كلٌّ على طبع أهله

كلٌّ على طبع أهله

حكى أحدهم وقال: كنت في سفر فضللت الطريق، ثمّ رأيت بيتاً في الفلاة، فأتيته فإذا فيه أعرابية. فلما رأتني سألتني: من تكون؟ فقلت: ضيف. قالت: أهلاً ومرحباً بالضيف، انزِل على الرحب والسعة.

قال: فنزلت، فقدّمت لي طعاماً فأكلت، وماءً فشربت. وبينما أنا على ذلك، إذ أقبل صاحب البيت. فقال: من هذا؟ فقالت: ضيف. فقال: لا أهلاً ولا مرحباً، ما لنا وللضيف! فلما سمعتُ كلامه ركبت من ساعتي وسرت.

وفي الغد، رأيت بيتاً فقصدته، فإذ فيه أعرابية، فلما رأتني قالت: من تكون؟ قلت: ضيف. قالت: لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف، ما لنا وللضيف! فبينما هي تكلّمني، إذ أقبل صاحب البيت، فلما رآني قال: من هذا؟

قالت: ضيف. قال مرحباً وأهلاً بالضيف، ثم أتى بطعام حَسَن فأكلت، وماء فشربت، فتذكرت ما مرّ بي بالأمس فتبسمت. فقال: لماذا تبسّمت؟ فقصصت عليه ما اتفق لي مع تلك الأعرابية وبعلها، وما سمعته منه ومن زوجته. فقال لا تعجب، إن تلك الأعرابية التي رأيتها هي أختي، وإن بعلها يكون أخ امرأتي هذه، فغلب على كلّ طبع أهله.

بالمختصر المفيد، الكريمة أخت الكريم، والبخيل أخ البخيلة، وكلّ على طبع أهله يعيش. فلن تلد العقارب نسوراً، ولن تنجب الأفاعي سباعاً، ولا حياة لأرانب بين الأسود. وهذا ما عايشناه وعرفناه خلال هذه الحرب، فمن علّم أولاده حبّ الوطن وقيمة الأرض، لن يبيعها مهما بلغ الثمن، ومهما كانت التضحيات. ولن يفرّط بعرضه ولو مات دونه. ومن ترك أبناءه يعيشون من دون قيم ولا أخلاق فسيكبرون ليكونوا «معارضة سورية»، يبيعون أنفسهم ويحنون ظهورهم ليركبها كلّ مارق.

في المحصلة، لا مُغرّرَ بهم، وهذه التسمية هي الضلال بحدّ ذاته. بل هناك نفوس ضعيفة وقذرة ومخلوقات طائفية يُمثّلها كلّ ما يحصل، ويستمرون في فعل كل ما يلزم حتى يُحشروا في الزاوية، ولا يجدوا مفراً فتبدأ حفلات البكاء والندم والاستعطاف. وقد تكون هناك فئة قليلة أُجبرت بطرق مختلفة على فعل ما لا تريده، ولكن عناصر هذه الفئة نقطة في بحر، أما الغالبية الباقية فهم يعتقدون بما يفعلون، وهم فقط المؤمنون ولهم الجنة والحوريات، وإذا أتتهم الفرصة ثانية فسيقومون بالقتل والاغتصاب من جديد. والوهم الوحيد الذي عاشوه أنهم ظنوا لوهلة أنهم قادرين حقيقة على الانتصار وإسقاط الحكومة السورية، وظنوا أن من يستخدمهم سيجعلهم يحكمون، فيصبحون أسياداً وهم العبيد.

هي حقيقة لا تقبل النكران ولا التشكيك. فجُل من يدافعون عن الوطن اليوم هم أبناء مَن دافعوا عنه من قبل ودفعوا دماءهم ثمناً لحريته، وأحفادهم. وغالبية من ينادون بتدميره واحتلاله ومن أدخلوا الأغراب إليه، هم نسل من باعوه سابقاً وخانوه مراراً وتكراراً وطعنوه بخناجرهم المسمومة. فالأصيل لا تغيّره الشدائد والمِحن، بل تزيده صلابة على موقف واستشراساً في حماية جذوره من الاقتلاع. والأنذال ينتظرون فرصة يقتنصونها كي يعيثوا فساداً وفسقاً، وهؤلاء توبتهم كاذبة وقلوبهم حاقدة وبقاؤهم قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهنا من جديد. ومن باع وطنه بالرخيص لن يشتريه بالغالي، فاقتلوهم قبل أن يتكاثروا.

صباح الأوفياء الأنقياء. صباح الأتقياء الكرماء. صباح الشهداء ومَن هُم على طريق الشهادة. صباح الجيش العربي السوري.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى