أخيرة

نافذة ضوء

فلسفة القومية الاجتماعية
ليست يميناً ولا يساراً

‭}‬ يوسف المسمار*
النظرة التي تقول بالعقل شرعاً وقانوناً أساسياً لا يُعقل أن تكون علمانية أو دينية بل فوق العلمانية وفوق الدينية. والعقيدة التي تقول بالقومية الاجتماعية العقلية العقلانية العاقلة لا يمكن أن تكون يمينية أو يسارية بل هي فوق اليسارية واليمينية.
فلسفة القومية الاجتماعية ليست يميناً ولا يساراً.
القومية الاجتماعية هي فلسفة العقل القومي الاجتماعي المبدع. هي فلسفة عاقلة عقلية عقلانية لا تسعى الى غير الحقيقة والانتصار بالحقيقة.
الفلسفة القومية الاجتماعية لا تُقاس صحتها بمدى انسجامها مع اليمين او مع اليسار، بل تقاس درجات صحة اليسار أو اليمين بنسبة اقتراب كل من اليسار أو اليمين من الفلسفة القومية الاجتماعية.
العقلية اليمينة تعيش بالجشع والمزيد من الطمع، والعقلية اليسارية تعيش بالحقد وبالإمعان بالتخريب.
وبالاقتتال بين اليمينية واليسارية يتمزق المجتمع ويتفتت وتنتشر الكراهيات والأحقاد وتصعب بعد ذلك قيامة المجتمع بتحوّله الى قطعان بشرية تتقاتل وتفتك ببعضها بعضاً.
أما القومية الاجتماعية منطلقها وحدة المجتمع وتمام نضوجه ووعيه ورشاد عقله وعقليته المتوجّهة دائماً وأبداً الى فضاء النور وتحقيق نهضة مادية روحية تتناول كل شؤون الحياة نحو الارتقاء والتسامي.
وهي أيضاً ليست فلسفة دينية او فلسفة علمانية بل فلسفة عقلية إنسانية لا تتنكر لدينية مناقبية أخلاقية ولا تسخر من علمانية مدنية راقية بل على العكس من ذلك هي فلسفة تتبنى تعاليم كل دين ينهض بالمناقب والأخلاق وكل علمانية منفتحة على تنمية كل ما هو مدني وراقٍ.
ومبدأ الديمقراطية التعبيرية الذي قال به أنطون سعاده هو الديمقراطية القومية الاجتماعية المنبثقة عن الفلسفة السورية القومية الاجتماعية التي عرّفت الإنسان التام بانه «الإنسان – المجتمع – الأمة».
فلا انغلق مفهومها في اجتماعية الإنسان حتى اختنق في اتنيةٍ او مليةٍ او طائفيةٍ او كيانية، ولا انفلش مفهومها وتناثر حتى تلاشى في عالميةٍ رومانسيةٍ وهمية، فكان مفهومها للقيم الانساية العالمية انها تفاعل قيم الأمم القومية الاجتماعية المنفتحة على بعضها والمتفاعلة فيما بينها.
إنها أفكار إنسانية راقية تعانق أفكاراً، وخواطر بديعة تتناغم مع ما ينسجم معها من خواطر فيتولد بهذا الانفتاح وهذا التفاعل عن هذا التعانق وهذا التناغم ولادة انسانية جديدة أجود، أفكارها أرقى وخواطرها أبدع، ومطامحها أسمى».
الفلسفة القومية الاجتماعية ليست فلسفة جزئية ليقال عنها إنها يسارية وتقتصر على مفهوم اليسار او جزئية يمينية لتحصر مفهومها في اليمين، بل لا قيمة ليسار أو يمين ان لم يكن في خدمة المجتمع بكليته.
الفلسفة القومية الاجتماعية ليست فلسفة دينية ينحصر اهتمامها في ما وراء الوجود وتحتقـر الوجود، بل تعمل في الوجود لتحسين الوجود دون أن تحتقر الذين يهتمون بما وراء الوجود.
وليست فلسفة علمانية تتنكر لما لم تحصل معرفته بعد من أسرار هذا الكون الفسيح او تسخر من الذين يهتمون بما بعد الموت والنشر والحساب والعقاب، بل ترى أن:
«ليس المكابرون بالمادة بمستغنين عن الروح وفلسفته، ولا المكابرون بالروح بمستغنين عن المادة وفلسفتها».
إنها فلسفة وحدة المجتمع بيمينه ويساره وغير يمينه ويساره ولا وجود لقيام يسار او يمين او غير يمين ويسار إلا في المجتمع وبالقومية الاجتماعية التي تُعنى بحياة المجتمع وحياة الأمة.
وقياساً على ذلك وحدة المجتمع بعلمانييه ودينييه وغير الدينيين والعلمانيين. ووحدة مجتمع الأمة بروحانييه ومادييه وغير روحانييه ومادييه لأن الحقيقة الكلية هي لا وجود ليسار ولا ليمين، ولا لديني ولا لعلماني، ولا لروحي ولا لمادي الا في المتحد الاجتماعي – في الأمة التامة الكاملة الآهلية بمقوّميها الأساسيين الضروريين أي في تفاعل الجماعة البشرية مع الأرض وتفاعل الأرض مع الجماعة اللذين ينتجان بتفاعلهما المتواصل في الزمن التاريخ البشري الثقافي بكل مظاهره وميادينه.
إن المذهب السوري القومي الاجتماعي في الحياة ليس مذهباً يمينياً ولا يسارياً، ولا مادياً ولا روحياً، ولا خوارقياً ولا رومنسياً، بل هو المذهب الجديد الذي قال عنه سعاده في خطابه في الاجتماع القومي الاجتماعي في نادي «شرف ووطن» في بوانس ايرس في شهر كانون الأول سنة 1939:
«إن النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن أن ليس بالمبدأ المادي وحدَه يُفَسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً ويُشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذاك.
إننا نقول بأن التاريخ والحياة يُفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع، بفلسفة جديدة تقول إن المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم. إني أقول إن النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة – بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي – بين نفي الروح المادة ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي – المادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة».
*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى