أخيرة

ملحمة تليق ببلادي…

 

‭}‬ صباح العلي
لو استطعت في يوم من الأيام أن أكتب ملحمة شعرية مثل الملحمة التي كتبها «أبو القاسم الفردوسي» لكتبت ملحمة شعريّة تخلّد ما جرى من أحداث خلال حرب العقد الأخير من زماننا هذا.
وملحمة الفردوسي باختصار سُميّت (الشاهنامة)، والشاهنامة بالفارسية تعني (رسالة الملوك)، وهي أعظم ملحمة شعرية في بلاد فارس.
ستّون ألف بيت من الشعر، استغرق نظمها ثلاثين سنة، يحكي فيها قصة الأمة الفارسية، أخبار ملوك بلاد فارس ومعاركهم وسياساتهم، وحثّهم على رعاية حقوق الرعية وأداء العدل، وكلّ ما عرفه الفرس من أساطير وحكايا وأحداث وخرافات ووقائع.
إنها في الدرجة الأولى أقرب إلى كتب السلاطين، وتنضوي تحت لواء الأدب السياسي تماماً كما هي الحال في كتاب كليلة ودمنة.
كما أنّ ملحمة بلاد فارس هذه تختلف عن الإلياذة ملحمة الإغريق؛ لأنّ الشاهنامة عبارة عن تاريخ كامل ولم تركز كما الإلياذة على بطل واحد.
لو قدّر لي في يوم من ذات الأيام أن أكتب ملحمة شبيهة بها سأكتب ملحمة تليق بشهداء بلادي وجرحاهم وعائلاتهم التي ذاقت المرّ في حربنا الضروس الأخيرة.
فشهداء سورية وجرحاها لن يكونوا مجرد أرقام وذكريات منسيّة، ولن تكون حكاياتهم مجرد آلام تروى أحداثها للغير، بل يجب أن تخلد بطولاتهم في ملحمة شعرية تقرأها الأجيال وتستلهم العِبر.
من يسمع ما روَته دموع الأمهات وانتظار الأطفال وصبر زوجات أرضعن صغارهنّ حليب الصبر والأمل لا بدّ له أن يدوّن كلّ ذلك للأجيال القادمة حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتكون الأجيال القادمة على دراية تامة بمن كان سبب نصر بلدها في يوم ما.
كم هو لشيء جميل تخليد كلّ ذلك بعمل شعري ملحمي جميل يصوغ قصص وأحداث أولئك الشهداء والجرحى، عسكريين ومدنيين يكون شاهداً على هذه الحرب.
إنّ ما حدث ويحدث حتى الآن بمثابة نصر الخلود في زمن الخنوع، حكايات تشبه الأساطير في تراجيدياتها. فكم سمعنا من قصص تقشعر لها الأبدان، شهداء عادوا أحياء، أشقاء شيّعوا بعضهم، ومحاربون تحدّوا السيوف على رقابهم، ففي سورية فقط قد يجيء نبأ شهيد ويقيم له الأهل والمحبون واجب العزاء، وبعد شهور قد يعود هذا الشهيد لأنه استطاع النجاة بروحه من براثن الشياطين وعاد إلى أهله يلملم دموعه قبل جروحه.
هناك حزن كبير عشش في بيوت السوريين وقلوبهم وأرواح ذويهم ولكنها مشيئة الحرب، وكما قال ستالين: «يُظهر التاريخ أنه لا يوجد جيوش لا تُقهر».
قدّم وطني كثيراً من دماء رجاله ودموع نسائه، ولا بدّ من ملحمة تخلّد كل من دافع عن هذا الثرى الطيّب.
النسخة الأصلية للشاهنامة موجودة اليوم في برلين، وقد ترجمت إلى عشرات اللغات العالمية.
أرجو لك يا وطني ملحمة شعرية تخلّد أبطالك وتضاهي الشاهنامة كمّاً وكيفاً وتصل كلّ أنحاء العالم ليعلم الجميع أيّ قهر عاشه السوريون وأيّ إرادة يمتلكونها، وأي أبطال يخلدون…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى