بين رسائل وعرائض الأميركيين وحسم إيران في العراق واشنطن: تخبطٌ وإرباك… وخداع

رئبال مرهج

« إن رسالة أعضاء الكونغرس تدل على انهيار الأخلاق السياسية في النظام الأميركي»، ها هو الردّ الإيراني على رسالة الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس يأتي سريعاً، وهذه المرة من رأس الهرم السيد علي خامنئي، كاشفاً الخداع الذي يتبعه الطرف المقابل وعادته في الغدر.

السيد خامنئي وفي رده الواثق كشف حجم نفاق وارتباك السياسة الأميركية التي تعاني من انعدام خططها وتخبطها في اتخاذ القرارات السياسية الاستراتجية بعد فشلها السياسي والعسكري في إعادة رسم خرائط المنطقة كما تريد وتشتهي اللوبيات «الإسرائيلية» المتغلغلة داخل كبرى قوى الأحزاب السياسية المقررة في الولايات المتحدة الأميركية.

إذ يرى بعض المراقبين أن الرسالة التي وجهت من قبل بعض أعضاء الجمهوريين في الكونغرس إلى القيادة الإيرانية تكشف عن العلاقة بين هؤلاء الأعضاء ورئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو والتعاون في ما بينهم للتدخل في سياسة الرئيس الأميركي بارك أوباما تجاه إيران، كما ينظر إليها باعتبارها تضع الروابط السياسية بين نتنياهو والجمهوريين فوق العلاقات الثنائية بين «إسرائيل» والولايات المتحدة .

الديمقراطيون عرّابو الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، استنهضوا كل الهمم للدفاع عن قرارهم مستندين إلى العريضة التي وقعها أكثر من 160 ألف شخص على موقع البيت الأبيض تحثه على ملاحقة 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بتهمة الخيانة لأنهم وجهوا رسالة إلى القادة الإيرانيين، مشككين التزام بلادهم باتفاق نووي محتمل مع إيران.

أوباما الذي يسعى إلى تحقيق إنجاز ما يعطي حزبه دفعاً إضافياً قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة العام المقبل، وجد في العريضة سبباً مقنعاً لإدانة رسالة الجمهوريين التي جاوزت المئة ألف موقع وهو الرقم الذي عادةً يتجاوب مع مضمونه البيت الأبيض.

العريضة التي اعتبرت أن أعضاء مجلس الشيوخ وبينهم ثلاثة مرشحين محتملين إلى الرئاسة في 2016 ارتكبوا خيانة عبر انتهاك قانون لوغان لعام 1799 والذي يمنع على المواطنين التفاوض مع حكومات أجنبية من دون تصريح، كشفت عن كبر حجم التباين الداخلي في رسم استراتيجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية وعمق الخلافات بين القوى السياسية الكبرى في واشنطن، وما تثيره من جدال لن ينتهي ربما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يبدو أن أسلوب التعامل مع إيران والاتفاقيات المتوقع إنجازها معها، ستكون أحد أهم العوامل في تحديد نتائجها ومصيرها.

نجاح إيران وحلفائها في شرق المتوسط، في اتباع سياسة الحكمة والصبر في يد والقوة في يد أخرى، تسبب بخلافات داخلية وخارجية للسياسة الأميركية، لا بل كشف أيضاً عمق الارتباك الأمريكي في التعامل مع القضايا والأزمات الخارجية والتي سببتها واشنطن بنفسها طيلة العقد الماضي.

ولا يتوقف تخبط واشنطن على صعوبة إقرار الاتفاق النهائي النووي مع إيران، بل يتعداه إلى تناقض سياستها في زعمها محاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم «داعش» في سورية والعراق، فبعد تشكيلها الحلف الدولي وترؤسها قيادته في حربه «المفترضة» ضده، ها هو رئيس أركان القوات الأميركية مارتن ديمبسي يكشف قلقه من دعم إيران لقوات الحشد الشعبي العراقية التي تقاتل التنظيم الإرهابي، وإذ به يعترف بنفاق الولايات المتحدة الأميركية في تعاملها مع التنظيم، بعد توارد الانتصارات التي يحققها الجيش العراقي والقوات الحليفة له وبعد مشاركة أقوى الجنرالات الإيرانيين ودعم العشائر العربية «السنية» للقوات المشتركة، الذي جاء مخالفاً لتوقعات وأمنيات ديمبسي الذي «استفزته» سرعة انتصارات وتحرك القوات المشتركة في تحريرها للأراضي العراقية من براثن «داعش».

ليبدو جلياً صدق الموقف الإيراني ووفاءه بوعوده والتزاماته، سواء الدولية منها بخصوص ملفها النووي أو في دعمها للحكومات العراقية والسورية في حربها ضد المجموعات الإرهابية، بينما تكتفي واشنطن بالثرثرة من دون فعل، فتقع فريسة نفاقها وارتباكها السياسي، ليندفع وزير خارجيتها جون كيري للتذرع بعدم قدرة أميركا على إنهاء «داعش» بأن ذلك يتطلب تفويضاً جديداً لاستخدام القوة العسكرية ضد التنظيم، لعله يعطي أوباما صدقية أكثر بين حلفائه وغطاء سياسياً يساعده في تنفيذ وعوده .

مشروع التفويض الجديد الذي نوقش في مجلس الشيوخ الأمريكي يعطي صلاحية الحرب على «داعش» من دون أي قيود جغرافية، إذ أكد كيري أن مدة الثلاث سنوات التي حددها المشروع ستضمن بالتأكيد هزيمة التنظيم في العراق وسورية.

فهل هذا المشروع الذي قدمته إدارة اوباما يأتي كاستغفار لها بعد كشف نفاقها في محاربة الإرهاب ومحاولتها اللحاق بإيران التي طبقت الكلام بالفعل؟، أم أنه تبرير جديد الهدف منه رفع حظوظ الحزب الديمقراطي في النجاح بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعد تعالي الأصوات المنتقدة لتباطؤ واشنطن في حربها ضد «داعش»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى