هل ينهي اتفاق إيراني- أميركي أزمات المنطقة؟

حميدي العبدالله

بات وشيكاً التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران حول ملفها النووي. ومؤشرات قرب توقيع الاتفاق النهائي تكمن في بدء أعضاء مجلس الأمن الدولي مناقشة مشروع قرار رفع العقوبات، واشتداد الصراع بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو.

لم تعد القضية إذن التوصل إلى اتفاق من عدمه، بل تداعيات توقيع هذا الاتفاق، ولا سيما على أزمات المنطقة.

كثير من المحللين، وحتى سياسيين كبار في المنطقة، يتوقعون أن يعقب توقيع الاتفاق حصول تفاهمات إيرانية- أميركية تقود إلى حلّ أزمات المنطقة على قاعدة صفقات يتمّ بموجبها تقاسم النفوذ بين واشنطن وطهران.

لكن هذه التوقعات مجانبة للحقيقة إلى حدّ كبير، فإذا كان التوصل إلى حلّ لأزمة الملف النووي الإيراني ستقود إلى إنهاء المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وبالتالي سيكون لذلك انعكاسات على كلّ ما يجري في المنطقة، لأنّ جزءاً مما يجري هو صدى للصراع بين الغرب وإيران، إلا أنّ ذلك لا يلغي أنّ لأزمات المنطقة أبعاداً وطنية خاصة يصعب تجاهلها. كلّ ما هو متوقع أن يسفر عن اتفاق إيراني- أميركي، هو الانتقال من مرحلة المواجهة المفتوحة، إلى مرحلة جديدة تقوم على إدارة صراع النفوذ والمصالح ضمن قواعد وضوابط جديدة. فالاتفاق المزمع بين طهران وواشنطن لا يعني استسلام طرف لطرف آخر، بل هو تسوية تأخذ بعين الاعتبار مصالح كلّ طرف، وتستند إلى توازن القوى الذي نشأ على قاعدة المواجهة المستمرة منذ انتصار الثورة الإيرانية. فإيران بات لديها من القوة والتحالفات ما يساعد على حفظ مصالحها ونفوذها، كما أنّ الولايات المتحدة لا تزال تمتلك عناصر قوة وتحالفات تؤهّلها للحفاظ على مصالحها التقليدية.

والأرجح في ظلّ هذه المعطيات أن يستمرّ صراع المصالح والنفوذ بين البلدين في المنطقة، ولكن بأشكال جديدة غير تلك التي كانت معتمدة في العقود التي أعقبت الثورة الإيرانية حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة يراهنون على إسقاط النظام الإيراني، الذي انبثق عن الثورة، وإعادة إيران إلى فلك النفوذ الغربي، ولا سيما الأميركي.

اليوم، وبعد الاتفاق، العلاقات الأميركية – الإيرانية، ستقود إلى قاعدة الاعتراف المتبادل بالمصالح والنفوذ، وسعي كلّ طرف بكلّ قوة لحماية وتعزيز مصالحه ونفوذه، ولكن دون العودة إلى المواجهة المفتوحة. بيد أنّ الاعتراف المتبادل بالمصالح قد يقود إلى حوارات وتسويات لأزمات المنطقة على قاعدة تعايش المصالح والنفوذ وفي حدود مستوى تأثير كلا الطرفين في الأزمات المحلية، من دون أن يلغي ذلك مصالح الأطراف المحلية الفاعلة في الأزمات، ولكن أيضاً ثمة احتمال لديناميات جديدة تشبه ديناميات الحرب البادرة بين الاتحاد السوفياتي والغرب، في سياق الصراع لتعزيز المصالح والنفوذ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى