مرويات قومية

منفذ عام القدس الأمين جورج جورج

من بين الرفقاء الذين كان لهم حضورهم ونشاطهم الحزبيين في الجنوب السوري، أمثال الأمناء مصطفى أرشيد، كميل جدع، فريد عطايا، والرفقاء يوسف صايغ، عبد اللطيف كنفاني، محمد الشلبي، والكثيرين غيرهم، ثم كانت له مسؤولياته الحزبية المركزية ونشاطه الذي لم يعرف انقطاعاً، يبرز اسم رفيق التحق عام 1957 بما عرف آنذاك باسم «الانتفاضة»، وكان معه عدد من الأمناء في حينه نذكر منهم: جورج عبد المسيح، حسن الطويل، يوسف قائدبيه، محمد يوسف حمود، إبراهيم يموت، اسكندر شاوي، جميل مخلوف، فاضل كنج، منير الحسيني، محمد الطباخ وحنا كسواني.

وفاءً لنضاله الحزبي، ولأننا معنيون بكلّ تاريخ الحزب وبكلّ رموزه التي كان لها حضورها في المسؤوليات وفي النشاط القومي الاجتماعي، كما بواجب تعريف الرفقاء حديثي الانتماء على كل مراحل تاريخ حزبهم، وعلى كل أمنائه ومناضليه من الرفقاء، نتحدث في هذه الحلقة عن الأمين جورج جورج، وعن عقيلته الرفيقة الدكتورة نوره زيتون، التي لم تكن أقلّ منه نشاطاً وإيماناً بالعقيدة.

*

ولد الأمين جورج فؤاد جورج في الناصرة – فلسطين، في 15 كانون أول 1923. وهو الابن البكر لفؤاد جورج من إبل السقي (مرجعيون) وشفيقه سليمان متري من راشيا الفخار. لذلك كان لجورج جورج علاقته الوطيدة ببلدة راشيا الفخار، بأبنائها وبالقوميين الاجتماعيين فيها،

كان والده، فؤاد جورج، يعمل متعهّداً لتنفيذ الطرقات. ولذلك تنقل في أكثر من مكان في فلسطين (صفد، حيفا، القدس، طبريا..)، الكويت وبيروت وصولاً إلى جنوب أفريقيا.

كانت العائلة تصطاف في راشيا الفخار، القنيطرة (الجولان) وفي أماكن أخرى.

بعد الابن البكر جورج، رزق فؤاد جورج وعقيلته بكل من رجا ورمزي (الرفيقان)، ستيلا، نبيلة وليلى.

تلقى الأمين جورج أولى علومه الابتدائية في مدارس حكومية في مدينة طبريا، التي كانت انتقلت إليها العائلة بعد الناصرة، حيث ولد.

أما علومه الابتدائية العليا، والتكميلية والثانوية فقد تلقاها في مدرسة سان جورج في القدس عندما انتقلت العائلة للسكن فيها، وحيث صدف أن يكون موقع المنزل عند الحد الفاصل بين القدس الشرقية والقسم المحتل.

في القدس تعرّف الأمين جورج إلى الحزب وأدى القسم. كان له تأثيره الكبير على عائلته كونه البكر، وكونه أيضاً تحمل المسؤولية في بيته منذ صغره، وخاصة أيام معارك فلسطين والانتقال من شارع إلى شارع ومن مدينة إلى أخرى حتى وصولهم إلى بيروت، فانتمى من أشقائه رجا(1) ورمزي وكان لهما نشاطهما.

غادر الأمين جورج القدس إلى بيروت عام 1940 ليتابع دراسته في الجامعة الأميركية.

في العام 1943 وقد حاز على ليسانس في إدارة الأعمال، عاد إلى القدس ليعمل في البنك العربي حتى عام النكبة والتهجير الكبير عام 1948.

في خضم المعارك وحرب الإبادة والتهجير لم يغادر الأمين جورج وأخته ستيلا القدس، إلا بعد أن غادر أهلهما وأشقاؤهما بما يزيد على الخمسة أشهر، وقد اضطرا إلى سلوك طريق عمان – دمشق – بيروت.

خلال سنتي 1947-1948، عمل الأمين جورج – بالإضافة إلى مسؤوليته الحزبية – مع الجهاد المقدس في فلسطين، وكان مسؤولاً مالياً يتفقد المقاتلين ويؤمن لهم المؤن، ويشارك في حرب العصابات ضد اليهود.

منفذ عام القدس

في أواخر شهر كانون أول من العام 1947 تولى الأمين جورج جورج مسؤولية منفذ عام القدس تقديراً من سعاده للنشاط الجيد الذي كان يبديه، وهذا ما نقرأه في رسالة سعاده إليه في 7 كانون أول 1947، يقول:

«أيها الرفيق العزيز،

إنّ اجتهادك في سبيل القضية القومية الاجتماعية المقدسة وغيرتك عليها قد وصل خبرهما إلي وبلغ علمي ما كان لها من الأثر في تقدم العمل القومي الاجتماعي في منطقة القدس. وقد أمضيت من بضعة أيام، مرسوماً بإنشاء منفذية عامة في القدس وتعيينك منفذاً عاماً والمرسوم ستتبلغه بالطريقة المعتادة.

إنّ توليك مهام منفذ عام يأتي في ظروف غير اعتيادية من الوجهتين الحزبية الداخلية والقومية العامة. وستواجه من الوجهة الأولى حالة قد لا تكون تنتظرها، مع أنها كانت منتظرة هنا في المركز وهي حالة انقلاب السيد فايز صايغ النظامي بعد انقلابه العقائدي.

إنّ السيد فايز صايغ عمل، منذ توليه عمدة الثقافة أولاً ثم عمدة الإذاعة في مدة غيابي، لعقائد ومبادئ مخالفة للعقيدة القومية الاجتماعية وهدامة هي عقيدة الفردية أو الشخصية الفردية غير المرتبطة ارتباطاً طبيعياً بالأمة وشخصيتها. وهذه العقيدة الغريبة هي عقيدة صاحب مذهب ديني فردي يدعى «كركيقارد» وفوضوي ديني روسي يدعى «برديايف». وقد عمل السيد فايز صايغ طوال مدة وجوده في الإدارة الحزبية على ترجمة أفكار هذين الكاتبين إلى لغتنا كتعاليم جديدة يعلمها هو، وهي موجودة في كتاباته، خصوصاً محاضرة «الهدف» التي يترجم فيها أفكار «برديايف» ويقول:

«إنّ غاية المجتمع الشخص» أي أن المجتمع وسيلة للشخص، وإن الفرد ليس من المجتمع، بل من الله أو من نفسه وإن غايته ليست تحقيق خير المجتمع، بل «تحقيق نفسه» الخ… وقد طلبت من السيد صايغ التوقف عن بث مثل تلك التعاليم الفاسدة الهدامة للقومية ولعقيدتنا القومية الاجتماعية، فتظاهر أولاً بالقبول، ثم لجأ إلى الانقلاب النظامي سراً وأخذ يثير مسائل حاول أن يستر بها حقيقة موقفه. وقد صدرت تعليمات باعتباره موقوفاً عن ممارسة حقوق العضوية، ومسألته الآن تدرس للبت النهائي.

فليكن ذلك معلوماً عندك وعند الرفقاء المخلصين.

أهنئك بنتائج جهادك وأتمنى لك التوفيق في مهمتك الجديدة.

ولتحي سورية»

في 18/10/1948 أصدر سعاده مرسوماً بقبول استقالة الأمين جورج جورج من مسؤولية منفذ عام القدس وحلّ هيئة المنفذية ريثما يمكن إعادة تشكيلها من جديد.

مغادرته إلى العراق

بعد النكبة عام 1948 انتقل الأمين جورج جورج إلى بيروت، وفي الثورة القومية الاجتماعية الأولى اعتقل كالكثيرين غيره من القوميين الاجتماعيين. بعد خروجه من السجن غادر إلى بغداد للعمل مع شركة التأمين العربية ولتأسيس فرع للحزب في العاصمة العراقية(2).

زواجه من نوره زيتون

ولدت نوره زيتون في بلدة عالية، والدها الدكتور سليم زيتون خريج أول صف طب في الجامعة الأميركية، والدتها أدما سليم. خالها أسعد، هو بدوره خريج أول صف طب في الجامعة الأميركية، خالها الآخر، سليم، من المخترعين الذين سجلوا اختراعات كهربائية في نيويورك.

توفي والدها يوم ولادتها فلم تعرفه. رغم ممانعة والدتها لذهابها إلى الجامعة إلا أنها تمكنت من الفوز بمنحة دراسة الطب في الكلية الملكية الطبية في بغداد. بعد ذلك تابعت اختصاصاتها في جامعات ومستشفيات لندن، دبلن، وفي مستشفى هداسا (القدس) حيث تعرّفت عن كثب على اليهود وعلى الكراهية المتبادلة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين.

في بغداد تعرّفت الدكتورة نوره على الأمين جورج ولهذا قصة يرويها ابنهما المهندس فؤاد فيقول:

« كانت ذات يوم تقوم بزيارة بيت خالها وجدها في عين السكة – برج البراجنة، وصدف أنها راحت تنتقد الحالة الأخلاقية في لبنان، فسمع كلامها رفيق من آل أبو مجاهد كان يعمل على تبليط مساحة في المنزل فتدخل في الحديث وراح يصف لها سعاده، ومبادئ النهضة مما أثار لديها الفضول فطلبت من الرفيق أن تتعرّف على سعاده. تشاء الصدف أن الرفيق الذي توجه إلى منزل الدكتورة نوره ليسلمها رسالة الدعوة لمقابلة زعيم الحزب، لم يجدها في المنزل فسلّم الرسالة إلى والدتها التي أخفتها عن ابنتها، وبالتالي فالدكتورة نوره لم تتوجه إلى الموعد المحدد،

بعد فترة قصيرة غادرت نوره إلى بغداد لمزاولة مهنة الطب. وكان سعاده يسأل عنها فعلم بأمر مغادرتها إلى العراق، مما جعله يطلب إلى الأمين جورج (يبدو أنه كان متولياً للمسؤولية الحزبية في بغداد)، أن يسأل عن الدكتورة نوره زيتون ويهتمّ بأمر شرح العقيدة لها، وقد تمّ ذلك، إنما تمّ معه أيضاً علاقة حب انتهت بزواج مدني، وأن ينجبا في بغداد ابنتهما سعاده(3)، وهي طبيبة مقيمة في لندن حالياً، وفي طرابلس – الغرب ابناً، فؤاد، الذي كان تولى رئاسة بلدية بيت مري قبل أن يغادر منذ ما يزيد على خمس سنوات إلى لندن بعد أن كان يدير شركة الهندسة التي كان يملكها مع رفقاء له في لبنان.

*

بعد أن توسّع العمل الحزبي في بغداد(4) أبعدت السلطات العراقية الأمين جورج جورج، ثم سمحت له بالعودة مؤقتاً ريثما يصفي أعماله ويخرج عائلته إلى بلد آخر يستقر فيه. كان ذلك دمشق حيث عرفوا الكثير من ضيق الحال مما دفع بالأمين جورج إلى أن ينزل وزوجته وابنته سعاده في فندق متواضع متقبلاً والدكتورة نوره الحرمان في سبيل أن يؤمنا حاجة طفلتهما.

بعد حوالي ستة أشهر من الحالة المدقعة في دمشق، انتقلت العائلة إلى الكويت. الدكتورة عملت في وزارة الصحة، وكانت وراء إنشاء مراكز لصحة الأم والطفل والوقاية، فيما عمل الأمين جورج في شركة الأخوين أبيلا، في حقل المحاسبة والتدقيق. لم ينقطع الأمين جورج والرفيقة نوره عن العمل الحزبي وكان منزلهما مفتوحاً للرفقاء.

عام 1954 غادرت العائلة إلى ليبيا، الأمين جورج تابع عمله في المحاسبة فيما تولت الدكتورة نوره رئاسة بعثة منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.

عام 1955 اشترى الأمين جورج وعقيلته بيتاً في ديك المحدي(5) من الأمين أسد الأشقر وعام 1956 انتقلا إلى لبنان بعد ولادة ابنهما فؤاد في طرابلس الغرب وفي أواسط هذا العام منح رتبة الأمانة(6).

إلا أن محاولة الانقلاب عام 1961 دفعت بالأمين جورج إلى أن يغادر مجدداً إلى الكويت ليعمل مع شركة أبيلا.

عام 1964 عاد إلى لبنان ليتولى مسؤولية رفيعة في شركة الشحن الجوي TMA(7) واستمر في وظيفته حتى أوائل كانون أول 1976 عندما وافته المنية إثر نوبة قلبية حادة. فكان له مأتم حاشد شارك فيه رفقاؤه وأصدقاؤه الكثر «الذين كانوا رأسمالاً كبيراً لابنته وابنه» كما يقول الرفيق فؤاد، مضيفاً أنّ والده «لم ينقطع عن أي مواطن وخاصة رفقاءه في التنظيمين، مؤمناً بالأصالة السورية والنفس السورية الكبيرة، ولم ينقطع عن عمله الحزبي لا تحت ضغط حاجة مادية، أو مرض جسدي، تنقل في الوظائف الحزبية من محصل ومدير إلى منفذ عام وعميد، كان خزاناً شفافاً ومشعاً للمحبة والتفاني».

هوامـش

1 ـ أصيب بالشلل نتيجة التكلس في مفاصله، رغم ذلك كان معروفاً بانكبابه على الترجمة وعلى كتابة التحقيقات الصحافية. صحافة الحزب، ومنها «البناء»، نشرت له الكثير منها.

ـ عدد كبير من الرفقاء غادروا إلى العراق للعمل، وبقوا فيها سنوات عديدة، نذكر منهم معروف صعب، إميلي الحلبي، طارق اليافي.

 ـ ولدت عام 1950 بعيد استشهاد سعاده، ونسبة إلى أرض السعاده وهي رابية فوق حيفا (كما يفيد الرفيق فؤاد جورج).

 ـ يفيد الرفيق فؤاد جورج أن الأمين جورج قرر، بعد أن توسع العمل الحزبي في بغداد، طلب ترخيص رسمي للحزب في العراق، مما دفع بالسلطات إلى إبعاده.

ـ تفيد السيدة ج. ح. التي اشترت وأولادها منزل الأمين جورج جورج في ديك المحدي أن زوابع من حديد كانت تزين كافة شبابيك المنزل.

ـ الرفيق إبراهيم يموت، كتابه “أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية”، ص. 325.

ـ كان مديراً لقسم خدمات الزبائن. وكان مسؤولاً عن 24 موظفاً. أحد المواطنين الذين عملوا معه يفيد أن الأمين جورج كان محبوباً ومحترماً من جميع المواطنين، كما من جانب زبائن الشركة، فلا أحد راجعه بأي شأن إلا وخرج من مكتبه مرتاحاً. كان مثقفاً، بل موسوعة من المعلومات.

*

في كتابه «الحصاد المر» ينشر الرفيق الأمين إبراهيم يموت صورتين يظهر فيهما الأمين جورج جورج، الأولى التقطت في كانون أول 1948 في بغداد وتضم الأمينين جورج جورج وإبراهيم يموت والرفقاء سمعان ليوس، اميلي الحلبي، وسميرة عزام. والثانية التقطت صيف 1957 في ديك المحدي وتضم الأمناء ميشال الياس، أمين الأشقر، مصطفى عز الدين، إبراهيم يموت، عادل عجيمي، جورج جورج، بشير فاخوري، والرفيقة د. نورا زيتون جورج وهي تحمل طفلها فؤاد.

وفي كتابه «أضواء على الحقيقة» يورد الأمين إبراهيم يموت عن يومياته بتاريخ 10/1/1941، وهو معتقل في سجن الرمل، التالي:

«تابعت درس اللغة الإيطالية التي كنت بدأتها في المدرسة الإيطالية في منطقة الصنائع مع الرفيق محمد علي عيتاني، أرسلت مكتوباً للأمين مأمون أياس الموجود في سجن بيت الدين مع بعض العمد والمسؤولين، وأخبرته عن وضع القوميين في سجن الرمل والغرف الموجود كل واحد فيها. كان معنا في الغرفة سامي سليم، وهو شقيق الرفيقة لاحقاً الدكتورة نورا زيتون، زوجة الدكتور جورج جورج.

*

الأمين جورج جورج، منفذ عام عكا أيضاً

بعد نشر النبذة عن الأمين جورج جورج في عدد “البناء – صباح الخير” رقم 1071، قرأنا في العدد الأول من جريدة “الجيل الجديد” تاريخ 3 و 4 نيسان 1948 نص برقية كان وجهها منفذ عام عكا الرفيق جورج جورج إلى سعاده مهنئاً زعيم الحزب بالأول بالأول من آذار، قال فيها “ذكرى أول مارس تبعث الأصل وتدعو للعمل لمجد الأمة والنجاح للقضية القومية الاجتماعية”.

نفهم مما أوردناه آنفاً أن الأمين جورج جورج تولى بعد منفذية القدس، مسؤولية منفذ عام عكار.

*

من جهة ثانية أفادنا الأمين إبراهيم يموت أن الأمين جورج جورج كان في كانون أول عام 1948 في بغداد وقد التقطت صورة لهما والرفقاء سمعان ليوس، إميلي حلبي وسميرة عزام، وقد نشرها الأمين يموت في الصفحة 201 من كتابه “الحصاد المر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى