مقالات وآراء

المساعدات الدولية للبنان: حلم أو حقيقة؟

} د. فؤاد زمكحل

كلّ الأنظار تتركز اليوم حول المساعدات الدولية المتوقعة والتي يتأمّل فيها البعض:

أذكّر انه ليست المرة الاولى التي يواجه خلالها لبنان أزمة تعثّر مالي صعبة، لكن هذه المرة يُواجه وطننا ازمة مالية ونقدية واقتصادية واجتماعية لا مثيل لها.

من البديهي ان نرجع الى الوراء ونركّز على المؤتمرات الدولية التي نُظمت لمساعدة لبنان، أبرزها في العام 2001، حيث انعقد مؤتمر باريس – 1 لمعالجة أزمة السيولة والدين العام، في حضور الأقطاب اللبنانيين الأساسيين، وممثلي البلدان المانحة، وقد حصل لبنان في نتيجة المؤتمر على استثمارات بمليار دولار في حينه، ثم انعقد مؤتمر باريس – 2 في العام 2002، حيث استقطب لبنان ملياراً ونصف مليار دولار، وتوالت المؤتمرات الدولية لمساعدة لبنان، وأبرزها اجتماع استوكهولم في آب 2006، الذي حصل لبنان في نتيجته على مليار دولار للاستثمار فيه، وانعقد مؤتمر باريس – 3 في العام 2007 حيث حصل لبنان على 7,6 مليارات دولار للاستثمار، ثم حصلت أربعة اجتماعات أثناء الفراغ الدستوري في لبنان أبرزها: اجتماع روما في العام 2008 حيث حصل لبنان في نتيجته على وعود بمليار ونصف مليار دولار، وثلاثة اجتماعات في بروكسل في العامين 2018 و2019، واجتماع لندن حيث حصل لبنان في نتيجته على وعود بـ 3 مليارات دولار، وقد تُوّج هذا الاهتمام الدولي بتنظيم مؤتمر «سيدر» في باريس حيث حصل لبنان نتيجته على وعود بـ 12 مليار دولار.

بناء على ما تقدّم، هذا يعني انّ المجتمع الدولي لم يترك لبنان في أحلك ظروفه، حيث قدّم له المساعدات المالية، النقدية، الاقتصادية والاجتماعية منذ سنوات طويلة.

لكن ماذا كانت ردة الفعل في لبنان على الأقلّ على مدى السنوات العشرين الماضية؟

لم يتحقق وعد واحد من الدولة اللبنانية، كما لم يجر إصلاح واحد قدّمته كلّ الحكومات المتتالية تجاه الجهات الدولية والبلدان المانحة، على سبيل المثال لا الحصر: إعادة هيكلة الدولة، ترشيق حجم الدولة، تنفيذ إصلاح الكهرباء، وقف الإهدار، محاربة الفساد، مراقبة المرافئ البرية والبحرية والجوية، وتحسين التحصيل الضريبي وغيرها من الوعود والإصلاحات المطلوبة والمرجوّة.

لذا، وفي هذه العجالة، نسأل أنفسنا: هل يمكن ان يقوم المجتمع الدولي الذي أهدر أموالاً لمساعدة لبنان، إذ كان الأجدر به ان يصرف هذه الأموال على شعوبه واقتصاداته، هل هذا المجتمع الدولي مستعدّ اليوم لمساعدة لبنان مرة أخرى من خلال الطبقة السياسية نفسها التي حكمت لبنان في الأعوام الثلاثين الأخيرة، ودمّرته اقتصادياً واجتماعياً؟

وهل يُمكن للمجتمع الدولي ان يُومّن مرة جديدة، للطبقة السياسية الموجودة، والتي دمّرت لبنان خلال الحرب الأهلية على مدى 15 عاماً (1975 – 1990)، مساعدات مالية كي تُهدرها مجدّداً؟

أقول، لسوء الحظ، بالطبع لا، لأنّ المجتمع الدولي من الصعب عليه دعم لبنان مرة أخرى، في حال استمرت الطبقة السياسية عينها، والتي تقوم بالإهدار نفسه وتتصرف وفق طريقة تفكيرها نفسها.

المجتمع الدولي يُدرك أوجاعنا ويُتابع من قريب إدارتنا، لكن في الوقت عينه، علينا ان نكون صادقين مع أنفسنا، لأنه من الصعب جداً بعد توفير كلّ هذه الاستثمارات للبنان على مدى السنوات الماضية بمبالغ طائلة (تفوق الـ 50 مليار دولار) ان يكتشف هذا المجتمع الدولي انّ هذه الأموال هُدرت بالفساد، والدليل على ذلك، أننا لم نستطع بناء النظام الاقتصادي السليم والحديث، ولم نقم بالبُنى التحتية الملائمة للشعب اللبناني من كل هذه الأموال التي تلقاها لبنان مؤخراً.

واقع الحال، انّ صندوق النقد الدولي، ليس جمعية خيرية، بل انه مؤسسة استثمارية كبيرة وبنك تمويلي عملاق، لديه طريقة تفكير علمية معيّنة، ويزور لبنان نحو ثلاث مرات في السنة، بطريقة مستدامة ولديه مكتب في لبنان، ويعرف الوقائع اللبنانية بالتفاصيل.

فقبل التنبّؤ، لنتوقف قليلاً عند مساعدات صندوق النقد الدولي لبلدان المنطقة. في مصر التي يقطنها نحو 100 مليون شخص، تلقت مساعدات من الصندوق بنحو 3 مليارات دولار، والأردن التي قامت بإصلاحات إدارية أكثر بكثير مما حصل في لبنان، تلقت مساعدات من الصندوق بمليار ونصف مليار دولار. كما انّ صندوق النقد تدخّل في قبرص لمساعدتها، إثر إفلاسها، ودعمها بمليار دولار، وقد نجحت قبرص بإعادة هيكلة الدولة وإعادة النمو.

كذلك اليونان التي تعرّضت للإفلاس التامّ، ورغم أنها من ضمن دول الاتحاد الأوروبي الذي يضمّ بلداناً غنية مع إمكانات مالية كبيرة، تلقت مساعدات من صندوق النقد الدولي بنحو 32 مليار دولار، على مدى 8 سنوات، لكن هذه المساعدات جاءت في مقابل إصلاحات جذرية وقاسية رضخت لها اليونان حتى تاريخه.

بناء عليه، في حال استطاع لبنان ان يحصل على المساعدات من صندوق النقد الدولي، فإنه لن يحصل على أكثر من ملياري دولار او ثلاثة مليارات دولار (رغم تمنياتنا القلبية بأن يكون الرقم أكبر بكثير)، رغم المفاوضات والاجتماعات التي ستأخذ وقتاً كثيراً بين الحكومة اللبنانية والمسؤولين في صندوق النقد الدولي. وهذا يعني أنّنا أمام مسار طويل وصعب وشائك.

ليس علينا ان نتشاءم أو نتفاءل، لكن ان نكون واقعيين وموضوعيين، إذ بحسب الوقائع التي تحدثنا عنها قبلاً، من الصعوبة بل من المستبعد ان يحصل لبنان على المساعدات المالية الدولية ما لم يكن قد قام بعملية الإصلاحات الضرورية للقطاع العام. ويبقى السؤال الجوهري: لماذا وصلنا الى هذا الحدّ من التدهور، ونحن بلد معروف عنه اننا نُصدّر شبابنا وثقافتنا ونجاحاتنا الى الخارج؟

في الواقع نحن نريد ان نُعيد الثقة بلبنان، تجاه المغتربين والمجتمع الدولي والبلدان المانحة، وان نُحقق قصص نجاح (ولو قصة نجاح واحدة) أمام العالم كي يستعيد ثقته بنا. مثلاً علينا أولاً إصلاح قطاع الكهرباء، لأنّ فشلنا الأكبر حتى تاريخه (بعد كلّ هذه المؤتمرات والاجتماعات الدولية) يتمثل بعدم إصلاح قطاع الكهرباء. فمشروع الكهرباء يُكلّف الدولة هدراً بملياري دولار في السنة (ثلث الموازنة الحكومية)، كما يُكلّف الأسر اللبنانية ثلث مداخيلها.

لتأمين الكهرباء بواسطة المولدات الخاصة، وهي كلفة مزدوجة. فإصلاح الكهرباء (في ما لو تحقق) يُوفر مبلغ الملياري دولار (الهدر السنوي) الذي يُمكن ان يُستثمر بمساعدات صحية او اجتماعية في لبنان، وبذلك نُقدّم للمجتمع الدولي مثلاً حيّاً بأننا قمنا بإصلاح واحد، وخصوصاً الكهرباء التي تُمثل حتى تاريخه الفشل الأكبر للدولة.

انّ الحلول المقترحة حيال مشروع الكهرباء أبرزها الخصخصة، ونحن كنا كقطاع خاص، من أكبر المطالبين بخصخصة القطاع، أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص المسمّاة Private Public Partnership – (PPP)، ولكن بتنا حذرين في الحديث عن هذا المشروع اليوم، لأننا نخشى أن تحصل عملية الخصخصة المُشار إليها بواسطة المسؤولين أنفسهم باستثمار أموال الفساد المهرّبة، (كما حصل في بلدان أخرى) فنكون قد استبدلنا ونقلنا الفساد الأول الى فساد آخر.

الاقتراح الذي أعرضه في سياق إصلاح الكهرباء هو خصخصة الإدارة على لمدّة محدّدة، على طريقة B.O.T Build – Operate – Transfer  (التشييد والتشغيل ونقل الملكية)، بواسطة شركات عالمية مثل: «سيمنز» الألمانية، «جنرال الكتريك»، الأميركية و«كهرباء فرنسا»، فضلاً عن شركات صينية وغيرها، مستعدّة لهذا المشروع الإصلاحي لقطاع كهرباء لبنان.

وفي حال بدأنا بإصلاح الكهرباء، فإننا نكون قد بدأنا توفير المبلغ المهدور (ملياري دولار في السنة)، واستثماره في قطاعات إنتاجية أخرى، وهكذا نكون بدأنا نستعيد الثقة الداخلية والدولية بلبنان. لكن في حال استمرينا بسياسة التسوّل، فإننا لسوء الحظ لن نجد أحداً يُقدّم لنا يد المساعدة، او يدعمنا من دون الأسس الإصلاحية، لأنّ الإصلاح بات العنصر الجوهري الأول الذي ينبغي أن يسبق أي مساعدة دولية.

أختم وأقول: نحن لدينا قدرات كبيرة، وموارد بشرية ماهرة ومن ذوي الكفاءات العالية، لكن علينا أن نساعد أنفسنا قبل أن يُساعدنا الآخرون. علينا المثابرة والتضحية والتمسّك بالأمل والشغف، لأننا لم ولن نستسلم مهما كانت الظروف المالية والاقتصادية صعبة».

*رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى