أولى

مبادرة السلام الصينية مرهونة بـ «جحيم» الربيع الدافئ

‭}‬ عمر عبد القادر غندور*
بعد مرور سنة كاملة منذ الرابع والعشرين من شباط 2022، يمكن القول ان لا حلّ في الأفق، وانّ الحرب الضروس التي تسبّبت في تشريد ملايين المدنيين، ما زالت تحصد آلاف الضحايا، وتدمير هائل هو أشبه بالزلزال. وبالأمس زار الرئيس الأميركي بايدن العاصمة الأوكرانية مستخدماً القطار السريع من بولندا الى كييف ولمدة عشرين ساعة ذهاباً وإيابا، وهو ما استدعى اتصالاً هاتفياً أميركياً بالقيادة الروسية في موسكو لإعلامها قبل ساعات بزيارة بايدن الى كييف منعاً لأيّ عمل عسكري يستهدف زيارة الرئيس الأميركي الى كييف واستبعاد ايّ تصرف طائش قد يؤدّي الى سقوط الخطوط الحمراء.
ولا شك انّ الاتصال الهاتفي بين واشنطن وموسكو رغم المساعدات الأميركية الغربية غير المسبوقة واشتعال النار في كلّ مكان، يعني انّ الحذر وضبط النفس وعدم الانزلاق، ما زال ممسوكاً بحزام التعقل وسلامة التقدير.
وكشفت مصادر أميركية في الساعات الماضية انّ روسيا أجرت تجربة صاروخ باليستي عابر للقارات قبل وصول بايدن الى أوكرانيا وانّ روسيا ابلغت الولايات المتحدة مسبقاً بالتجربة.
ولأنّ الحرب لم تتوقف ولم تصمت المدافع ولو لساعة واحدة أطلقت الصين مبادرة للتوسط بين موسكو وواشنطن، هدفها وقف الحرب والشروع بمفاوضات يريدها الغرب الأوروبي في الخفاء ولا تريدها الولايات المتحدة إلا بعد هزيمة روسيا في هذه الحرب، وهذا غير ممكن واقعاً لأنّ روسيا في هذه الحالة، أهون عليها ان يخسر العالم بأجمعه أمنه واستقراره!
إذن الصين المرتبطة بروسيا والتي تعتبر انّ صداقتها مع روسيا لا حدود لها، ولكنها ساكنة، رغم أنها تتفهّم المخاوف الروسية المشروعة بشأن أمنها، وامتنعت عن إدانة روسيا في مجلس الأمن، وهي في الوقت نفسه لا تريد أن تغامر بعلاقتها الاقتصادية مع أوروربا.
لذلك أعلن عدد من الديبلوماسيين الصينيين استعداد بلادهم لتقديم اقتراح للسلام بين روسيا وأوكرانيا. وقد ترافق ذلك مع حملة اعلامية وديبلوماسية ضدّ بكين. وهناك من يقول انّ القيادة الصينية باتت ميالة للدفع باتجاه وقف اطلاق النار، في الوقت الذي أعلنت فيه الدول الغربية أنها كثفت إنتاج الذخائر للقوات الأوكرانية، وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» انّ الولايات المتحدة أرسلت مخزوناً من الذخائر التي كانت مخزنة في «إسرائيل» لتستخدمه أوكرانيا في مواجهة الروس.
وللإجابة على جدية المبادرة الصينية تقول صحيفة «نيزاميسيمايا» الروسية انّ الصراع الذي يدور بين أوكرانيا وروسيا دفع بكين الى الاقتراب من موسكو لكنها لن تنحاز أكثر الى الجانب الروسي كونها لم تبلغ مخططاتها بشأن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
وهذا يعني انّ بكين تسعى الى إذابة جليد التوترات الصينية الأميركية رغم الإعلان انّ الصداقة الروسية ـ الصينية لا حدود لها.
وتبقى الحقيقة الأكثر وضوحاً وهي انّ الولايات المتحدة «تحلم» بهزيمة روسيا في أوكرانيا، وهي غير جادة في تلقف المبادرة الصينية وهي تنتظر حلول فصل الربيع لمعركة حاسمة تستفيد فيها أوكرانيا من زخم الإمدادات التسليحية الضخمة مع وصول الدبابات الألمانية، بينما لا تقبل روسيا بخروجها من أوكرانيا خالية الوفاض وهي في هذه الحالة تُسقط الخطوط الحمراء، في الوقت الذي تنتظر فيه الدول الغربية الأوروبية المغلوب على أمرها الفرج من جحيم الربيع المقبل.
لذلك لا نرى حظوظاً للمبادرة الصينية في ضوء المواقف المتشدّدة للولايات المتحدة التي انسحبت في وقت ليس ببعيد من معاهدة الأجواء المفتوحة ومن معاهدة الصواريخ العابرة، فيما التصنيع العسكري في أوجه في فرنسا وبريطانيا وربما في برلين، ومطالبة زيلينسكي بصواريخ بعيدة خلال زيارة بايدن الخاطفة لكييف، ونعتقد انّ الرئيس بوتين كان واضحاً في رصده لكلّ هذه التطورات. والله يستر…

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى