الفنانون الفلسطينيون الشباب… أفقهم محدود في الوطن متّسع في الشتات!

بين أيدينا اليوم ثلاثة تقارير عن ثلاث فعاليات فنّية فلسطينية، محورها الشباب الفلسطيني. وقد قمنا بفعل الدمج في موضوع واحد، للتركيز أكثر على الآفاق المحدودة لدى الفنانين الفلسطينيين في بلدهم، وكيف تتسع تلك الآفاق في بلاد الشتات.

معرض «مقاومة»

اختتم المصوّر الصحافي فادي العاروري أمس، معرضه في جامعة «شرق البحر الأبيض المتوسط» في قبرص القسم التركي ، الذي ينظّم للسنة الثانية على التوالي، وذلك بدعوة من اتحاد مجلس الطلبة الفلسطينيين في الجامعة.

وشارك العاروري في 30 صورة عكست أساليب مقاومة الشعب الفلسطيني الاحتلال ضمن تغطية امتدت لعشر سنوات في الضفة الغربية.

واختيرت الصور لتحمل رسائل إلى العالم، وتحديداً إلى قطاع الطلبة الواسع في الجامعة، إذ يمثلون أكثر من 98 جنسية، وشكل المعرض فرصة لإيصال رسائل من الشعب الفلسطيني، وأسلوب حياة وعمل لمقاومة الاحتلال لأكثر من 60 سنة، وفق العاروري.

ويأتي تنظيم المعرض ضمن فعاليات الليلة الفلسطينية «الطريق إلى القدس» المنظمة من اتحاد مجلس الطلبة، وامتدت الفعاليات على مدار يومين، تخللهما عرض فيلم قصير وعرض مسرحي متكامل عكس نضال الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وصموده في مقاومة الاحتلال. إذ مُثّلت مشاهد من إخراج الممثل الفلسطيني المغترب إبراهيم صويص، لطالبين وطريقهما للخروج من الضفة وغزة للحصول على تحصيلهما الأكاديمي في الجامعة وعودتهما ليحطما الحواجز بالمقاومة والعلم.

كما تخلل الفعاليات عروض دبكة وافتتاح لزاوية «المطبخ الفلسطيني» الذي تضمن أكثر من عشرة أصناف لمأكولات فلسطينية وعربية.

«حاكورة»

فرّقتهم الجغرافيا وتجمعت أصوات آلاتهم الموسيقية في غرفة صغيرة في خان يونس لكي توزع بالشكل الذي يليق بألم المنفى وعتمة قطاع غزة.

إنهم «حاكورة»، المشروع الغنائي الفلسطيني الذي يخرج إلى النور بعد ثماني سنوات من العمل. ويضم ألبومهم الأول عشر أغان تحمل ألوان موسيقية مختلفة مثل الجاز والروك واللاتين والسلسا، وتتنوع مضامينها ما بين الإنساني والعاطفي والتراثي، كما تقدّم بتوزيع غربي.

في غرفة لا تتسع إلا لشخصين، وشخص آخر يجلس خلف جهاز الصوت، بدأ جبر الحاج الموزع والمؤلف الموسيقي الذي ارتبط اسمه بعدد من الأفلام الغزّاوية مثل «سارة» 2014، و«ماشو ماتوك»، و«أقوى من الكلام»، الحديث عن «حاكورة» بالقول: فرقتنا تحدّت ظروف الحرب والحصار «الإسرائيلي» وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، فخرجت بقطع فنية إلى العالم ليستمع إلى صوت غزة الحقيقي. موضحاً أن الفرقة تتألف من سبعة أعضاء أساسيين موزعين بين قطاع غزة وسويسرا وكوبا.

وأضاف الحاج: من المقرر طرح هذا المشروع في سويسرا صيف 2015 ضمن ثلاثة عروض ستقيمها الفرقة في ثلاث مدن سويسرية.

في الشق الآخر من الغرفة، يجلس ياسين حسين مغني الفرقة الرئيسي والذي قال: اعتدت على غناء الفلكلور الفلسطيني بالطريقة التقليدية، ولكنني عندما بدأت العمل مع فرقة «حاكورة» اختلفت طريقتي في الغناء كلياً. ولأن الموسيقى لغة عالمية سهلة الفهم قرّرنا العمل بدقة أكثر ليتقبلنا المستمع الغربي حتى وإن كان لا يفهم ما نقوله بالعربية.

ويرى حسين أن تشكيل هذا الفريق يعدّ حالة نادرة أهم ملامحها العمل الموسيقي المشترك مع فنانين من الخارج و«هذا سهّل تبادل الخبرات بيننا وبينهم» بحسب قوله.

خروجاً من خان يونس متوجهين إلى غزة، كان لمحمد الهباش عازف العود في الفرقة كلمة: بدأت العمل مع أعضاء الفرقة منذ عام 2007، ولم يكن لدينا إلا الإيمان بفكرة النجاح وتقديم ما هو مختلف. لقد كانت مهمتنا صعبة جدا في صناعة أغنية بتوزيع غربي تشتمل تقاسيم العود، لكننا نجحنا في ذلك.

من جهته، أكد شادي توفيق منتج الفرقة وعازف الكيبورد المقيم في سويسرا حالياً، من خلال اتصال هاتفي أن هذا المشروع يعتبر الأول من نوعه في قطاع غزة فلقد تضمّن أغاني فلكلورية وزّعت برؤية موسيقية مختلفة عن المعتاد، أملاً في تسهيل وصولها إلى المستمع غير العربي، وهذا يعني شكل من أشكال المواجهة لسرقة التراث الفلسطيني الذي تقوم به دولة الاحتلال.

وقال الحاج إن المشروع أصبح جاهزاً للنشر بعد سنوات من التعب والجهد المشترك بين أعضاء الفرقة.

قصص في الهواء الطلق

نظّمت جمعية الثقافة العربية داخل أراضي 1948 احتفالية أدبية في مدينة حيفا، وذلك ضمن الدورة الثامنة لاحتفالية فلسطين للأدب 2015 بالفست التي تقام بين 23 و28 أيار تحت عنوان «قصص في الهواء الطلق»، وبمشاركة أدباء وشباب.

وامتدت احتفالية فلسطين للأدب هذه السنة ستة أيام، وتضمنت سلسلة أمسيات وورشات مفتوحة في كل من القدس ورام الله وبيت لحم وحيفا ونابلس والخليل.

ونظراً إلى الحصار المستمر على غزة واستحالة الوصول إليها، أقيمت فعاليات منفصلة للاحتفالية فيها بالتزامن مع فعاليات باقي المدن الفلسطينية.

وفي حيفا، المدينة التي نشأ وترعرع فيها الشاعران محمود درويش وسميح القاسم، امتلأ مدرج باحة المركز الثقافي العربي بالجمهور لحضور أمسية «قصص في الهواء الطلق» ضمن الاحتفالية.

وإضافة إلى الأدباء المحليين، شارك في احتفالية حيفا كتّاب من الخارج، منهم الكاتب والناقد السوري صبحي حديدي، والروائي العراقي سنان أنطون، وغيرهما.

وذكر مدير جمعية الثقافة العربية الكاتب إياد برغوثي أن الاحتفالية جاءت ثمرة تعاون متواصل بين الكاتبة المصرية ورئيسة مجلس أمناء «بالفست» أهداف سويف، والراحلة روضة بشارة عطا الله.

كما شارك في الأمسية كتّاب وفنانون محليون، منهم أسماء عزايزة وفراس خوري وسهيل مطر.

ولمّا كان الفن شقيق الأدب، فقد ازدانت الاحتفالية بالفنانة رنا خوري، فقدمت برفقة علاء بشارة الموسيقي وعازف العود أغنية «طريق النحل» للفنانة فيروز، ثمّ تهليلة «يا نجم الصبح تيهي» الفلسطينية، واختتمت مع أغنية «يمّا مويل الهوا».

وشاركت في الاحتفالية الباحثة الاجتماعية سهاد ضاهر ناشف التي أنجزت دراسات مهمة عن المجتمع الفلسطيني، فقرأت قصتين باللهجة العامية ضمن مجموعة قصصية قيد النشر تحمل اسم «سير من حيوات أموات».

وتتذكر «لاميا» قصص نساء قُتلن على خلفية ما يسمى «شرف العائلة»، فتقول «اللي حرقوها واللي رموها في البير واللي ذبحوها وهي حامل واللي ذبحوها وهي في السوق والناس تتسوق والحياة ماشية…».

أما القصة الثانية فجاءت على لسان قتيل في صراع عائلي اكتظت بنقد لاذع للاحتلال «الإسرائيلي» لم يخل من النكتة السوداء، فتقول في أحد مقاطعها: «أبو العبد شوفير الإسعاف استغل الوضع وانتقم من الجنود… نزل من السيارة، فارد أكتافه، فتح الباب وهو وثقان بحاله وفتح الكيس… ردّ فعل الجنود لما شافوني كان أحلى انتقام لكل فلسطين…».

تلتها الكاتبة السريلانكية رو فريمان، فقرأت قصة عن طفولتها في سريلانكا خلال الثورة وتأثيراتها على حياتها الشخصية وعائلتها. ثم الكاتبة البريطانية بريجيت كينان بقصة من سيرتها الذاتية كزوجة رجل دبلوماسي، تتحدث فيها بلغة أدبية ساخرة.

وقرأ الكاتب الصحافي الشاب ربيع عيد قصة قصيرة بعنوان «لجوء»، تناول فيها قصص اللاجئين العرب في أوروبا، موضحاً قضيتهم ومعاناتهم اليومية، وقد أهدى قصته لمن فشل في الفوز باللجوء بعد غرقه بالبحر.

ويوضح عيد أنه كتب النص المذكور في 2012 بعد جولة في عدد من المدن الأوروبية، تعرف خلالها على لاجئين من العالم، والتقى بهم وتركت اللقاءات معهم انطباعات عليه.

ويضيف: «رأيت فيهم مأساة أوطاننا، ووجهاً آخر لأوروبا غير الذي أعرفه، فولد النصّ من رحم هذه اللقاءات، والذي يتكون من ستة مشاهد واقعية مختلفة قمت بتوثيقها ووضعها في قالب أدبي».

ويؤكد مدير جمعية الثقافة العربية الكاتب إياد برغوثي أهمية الاحتفالية بكونها حدثاً ثقافياً تواصلياً، يعرّف كتاباً ومبدعين من العالم عن قرب على الصراع والحالة الثقافية بفلسطين، وينقل الموقف المتضامن من الشعار العام والتأييد القيمي إلى تجربة محسوسة مليئة بالتفاصيل.

ويوضح أن الاحتفالية تعرف الكتاب والمهتمين بالأدب في فلسطين على أسماء ومبدعين عالميين وعرب، وتوفر فرصة للقاء ثقافي معهم، ناهيك عن كونها حدثاً موحداً للفلسطينيين في الوطن.

ويرى برغوثي أن دور الأدب تحت الاحتلال يكمن برواية قصص المستعمَرين من زاويتهم بتفاصيلها وعمق تجربتهم وتعقيداتها.

ويتابع: «دور الأدب أن يحكي عن الصراع ومواجهاته، وعما ينسينا إياه الصراع من قصص، وعما لا تحكيه نشرات الأخبار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى