أخيرة

آخر الكلام

مثل القبّرة والفيل وإرادة الانتصار
‭}‬ الياس عشّي
المشهد الأول
في كتاب «كليلة ودمنة» حكاية عن فيل مرّ، في طريق مشربه، بمكان وضعت فيه قبّرةٌ بيوضها، فوطئ الفيل المكان، وقتل فراخها، وهشَم بيضها، ومشى في طريقه غير آبه بما فعل.
المشهد الثاني
حطّت القبّرة، وفي الحطِّ خضوعٌ وضعفٌ، على رأس الفيل باكية، تسائله إنْ كان قد فعل ذلك استصغاراً لها، واحتقاراً لشأنها؟ فتغطرس الفيل وقال: نعم… هذا ما دفعني إلى ذلك! لم يعتذر… فالطغاة لا يملكون شجاعة الاعتذار.
والمشهدان يمكن إسقاطهما على غابة معاصرة: الفيل كيان عنصريٌّ طاغٍ مستبدٍّ اسمه «إسرائيل»، وطئ أرضنا، وقتل صغارنا وشيوخنا ونساءنا، واستصغر شأننا، وفرض قانونه الغابوي (نسبة إلى غابة) القائم على مبدأ «من له القوة له الحقّ، ومن لا قوّة له لا حقّ له»، ثم راح يباهي بأنه «شعب الله المختار».
المشهد الثالث
القبّرة، هذا الطائر الصغير الحجم، أخذ المبادرة. تواصلت القبّرة مع رفقائها الطيورِ، فتداعوا إليها، وقرّروا مواجهة الفيل، والنيل منه. حوّموا فوق رأسه، وراحوا ينقرون عينيه إلى أن فقد بصره.
المشهد الرابع
طارت القبّرة إلى جماعة الضفادع، فروت لهنّ ما ساءها من الفيل، وطلبت منهنّ أن ينققنَ في وهدة لا ماء فيها، حتى إذا عطش الفيل توهّم أنّ في الوهدة ماءً، فيتوجّه إليها، ويسقط فيها.
المشهد الخامس
سقط الفيل في الوهدة، وقبل أن ينفق رفرفت القبّرة، وفي الرفرفة علوُّ واعتزازٌ، فوق رأسه لتعلن انتصارها عليه، على الرغم من صغر حجمها، وضخامة حجمه.
والمشاهد الثلاثة الأخيرة تؤكد أنّ في الاتحاد قوّةً، وأنّ التعاون أمر طبيعي للمحافظة على النوع، وأنّ قوّة العقل، وحسنَ التدبير، هما السبيل لكلّ انتصار، وأنّ رفرفة القبّرة فوق الفيل إعلان لانتصار الحقّ على الباطل، والعدالة على الظلم، والإرادة على التردّد، والشجاعة على الخنوع.
وحدث أنّ العرب، خلال كلّ هذه السنوات الطويلة في صراعهم مع الكيان الصهيوني، لم يقرأوا مثلَ القبّرة والفيل، أو قرأوا ولم يفهموا، فتفرّقوا شيعاً، وعاثوا فساداً، واستسلموا، وباعوا وشروا، وقبلوا أن يعيشوا في غابة تحكمها قطعان من الفيلة!
المشهد الأخير
ولكن حدث أيضاً أنّ ثمّةَ من رفعوا الصوت، وراهنوا على الانتصار، وتعاونوا، واتحدوا، وأجبروا الصهاينة على الفرار من بيروت، من الجبل، من صيدا، من صور، ومن ثَمّ من الجنوب.
هؤلاء القدّيسون قرأوا جيداً المعادلة التي كتبتها القبّرة، وفهموا أنّ العقل هو الشرع الأول للإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى