الوطن

حرب أسعار النفط وكورونا بين الاقتصاد والسياسة…

} د. ميادة إبراهيم رزوق

 

دأبت الولايات المتحدة الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصارها في الحرب الباردة والتفوّق العسكري بإحكام قبضتها على السياسة الخارجية والعسكرية لأوروبا الغربية بالإضافة إلى ثلاث من دول الاتحاد السوفياتي القديم ضمن جدول تنظيم الأدوار في حلف الناتو، وباختلاق عدو جديد تحاربه على مستوى العالم تحت مسمّى الإرهاب، فأنشأت قواعد عسكرية على حدود روسيا الجنوبية لإحكام الطوق حول روسيا والصين، وترافق ذلك مع إعلان وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد بأنه إذا اقتضت الضرورة فإنّ العمليات العسكرية ضدّ الإرهاب ستكون في كلّ العالم تحت عنوان «مطاردة الإرهاب في كلّ العالم والتهديد بمهاجمة الدول التي تأويهم»، وحدّد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2002 أنّ العالم أصبح فيه دول شريرة تمثل محور الشر في العالم وهي (العراق، إيران، كوريا الشمالية) وحدّدها كأهداف مقبلة للولايات المتحدة الأميركية هي وغيرها من أيّ دولة «تجبن أمام الإرهاب» أو بمعنى آخر تعارض سياسة الولايات المتحدة الأميركية. وفي إطار ما سبق تمّ تعزيز الوجود العسكري للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط مما أحدث خللاً كبيراً في توازن القوة في العالم.

واستمرت السيناريوات المتتابعة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول تحت عنوان «الحرب الوقائية» بمزاعم مواجهة المجموعات الإرهابية أو الدول التي تمتلك أسلحة كيماويةبيولوجيةنووية، وذلك بهدف السيطرة على منطقة وسط وغرب آسيا التي تحتوي على احتياطات نفطية وغازية كبيرة، والتي يمثل بعضها موقعاً استراتيجياً على الحدود بين مناطق النفوذ الروسية والصينية.

وبعد فشل السيناريوات المتعاقبة التي تضمّنت تدخلاً أميركياً عسكرياً مباشراً، أكدت التقارير الأميركية والإسرائيلية «بيكر هاملتون و فينوغراد» فشل الحروب العسكرية المباشرة لينطلق سيناريو (الربيع العربي) الحرب الناعمة والذكية في تحقيق الأهداف ذاتها مع تغيّر بعض التفاصيل في التكتيك لنشر الفوضى الخلاقة وانهيار الدول الوطنية وبامتطاء الإسلام عبر مشروع العثمانية الجديدة في تحقيق ذلك، والتي فشلت فشلاً ذريعاً ما تزال نتائجه قيد التحقق في مصر وتركيا وتونس وأكثر من دولة، فكانت السيناريوات البديلة جاهزة، وجزء منها قد بدأ تطبيقه سابقاً في الميدان الاقتصادي بتطبيق الحصار والعقوبات الأميركية على ما أسموهم «دول محور الشرّ وحلفائها» والتي هي في حقيقتها دول محور المقاومة وحلفائه وتشديد هذه العقوبات لتفجير ساحات هذه الدول من الداخل كخطوة لانهيارها. فكانت أيضاً خطوات أصيبت بالخيبة تلو الخيبة في تحقيق أهدافها المرجوة، بل حصدت مزيداً ومزيداً من ترصيد النتائج لصالح قوى دول محور المقاومة وحلفائه.

استمرت سياسة وسيناريوات محاولة نشر الفوضى الخلاقة في قطاعات وميادين أخرى اقتصادية واقتصادية صحية. فبعد فشل الاجتماع الأخير في فيينا لمنظومة «أوبك بلاس» التي تضمّ الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدّرة للنفط «أوبك» والدول النفطية الحليفة من خارج المنظمة، وقرار المملكة السعودية بتعويم السوق بالنفط الخام بذريعة رفض روسيا لإجراء خفض إضافي للإنتاج النفطي لأنّ المستفيد الحقيقي من ذلك هو شركات النفط الصخري الأميركية. وهذا ما ساعدها سابقاً، وبالتالي الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية من الوصول لمستوى أكبر منتج للنفط في العالم، وبتحليل الموقف السعودي وتداعياته وآثاره على المملكة العربية السعودية وروسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية ودول منظمة «أوبك»، وبعد إدراجه في منظومة حرب باردة من نوع آخر بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية نجد ما يلي:

ـ لقد تمّ ذلك بطلب وضغط أميركي بعد انهيار سعر برميل النفط الصخري الأميركي وعدم قدرته على منافسة الأسواق العالمية وتأثيره سلباً على الشركات التي تنتجه تحت وطأة الديون الثقيلة وبالتالي تراجع القطاع البنكي الأميركي، إضافة إلى أنه قد يحتاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ضوء ذلك إلى تراجع أسعار المحروقات في السوق الداخلية الأميركية كإحدى أدواته الانتخابية لضمان صوت الناخب الأميركي.

ـ هناك تقارير اقتصادية مؤكدة عن تطوّر القطاع النفطي الروسي على مدى السنوات الماضية، وإمكانية تحمّل روسيا أعباء تراجع أسعار النفط لخمس سنوات متواصلة حتى لو وصل سعر برميل النفط لـ 20 دولاراً، وذلك لأنّ الاقتصاد الروسي هو اقتصاد متنوّع وميزانية الدولة الروسية تعتمد فقط على 40% منها على الصادرات النفطية الروسية.

ـ الخاسر الأكبر من هذا القرار هي دول الخليج وخاصة السعودية بسبب العجز في ميزانية المملكة السعودية جراء سياسة دعم وتمويل الحروب الأميركية وحرب اليمن، والذي سيزداد ثقلاً على الاقتصاد السعودي إذا استمرّ التراجع في أسعار النفط إلى فترة زمنية أطول في ظلّ أنّ أغلب الميزانية السعودية تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية بالإضافة إلى إيرادات الحجّ والعمرة التي ستصاب بالعجز أيضاً نتيجة انتشار وباء كورونا.

ـ سينعكس ذلك سلباً على باقي دول منظمة أوبك التي تعتمد ميزانيتها بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية مثل نيجيريا وفنزويلا والعراق وبشكل أقلّ إيران التي خفضّت من اعتماد ميزانيتها على الإيرادات النفطية التي لا تتجاوز 20%، وخاصة مع انتشار فيروس كورونا الذي يشكل أكبر تحدٍّ اقتصادي في وجه الاقتصاد العالمي بعد الانهيار الاقتصادي العظيم في عام 1929، وحاجة هذه الدول لدعم الاقتصاد الصحي لديها في مواجهة هذا الوباء.

ـ إنّ قرار روسيا بالتخلي عن منظومة «أوبك بلاس» برفض التخفيض الإضافي لإنتاج النفط أعاد الأسواق النفطية إلى التوازن، حيث كانت الدول النفطية ذات الكلفة الرخيصة الثمن بإنتاج النفط هي التي تتحمّل أعباء تحقيق التوازن في الأسواق النفطية العالمية لصالح شركات النفط الصخري الأميركية التي تعاني من ارتفاع تكلفة انتاجها النفطي.

ـ بعد نجاح الصين في احتواء فيروس كورونا، وتراجع المخزون النفطي الصيني عن مستواه بشكل كبير بسبب تداعيات فيروس كورونا، قد يستعيد القطاع الاقتصادي الصيني نشاطه قريباً، وتبدأ باستيراد واستغلال فرصة تراجع أسعار النفط لملء مخزونها النفطي، وفي ظلّ اتفاقية تبادل السلع عن طريق العملات المحلية بين روسيا والصين ستكون روسيا وجهتها الأولى مما ينعكس إيجاباً على الشركات النفطية الروسية والقطاع النفطي الروسي، وبالتالي الاقتصاد الروسي، لأنّ الصين هي أكبر مستورد للطاقة في العالم.

وفي الميدان الصحي الاقتصادي واذا كانت فرضية انتشار فيروس كورونا في إطار الحرب البيولوجية الأميركية، وأيضاً في إطار استراتيجية تدمير الاقتصاد ونشر الفوضى الخلاقة على مستوى العالم لإعادة هيكلته وفق سيناريوات أميركية جديدة، وبالإمعان في طريقة تعامل الحكومات في الصين وإيران وإيطاليا في طريقة احتواء الفيروس ومنع انتشاره باعتبار حياة البشر وحماية الأرواح أولوية، وطريقة تعامل الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الغرب ذات شعارات حقوق الإنسان وتصريحات بوريس جونسون ودونالد ترامب باعتبار الاقتصاد والأرقام المالية أولوية. فإنّ ذلك وبالتوازي والتماهي بين نتائج حرب أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا، قد تكون له آثار إيجابية في انهيار السياسة النيوليبرالية المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية للتقليل من دور الدولة وزيادة دور القطاع الخاص ضمن خطة وأجندة نشر الرأسمالية الأميركية في العالم نحو خريطة جيوسياسية جديدة تشمل الدول الحاملة للقيمة الإنسانية ومنظومة الأخلاق وتأخذ موقعاً متقدّماً فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى