغتربين في أفريقيا.

 لقد عُرضت على حكومة دياب مبادلة المنتجات الزراعية اللبنانية مقابل النفط وهي فرصة ذهبية بالنسبة للبنان وتحلّ مشكلتين أساسيتين للبنان تصريف المنتجات واستيراد النفط، ولكن تدخلت الإدارة الأميركية لإفشال هذا العرض وإبرام الإتفاقية بين لبنان وتلك الدول، وهذا ما حدث مع الرئيس السابق للحكومة العراقية عادل عبد المهدي حين وقّع الاتفاق مع الصين ولم يرضخ للضغوط الأميركية فقاموا بتحريك الشارع وكان لهم ما أرادوا.

 نعم لقد فشلت كلّ السياسات الأميركية إلى حدّ ما بتجفيف المنابع التي تموّل بيئة المقاومة، وخلاصة القول إنّ أزمة لبنان ليست داخلية كما يُشاع وإنْ كان هناك بعض الجوانب الداخلية ولكن الهدف الأساسي للأزمة زعزعت بيئة المقاومة وانقلابها على رموزها.

 بعد حجب أميركا لكلّ صور ومشاهد الأقمار الاصطناعية من اغتيال الشهيد رفيق الحريري إلى زلزال 4 آب في مرفأ بيروت، كانت آخر انكشافات السياسة الأميركية تجاه لبنان تحركات السفيرة الأميركية في عوكر منذ أيام حيث تدخلت في تفاصيل التفاصيل للأزمة اللبنانية وخاصة في موضوع استيراد النفط من الجمهورية الإسلامية في إيران (وهو شأن لبناني داخلي بامتياز).

 هناك طرح واضح معروض على الحكومة اللبنانية ومفاده وجود شركات استثمار جاهزة لبناء مصفاتي نفط في الجنوب والشمال خلال 6 أشهر لتبدأ بتكرير النفط وهذا يحلّ أزمة أساسية كبيرة، لكن أميركا تضع فيتو على هذا الأمر.

 الوضع الداخلي لم يعد يحتمل مطلقاَ فالوصول إلى حالة الإنهيار (دون نفط، دون دواء، دون مقومات العيش الأساسية) فالمطلوب وصول لبنان إلى حالة الانهيار الكامل وهذا هو البرنامج الأميركي المحكَم حتى الآن، لبنان يدفع ثمن انتصاراته على «إسرائيل» ووجوده الفاعل في محور المقاومة والممانعة، يريدون من لبنان أن يدفع ثمن انتصار محور المقاومة من جنوب لبنان إلى غزة وصولاً إلى اليمن ظناً منهم بأنّ لبنان هو الخاصرة الرخوة (بتركيبته الطائفية الهشة والهجينة) وهذا هدف أميركي «إسرائيلي» دائم.

 الولايات المتحدة تتدخل لتضع فيتو على تنحية أيّ مسؤول لبناني يعمل لمصلحتها أو يدور في فلكها. لا مصلحة لأحد في لبنان بانهيار الوضع الإقتصادي والمعيشي ولكن رضوخ بعض اللبنانيين للأجندة الأميركية على مذبح الوطن هو الحائل دون إيجاد بعض الحلول.

 لا شكّ أنّ آلية الدعم لشتى المواد في لبنان ستتوقف، ومن الواضح بأنّ الفئة اللبنانية المستهدفة بالدرجة الأولى مما يحصل لن تقف للأبد تتفرّج على ما يجري، نحن أمام اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار بفتح جميع الموانئ الجوية والبحرية أمام كافة المنتجات الضرورية للبنان لاستيرادها من الشرق وخاصةً من إيران.

 يريدون إيصال لبنان إلى قعر الهاوية وإلى الحدّ الأدنى بغية الانقضاض على المقاومة فهذا كل ما يهمّهم من الحصار، نسوا أو تناسوا أنّ محور المقاومة في لبنان والبيئة الحاضنة لها امتداداتها تتجاوز حدود الوطن بكثير، وأنّ لبنان أصغر من قوة المقاومة وجمهورها، في اللحظات الأخيرة ربما وأقول ربما يتراجع الأميركي عن سياساته الرعناء ويوعز إلى الدول التي ساعدت في حصار لبنان والتضييق عليه من الخليج العربي وصولاً إلى أوروبا، بعد أن يرى ويلمس أنّ أدواته الهشة ومطالبها بالحياد لا ولن ينفعها وستدفع ثمن هذا الحصار الغير معلن أكثر بكثير من بيئة المقاومة وجمهورها، فهي ستتحصّن وتجد الحلول المُرّة التي ستضطر لاتخاذها وتنفيذها.

 إنّ لبنان الذي لم يهتزّ اقتصاده وما حدث سنة 1992 من تدهور لعملته الوطنية كان مؤامرة (داخلية خارجية) باعتراف الجميع، فمن 1993 إلى 1996 إلى 2000 سنة التحرير إلى 2005 عام اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى عدوان 2006 حتى أحداث أيار 2008 والتوتر على الحدود مع العدو «الإسرائيلي» من فترة لأخرى (شجرة العديسة، مقتل وإصابة جنود إسرائيليين واستشهاد جنود من الجيش اللبناني) وبقاء لبنان لسنتين ونصف السنة بدون رئيس للجمهورية حتى انتخاب الرئيس ميشال عون سنة 2016، ونحن نعلم بأنّ في لبنان خاصةً بعد سنة 2005 لا يوجد استقرار دائم، فبالرغم مما ذكرناه باختصار شديد لم تهتز العملة الوطنية وبقي سعر صرف الدولار ثابتاً، فهم يعلمون مدى أهمية وفعالية المقاومة في لبنان على كافة دول المحور من سورية إلى العراق حتى اليمن وانّ حصارها وإنهاءها في لبنان هو من دون شك إضعاف وضربة في الصميم لمحور الممانعة.

 من يعتقد أنّ الضغط على لبنان مالياً واقتصادياً سيؤدّي إلى استسلامه بالتنازل عن ثوابته الوطنية وفي مقدمتها مقاومته، وأنّ حصاره للبنان من أجل فرض واقع أو فراغ ضاغط للتنازل هو مخطئ وواهم من دون أدنى شك.

انتصرنا في الحروب العسكرية الدامية والقاسية ولن ننهزم أمام الرغيف والنفط.

*دكتوراه في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى