معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59… الأطفال أيقونة الثقافة الوهّاجة

لمى نوّام

أن تزور معرض بيروت العربي الدولي قبل الظهر، يلفت نظرك مشهد يبهج القلب: أرتال ومجموعات كبيرة من التلامذة تجوب المعرض، تتوقّف في جناح لاختيار قصص وكتب معيّنة، وتقصد جناحاً آخر لمقابلة كاتب أو مؤلفة، وتتوجّه إلى جناح ثالث للقاء الحكواتي.

هذا المشهد يبعث الطمأنينة في النفس. فإن سلّمنا جدلاً أن نصف هؤلاء الزوّار الصغار يحبّون القراءة والكتاب، فهذا الأمر مبهج، ويدحض إلى حدّ بعيد مقولة أنّ هناك أزمة مطالعة في لبنان، كما وجدت ندوة نُظّمت قبل أيام على هامش المعرض بالتعاون مع اللجنة الوطنية لليونيسكو.

وهنا لا بدّ من كلمة حق، بعد تساؤل بسيط: من قال إنّ هناك أزمة مطالعة في أوساط الأجيال الجديدة في لبنان؟ هل تسنّى للجهة التي تروّج لهذا الأمر أن تجمع إحصاءات، تبدأ من عدد المكتبات العامة المتنامي في المناطق اللبنانية كافة، إلى عدد المكتبات المدرسية، إلى نموّ أدب الأطفال المتسارع من خلال عدد دور النشر المختصّة بهذا الأدب، وعدد المطبوعات؟ هل تسنّى لهذه الجهة أن تستعير من وزارة الثقافة مثلاً، إحصاءات المكتبات العامة حول إعارة الكتب والأنشطة القرائية في المناطق؟ هل سألت هذه الجهة مكتبات البيع عن حجم مبيعاتها من كتب الأطفال؟ هل سألت هذه الجهة المدارس الخاصة والرسمية عن استراتيجياتها إزاء تنمية روح المطالعة لدى التلامذة؟

أسئلة نحن نعرف الإجابات عنها، ونترك لتلك الجهة التي تروّج لمفهوم أزمة في المطالعة، انطلاقاً من رؤى خاطئة، أن تبحث عن تلك الإجابات.

وبالعودة إلى المعرض، يبقى الأطفال الزوّار الأكثر أهمية وحضوراً، قبل الظهر وبعده ومساءً، وهنا لا أنسى أبداً مشهداً آخر يفرح القلب: طفل خيّرته أمّه بين عدد من القصص، فأصرّ على أخذ القصص كلّها، على رغم محاولات الوالدة في ثنيه عن قراره… وفاز.

الخنسا

«البناء» التي تواكب فعاليات المعرض، التقت رئيسة اللجنة الثقافية في «النادي الثقافي العربي» نيرمين الخنسا، التي قالت إنّ أهميّة المطالعة بالنسبة إلى الأطفال، تكمن في أنّها تأسيس لجيل مثقف، وهذا ما يعمل عليه «النادي الثقافي العربي» من خلال معرض الكتاب، «إذ نظّمنا منذ أيام ندوة بعنوان أزمة المطالعة في لبنان، شارك فيها تلامذة المدارس. والمعرض بمجرّد فتح أبوابه لتلامذة المدارس، خصوصاً الأطفال صغار السن، فإنّه يجعل الأطفال يعتادون على على هذا المشهد الثقافي، ومع الأيام يتفاعلون معه أكثر، وعلى امدارس والأهل والأندية الثقافية، أن يحثّوا الأطفال والتلامذة على فكرة المطالعة، بطريقة سلِسة ومحبّبة، لا بأسلوب الفرض، لأن الطفل يكره أن يُجبَر على أمر ما، ليتأقلم مع المطالعة، ويصبِح مع مرور الوقت قارِئاً جيّداً».

وعن أهمية دور النشر المتخصصة بإصدار كتب الأطفال قالت الخنسا: «نُحيّي كل قلم يكتب للأطفال، من غير المفروض أن نتجاهل هذه الفئة العمرية، وألا نكتب لها. فهذا العمر هو تأسيس للمستقبل ولجيل الغد. دور النشر مشكورة على دورها الفاعل والبنّاء في هذا المجال، وعلى الأنشطة التي تقيمها من حيث فاعليتها، التي تساهم إلى حدّ بعيد في تعزيز المطالعة لدى الجيل الناشئ».

عودة

وقال مؤسّس «دار سيبار لثقافة الأطفال» علاء عودة إنّ الإقبال على كتب الأطفال قياساً بالسنوات السابقة جيّد جداً، وهناك نسبة أكبر من الحضور، «لدينا هذه السنة سلسلة من عشرين كتاباً، وكل كتاب يتضمّن خمس قصص، والكاتب هو رائد أدب الطفل المصري المرحوم الذي تُوفي قبل ستة أشهر عبد التوّاب يوسف، الذي كتب لنا سلسلة من مئة قصّة، وفي كل قصّة مئة كلمة، وقُمنا كدار بوضع كل خمس قصص في كتابٍ واحد».

وأضاف عودة: هذه السلسلة لاقت إقبالاً جيّداً من الزبائن، وهي مرسومة بصورة طفولية ملوّنة وكرتونية، كما لدينا سلسلة أخرى بعنوان «حكايات من سيبار»، و«سيبار» تعني مدينة الطيور، وهي مصطلح سومريّ قديم، وهذه سلسلة مؤلّفة من عشرة كتب، تتضمّن أمثلة وحكَماً من بلدان متفرّقة من العالم، كتبها المؤلف السوريّ المبدع مهنّد العاقوص، وهي من أهم السلاسل المتواجدة في «دار سيبار».

سنّو

وقالت مسؤولة المكتبة في مدرسة «البيادر» ـ بيروت غيدا سنّو: «نحن كمدرسة البيادر، كل سنة نزور مع طلاّبنا معرض الكتاب، وقبل زيارتنا يأتي مندوباً من مدرستنا ويأخذ خريطة المعرض ويقوم بجولة على أبرز دور النشر المتخصّصة في كتب الأطفال. ثمّ نأتي مع الأطفال ونتركهم لانتقاء كتبهم بمفردهم والاستماع إلى قصص من الحكواتي، ويجولون على الدور التي اخترنا زيارتها، بما يناسب ميولهم وأعمارهم. المعرض رائع ويحتوي على كل ما يلزم للطفل من كتب تثقيفية وقصص».

وعن أهمية المطالعة بالنسبة إلى الطفل قالت سنّو: «خصّصنا في مدرستنا ضمن المنهاج حصّة مطالعة، وهي تنقسم بين نشاطات وقراءة قصص، وبإمكان الطلاب على مدار الأسبوع أن يقوموا بتبديل القصص واختيار قصص أخرى. وهذا نابع من إيماننا العميق بأهمية المطالعة بالنسبة إلى الطفل، نظراً إلى دورها في تثقيفه وتنمية مهاراته، وصقل مواهبه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى