الوطن

هل يتخلّص الأتراك من أردوغان؟

 د. وفيق إبراهيم

معارك حلب وإدلب المتواصلة وسط انتصارات بنيوية للجيش العربي السوري على الإرهاب المتشكل من وحدات تركية وأخرى متنوّعة بإمرتها وضعت السياسة التركية في مأزق عميق، لا يمكن التخلص منه إلا بتغيير في استراتيجية الدولة التركية نفسها. فهذا التراجع التركي ليس مجرد معارك على بضع قرى أو طرق وجسور. بقدر ما يتعلق بنجاح سوري لافت في وضع الدور التركي في سورية في مرحلة تقهقر تتدحرج تدريجياً نحو الانهيار الكامل.

بذلك يقترب الاحتلال التركي أجزاء من سورية من الأفول مقابل إقفال كامل لأي علاقة ممكنة لتركيا مع الشرق العربي.

وبالتالي كامل العالم العربي مع انهيار لمحاولات الرئيس التركي أردوغان بتنصيب نفسه سلطاناً عثمانياً اسلاموياً.

لقد أدت سياسات أردوغان المستندة الى حزب العدالة والتنمية المنتسب الى فدرالية الاخوان المسلمين الى عداءات لتركيا مع كامل جيرانها، فهي تحتل أراضيَ سورية وعراقية وقبرصية وتدعم حزب الإصلاح الاخواني في اليمن والاخوان المسلمين في مصر والسراج الاخواني في ليبيا وأحزاب الاخوان في السودان والجزائر وتونس والمغرب والأردن.

هذا بالإضافة الى علاقاته المتدهورة الى ما يشبه القطيعة مع بلدان الخليج باستثناء قطر ولديه أيضاً علاقات سيئة بالاتحاد الأوروبي بسبب احتلاله قسماً من قبرص، الى جانب عداء عميق مع اليونان يصل أحياناً الى حدود اندلاع الحرب.

أما أرمينيا فتركيا في حرب صامتة معها بسبب مطالبات يريفان الأرمنية بإقرار عالمي بالمجازر التي اقترفها العثمانيون وورثتهم في مراحل طويلة بين القرنين 19 ومطلع العشرين في حق الأرمن.

يتبين ان هذه العداءات الحربية والسياسية بين تركيا وعشرات الدول في العالم تنتج إقفالاً أوروبياً في وجهها وانسداداً عربياً كاملاً وذعراً اسلامياً من مطامعها، حتى ان الأميركيين باتوا يحذرون من ذهابها احياناً نحو مشاريع مستقلة، انما من خلال الراية الأميركية. لذلك اعتقد اردوغان ان انفتاحه على روسيا عملية مركبة تجعل الأميركي يجري وراءه لمنع استقراره في الكرملين الروسي، وتفرض على الأوروبي مساومته وإلا فإنه مستعد لإطلاق النازحين السوريين نحو أوروبا.

ويلعب أردوغان على مستويين مع العرب، فيزعم أنه يحارب للدفاع عن السنة في وجه ما يسمّيه المشروع الشيعي.

ويعادي «إسرائيل» من أجل نصرة القضية الفلسطينية، كما يدّعي.

فماذا عن «حقائق» سياساته؟

لا يأبه أردوغان للعرب بكامل فئاتهم السنية والشيعية والمسيحية، لأن ما يريده هو إعادة تأسيس إمبراطورية اما بواسطة الاخوان المسلمين او من خلال الطموح العثماني.

على مستوى «إسرائيل» فيتبين أن أردوغان يتبنى خطاباً معادياً يناقض العلاقات الاقتصادية العميقة بين البلدين ولكون تركيا واحدة من أوائل البلدان التي اعترفت بالكيان المحتل.

هذا بالإضافة الى ان الطرفين يلتقيان في الانتماء العميق الى المحور الاميركي ولم يتعاديا إلا كلامياً.

ماذا عن الأوضاع الداخلية لتركيا: اقتصادياً هناك تراجع واضح وتقهقر في أسعار الليرة التركية مع اندلاع صراعات سياسية بين الاتجاهات الاسلامية والقومية والجمهورية فيها يتصاحب مع قمع للأقليّات الكردية والعلوية والمعارضات الكردية نفسها.

فيحاول أردوغان بأسلوب «قومجي» تركي لإعادة جذب المعارضات التركية بادعاء الدفاع عن تركيا في وجه الأكراد والأخطار الخارجية.

بذلك يتضح جلياً سوء السياسات الأردوغانية التي حوّلت تركيا الى جزيرة معزولة عن جوارها ومتعادية معها.

وهذا ما جعل الرئيس التركي يراهن على نفخ دوره في سورية لإعادة بناء أدواره في مناطق ثانية واختار إقامة علاقات مع الروس لتسهيل طموحاته في بلاد الشام وتالياً العراق فاستطاع بمدة بسيطة بناء علاقات اقتصادية بروسيا بدأت بالاتفاق على خطين لأنابيب الغاز يمرّان بالبحر الأسود أحدهما لاستهلاك تركيا الداخلي والثاني لأوروبا.

كما عقد عشرات اتفاقات التبادل الاقتصادي مع الروس مع عودة نحو 3 ملايين سائح روسي يأتون سنوياً إليها.

كان هذا السخاء الروسي وسيلة لجذب تركيا نحو حلف مع موسكو على نقاط محددة لا تلغي نهائياً علاقاتها التاريخية بالناتو. وكانت الاندفاعة التركية في سورية للاستمرار في مشاريع التفتيت، فأنقرة تخشى مشروع دولة كردية في شرق سورية أو شمالي العراق قابلة للامتداد الى أكراد تركيا وهم نحو 15 مليون نسمة.

لذلك حاول التركي اللعب على الصراع الروسي الأميركي لممارسة مطامعه في ادلب وعفرين وشرقي الفرات وحدوده مع سورية.

لقد بدا أن أردوغان اعتقد ان حاجة الروس اليه تجعلهم يغضون الطرف عن مماطلاته في إدلب.

حتى بدا أن عاماً كاملاً بدءاً من 2019 كانت كافية لإقناع القيادة الروسية بتلاعب اردوغان، هذا ما جعل القرار السوري الروسي بتحرير إدلب مبرماً لا رجعة عنه مهما حشدت تركيا جنودها وأسلحتها في مناطق سورية تحتلها.

الأمر الذي يضع المواطن التركي امام مستجدات تبدأ من استعداء أردوغان لكامل الدول العربية المجاورة والبعيدة واوروبا واميركا وروسيا والعالم الاسلامي، بما يهدّد الاستقرار التركي اقتصادياً ولجهة مرتكزاته الدولية والسياسية.

فهل يتخلّص الأتراك من أردوغان وعنجهياته؟

إن استـــمرار التدهـــور التركي الاقتصادي والسياسي المتعلق بالعلاقـــات مع العالم كفـــيل بنــمو حـــركات معارضة تركية يؤيدهـــا الشــارع وتتحيّن الفرص لإسقاطه بـــكل الوســائل الانتخـــابية منها والعسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى