أولى

عن زلزال بيروت…

 

 رامز مصطفى*

 

ما تعرّضت له بيروت قبل أيام هو زلزال بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، وقد خلّف وراءه ما يفوق وصفه من حجم الخراب والدمار، الذي لم يسلم منه لا بشر أو حجر أو شجر. وهو بذلك قد قضى ولو لزمنِ على مقدرات دولة لا ينقصها مما تعانيه من كارثة اقتصادية وصحية واجتماعية. مع فارق أنّ زلزال بيروت بل لبنان ليس من فعل الطبيعة، بل من فعل بشر ليسوا من جنس البشر إلاّ في الهيئة والتكوين، ما عدا ذلك هم وحوش آدمية أكلت كما يُقال الأخضر واليابس في لبنان، ليأتي الانفجار المهول ويقضي على ما أبقته تلك الوحوش ولو على بصيص من أمل.

ما تعرّض له لبنان من انفجار نال من بيروت، عاصمة المقاومة، وعروس المدائن، قد شرّعَ الأبواب على مصراعيها، تحليلاً وسجالاً وتضليلاً واتهاماً، واستدراجاً لعروضٍ سياسية في المطالبة بالحيادية والتحقيق والوصاية الدولية، في محاولة لإعادة عقارب الزمن إلى 15 عاماً يوم اغتيل الرئيس رفيق الحريري، وأُدخِلّ لبنان في نفقٍ مظلم لا يزال يُعاني منه حتى اليوم.

في قراءة هادئة ومتأنية لما تعرّض له لبنان بسبب هذا الانفجار، والذي وصِف على أنه ثاني انفجار بهذه القوة والقدرة التدميرية بعد هيروشيما قبل 75 عاماً لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:

ما يلفت الأنظار، هو التوقيت الذي تتقاطع معه مجموعة من الأحداث والتطورات التي يشهدها لبنان، وصولاً إلى المستويين الدولي والإقليمي. فمحلياً السجال السياسي المستعر قد أوصل لبنان إلى حافة الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي مع دخول جائحة كورونا كمستجدّ على مجموع تلك الأزمات، مع حصار أميركي خانق بهدف إخضاع الدولة والحكومة اللبنانية، وتنفيذ مطالب الإدارة الأميركية، والتي في الأصل هي مطالب الكيان الصهيوني في رفض ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي سحب سلاح حزب الله، الذي يوقف قادة الكيان على رجل ونص. إنما يُدلل على أنّ الحادث الأخطر الذي مرّ على لبنان، ليس بريئاً أقلّه حتى تقول الدولة اللبنانية كلمتها الفصل في هذا الشأن لجهة الجهات المتورطة سواء أشخاص أو دول.

ربطاً بما سبق، التفجير بهذه الطريقة وما أكده العديد من الخبراء والمحللين والمراقبين، وحتى التصريحات والمواقف التي سبقت الانفجار، أو بعده تقول إنّ التفجير متعمّد، وهذا ما أكده الرئيس ترامب حين قال: «إنّ جنرالات أميركيين أبلغوه بأنّ انفجار بيروت سببه قنبلة من نوع ما»، ومضيفاً «يبدو كأنه اعتداء رهيب». وأصابع الاتهام تشير هنا إلى الكيان الصهيوني، ونتنياهو على وجه الخصوص، الذي يحاول جاهداً افتعال أحداث من شأنها أن تغيّر مشهد ما يعانيه من أزمات داخلية وخارجية، تحاصره أينما أدار وجهه. والتظاهرات غير المسبوقة بشقيها، المطلبي المعيشي ودعوة نتنياهو إلى الاستقالة على خلفية ملف الفساد وتفشي وباء كورونا في الكيان. وبالتالي الأزمة المتصاعدة بينه وبين شركائه من تكتل أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس، في حكومة ما تسمّى بـ «الوحدة»، تؤشر باتجاه الذهاب إلى انتخابات مبكرة لـ «الكنيست»، هي وإلى جانبها التحديات الخارجية التي يفرضها محور المقاومة لا سيما حزب الله.

مسارعة البعض إلى كيل الاتهام إلى حزب الله أنه المتسبّب في الانفجار الفاجعة، بزعم تخزينه السلاح من صواريخ ومادة الأمونيوم في العنبر رقم 12. هذه الاتهامات أتت في سياق الاستغلال السياسي ومصائب الناس والكارثة التي حلّت بهم، والمفجع أنها استندت إلى معلومات تحدّثت عنها صحيفة «هآرتس» العبريّة. وما دخول الكيان الصهيوني على خط التحريض على حزب الله، إلاّ في إطار البرنامج المُعدّ له بهدف تنفيذ ما تبقى من القرار 1559. مؤكد أنّ هذه الاتهامات محض افتراءات، قد تمّ دحضها من قبل السيد حسن نصر الله في إطلالته المتلفزة، والتي نفى بلغة الواثق والحازم أن يكون للمقاومة أية أسلحة في مرفأ بيروت، وهي أي المقاومة ليست معنية أن تعرف ما فيه، بقدر ما هي معنية أن نعرف ما في ميناء حيفا، من أجل حماية لبنان والمقاومة. هذه المُسارعة تقف خلفها استهدافات سياسية، المؤسف أنها تتقاطع مع مواقف العدو الصهيوني شاء أم أبى أصحابها، الذين تناوبوا على استجرار طروحات تتعلق المطالبة بالتدويل والتحقيق الدولي، وتوقيع وثيقة الكترونية، طالب أصحابها بفرض الانتداب الفرنسي على لبنان. ولم تغب الأصوات المطالبة بإسقاط الحكومة واستقالة رئيس الجمهورية، وانتخابات مُبكرة لمجلس النواب، تقاطعت ومن خارج المتوقع مع دعوة رئيس الحكومة حسان دياب بضرورة الذهاب إلى تلك الانتخابات. في وقت شهدت العاصمة بيروت تظاهرات، تم خلالها اقتحام عدد من المتظاهرين لعدد من الوزارات، مع محاولة منهم لاقتحام المجلس النيابي، وكأنها خطوة استباقية لمؤتمر دعم لبنان الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اليوم التالي على تلك التظاهرات.

ولعلّ أولى تلك التصريحات هي الدعوة التي أطلقها رؤساء لحكومات سابقة، مع عدد من المرجعيات السياسية، اعتقاداً منهم أنّ الظروف والأوضاع التي أوجدها الانفجار، هي فرصة سانحة للانتقام السياسي على طريقة العام 2005، حيث إن اغتيال الرئيس الحريري أتى بالمحكمة الدولية التي أجّلت نطقها بالحكم أو الاتهام في قضية اغتيال الرئيس الحريري إلى موعد لاحق من هذا الشهر، والسبب الواهي هو الانفجار.

انفجار أو تفجير مرفأ بيروت، المُراد منه تسريع الانهيار الاقتصادي والمالي، بل ما هو أبعد من ذلك، فقانون قيصر الأميركي يستهدف سورية اقتصادياً، ولبنان هو الشريان الذي يمدّ سورية بالبضائع أرادوا قطعه، بهدف المزيد من خنق سورية حتى ترضخ للرؤية السياسية الأميركية التي أعلن عنها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري في حزيران الماضي. وبسبب دمار مرفأ بيروت سيتولى مرفأ طرابلس مهامه إلى حين إعادة إعماره، وإلى حينه، فإنّ أية بضائع ستتوجه إلى سورية هناك مَن ينتظرها على الطريق المؤدي إلى الحدود السورية لمنعها من إكمال وجهتها، وهذا ما حصل في 13 حزيران الماضي، عندما أوقف متظاهرون بالقرب من منطقة التبانة شاحنات متوجّهة إلى سورية، وإجبارها على تفريغ حمولتها. وبالتالي ما يطمح له الكيان الصهيوني ومنذ اغتصابه لأرض فلسطين، أن يكون ميناء حيفا الأول في المنطقة، ليكون معبراً للبضائع من وإلى دول الخليج والعراق. لذلك المهمة المُلحة والمُستعجلة هي عدم التلكؤ في إعادة بناء مرفأ بيروت.

رغمّ مأساوية المشهد المؤلم والمفجع بتقديري أنّ لبنان القوي قادر على تجاوز محنته، وأنّ الشعب اللبناني العنيد يمتلك من الإرادة ما يحفّزه على تجاوز مصائبه. ومشهد التكافل والتضامن الاجتماعي رسالة واضحة لكلّ من يريد الأذى بلبنان، الذي سيبقى يستظل بقوة جيشه وشعبه ومقاومته، لهو قادر على حماية حريته وسيادته واستقلاله.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب فلسطيني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى